واقع المشاركة السياسية لدى الشباب في قطاع غزة

واقع المشاركة السياسية لدى الشباب في قطاع غزة
Spread the love

شجون عربية – أمين سمودي* |
يعتبر مفهوم الشباب من المفاهيم الاجتماعية التاريخية التي تظهر وتختفي وفقاً لحاجة المجتمع لاستخدامها، والجميع يمر بتلك المرحلة العمرية، وفي نظام التعليم الحديث ظهرت فئة الشباب والتي تتراوح وفقاً للأمم المتحدة ما بين(15-24) عاماً، ما بين شباب وشابات، ويلعب النوع الاجتماعي دوراً في تحديد احتياجات الطرفين، وفي المجتمع الفلسطيني تكون الاستجابة وفقاً للنظام الأبوي والذي يلقي على الاختلافات البيولوجية فروق في الأدوار والفرص والحقوق وفقاً لأساس النوع الاجتماعي السائدة في المجتمع.
كما تختلف الأدوار وفقاً للسلم الاجتماعي والطبقي والمنطقة السكنية التي يعيش فيها الفرد، وفقاً للموارد والإمكانيات المتاحة في المجتمع، إضافة إلى مدى وجود الدعم النفسي والقدرات البدنية التي تتحقق في الأفراد لتلك المرحلة العمرية، ومن ضمن الحقوق الواجب توفيرها لهم هي الحقوق السياسية وخاصة المتعلقة بالانتخابات، فوفقاً للدستور الفلسطيني نصت المادة(21) على أنه “لكل فلسطيني يبلغ من العمر 18 سنة ميلادية حق الانتخاب، وذلك وفقاً للشروط المنصوص عليها في القانون ولكل من يحمل الجنسية الفلسطينية أن يرشح نفسه لرئاسة الدولة أو لعضوية المجلس النيابي و/أو أن يولى الوزارة، أو القضاء، وينظم القانون السن وسائر الشروط اللازمة لتولي هذه المناصب”.
وفقاً لإحصائية 2021 يُشكل الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 30% الذين تتراوح أعمارهم من (15-29) عامًا، من إجمالي السكان.
أولًا: أهم المؤشرات حول واقع الشباب:
نسبة الشباب من المجموع العام للسكان: وفقاً لإحصائية عام 2013 عدد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية يقدر بـ(3825149) نسمة، وما نسبته (26.85) من الشباب، (27%) من الذكور، و(26.5%) من الإناث، ويشكل ذوي الاحتياجات الخاصة ما نسبته (1.6%).
الشباب أرباب الأسر: يترأس الشباب ما نسبته (16.4%) من الأسر الفلسطينية.
الشباب في مجال التعليم: حوالي (42.5%) من الشباب ملتحقين بالتعليم، فيما تبلغ نسبة الأمية بين الشباب (1.1%).
الشباب في سوق العمل: بلغت نسبة مشاركة الشباب في القوى العاملة عام 2005 55.1%، حيث انخفضت عما كانت عليه سنة 2000 والتي كانت تصل إلى 61.9%.
الشباب والمشاركة الاجتماعية والثقافية وقضاء الأوقات: حسب إحصائيات العام 2005 (50.5%) من الشباب يتردد على دور العبادة، (12.4%) على النوادي الرياضية، (11.8%) على الندوات، (9.5%) على حفلات موسيقية، (6.9%) على المكتبات العامة، (6.0%) على الأنشطة الثقافية.
الشباب وقيادة المجال العام: تعتبر فئة الشباب الأكثر مشاركة في قضايا المجتمع، والأكثر فعالية في الجوانب الاجتماعية والسياسية والتنظيمية، وظهر ذلك جليًا من خلال الانتفاضات المتعاقبة التي شهدها الفلسطينيين ضد الاحتلال، فكان للشباب دور كبير في تلك الفعالية.
الشباب الفلسطيني والانتخابات: استبعد النظام الأساسي الفلسطيني الشباب من إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية مؤكدًا على ضرورة أن يكون المرشح للانتخابات الرئاسية قد أتم الـ40 عاماً وفقاً للفقرة (2) من المادة (12) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2005، إلا أنهم لعبوا دور كبير في عملية التصويت لاختيار الرئيس في العامين 1996- 2005، وفي الانتخابات التشريعية خاض (15) شاباً دون سن الأربعين الانتخابات في العام 1996، كما ترشح (122) شاباً منهم (18) أنثى و(104) من الذكور في الانتخابات التشريعية للعام 2006.
الشباب في الوظائف العليا: يمثل الشباب نسبة قليلة في مجلس الوزراء، حيث ظل بلا وزراء شباب، إلا أنه الحكومة التاسعة دخل أول شاب كوزير للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى الحكومة العاشرة دخل وزيرين للعمل والحكم المحلي دون سن الـ40، وحسب إحصائية 2014 وجد أن 1% فقط من الشباب ينتمون للفئات العليا من الوظائف الحكومية وغير الحكومية.
الشباب في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية: في بداية تأسيس المنظمة كانت تُقاد من قبل الشباب إلا أنه في ظل غياب التجديد الديمقراطي وعدم تفعيل المنظمة وهياكلها المتمثلة بالمجالس المركزية واللجنة التنفيذية والمجلس الوطني أصبح هناك جمود في تجديد العضوية.
الشباب في المؤسسات السياسية والتنظيمات: يوجد جمود في غالبية القوى والفصائل الفلسطينية لتمثيل الشباب في المراكز القيادية، باستثناء حركة حماس وفدا وحزب الشعب والتي تعتبر حركات فتية ولديها قيادات شابة نظراً للتجديد المستمر في عضويتها وعقد المؤتمرات بشكل منتظم ويوجد العديد من تقلد المناصب داخل التنظيم دون سن الـ40، ورغم ذلك يوجد نداءات كثيرة لتصدر الشباب التنظيمات والدعوات لإجراءات الانتخابات من أجل التجديد، وفتح الطريق أمام الشباب للوصول إلى مراكز صنع القرار.
المراكز والنوادي الشبابية: يوجد حوالي (366) نادي ومركز شبابي في فلسطين إضافة إلى (28) مركزاً نسوياً داخل المخيمات، ومنظمات شبابية كالاتحاد الديمقراطي الفلسطيني التابع لحركة(فدا)، واتحاد الشباب الديمقراطي(أشد)، واتحاد الشباب التقدمي الفلسطيني، وجبهة العمل الطلابي التقدمي، ومنظمة الشبيبة الفتحاوية، وشبيبة حزب الشعب… إلخ، وتعتبر مجالس الطلبة في المعاهد والجامعات هي المؤشرات القوية لمشاركة الشباب في العمل التنظيمي إلا أن هناك ضعف في برامج الحركة الطلابية وانحصار عملها في مجالات التأطير الفئوي والموسمي أوقات الانتخابات.
ثانيًا: محددات المشاركة السياسية لدى الشباب الفلسطيني:
من أبرز المحددات لمشاركة الشباب الفلسطيني في المجال السياسي وفقاً لمنظمة اليونسيف الدولية للعام 2001 كانت كالتالي:
الحاجة إلى تقبل الشباب ونموه العقلي والجسمي بهدف إدراك ما يدور حوله.
توزيع الطاقات الشبابية في الأنشطة التي يميلون إليها.
الوصول إلى تحقيق الذات بما يعنيه من اختيار حر وواعي لدوره المجتمعي وشعوره بالانتماء لمجتمعه.
توفير الرعاية الصحية والنفسية الأولية والتي تساهم في نموه وتوازنه وإعطائه ثقافة صحية عامة تمكنه من فهم التغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة.
المعرفة والتعليم كونهما يشكلان دور كبير في حياة الأفراد والتي تساهم في توسع الآفاق والمدارك العقلية.
الاستقلال وهو مقدمة لبناء الشخصية المستقلة والتأهيل لاتخاذ القرارات المصيرية في الحياة والعمل.
تلبية الاحتياجات الاقتصادية الأساسية المتمثلة بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن.
الحاجة إلى الترفيه والترويح مثل توفير دور السينما، المسرح، المنتزهات، معسكرات شبابية.
ثالثًا: السمات التي تميز الشباب الفلسطيني:
في هذا السياق، لقد تبين أن هناك العديد من السمات التي تميز الشباب الفلسطيني وتتمثل في التالي:
الاستعداد للتغيير: يكون الشباب في مرحلة تلقي واكتساب القيم المجتمعية والتقاليد والعادات، إلا أنها لم تترسخ بعد في ذاته، ومع مرور السنوات تجعله يتقبل تلك القيم والثقافة المجتمعية وتصبح أكثر يسراً وبساطة في مدى تقبلها.
الطموح والتطلع للمستقبل: من خلال التطلع للطموحات العريضة في إطار من المثاليات فيبدو التطلع لمستقبل زاهر بدرجة عالية، قبل أن تأتي مراحل العمر التالية والتي تصدمه في الحياة الواقعية بمعاناته وتفرض عليه التكيف بالتنازل عن العديد من آماله وطموحاته ومثالياته.
التذبذب والتردد: وهنا تنتابهم مشاعر وأحاسيس شديدة التقلب والتي تنعكس على تصرفاتهم بنفس الدرجة، فيكون يوماً مرحاً وآخر عابساً، عقلانياً تارة وعابثاً تارة أخرى، قابلاً للنصح والإرشاد مرة ورافضاً وساخطاً مرة أخرى، ما يعكس حالة الصراع التي تدور داخلهم جسدياً وعقلياً وانفعالياً.
القدرة على اكتساب المعلومات: ساهمت ثورة الاتصال والتقدم الهائل في تقنياته ووسائله في تيسير حصول الشباب على كم كبير من المعلومات في كافة المجالات، وأصبحوا أكثر عرضة للآراء المتعددة ووجهات النظر المختلفة في كافة الميادين، إلا أنه يقابله عدم توافر سبل الإرشاد بهدف إيضاح الزائف والصحيح في ظل المعلومات والآراء المتدفقة.
التعليم وتحسن مستوى النضج العقلي: حظي شباب الجيل الحالي بتعليم نظامي عالي المستوى مما ساهم في تحسين مستوى نضجهم العقلي والانفعالي مقارنة بالأجيال السابقة، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على خبراتهم في أمور متعددة، مما خلق لديهم مشاكل في الاغتراب الاجتماعي لعدم قدرة المجتمع على استيعاب إمكاناتهم الجديدة والمتلاحقة.
رابعًا: مشكلات الشباب الخاصة بالهوية:
لقد أورد مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام لمجموعة من الباحثين أبرز المشكلات الخاصة بالهوية للشباب وهي كالتالي:
سرعة التغيير في المجتمع: تتعرض الحياة لهزات عنيفة نظراً لسرعة التحرك وشعور الإنسان بتلك الحياة من زاوية مفاهيمه عن الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية، إضافة إلى الثقافة السائدة.
التحديث: وذلك عبر التغير الضخم الشامل في كل مكان، إضافة لعدم القدرة على التعامل بنجاح مع المجتمعات الديناميكية ما يؤدي إلى اهتزاز الهوية لدى الشباب.
التشتت النفسي: وهو الحاصل ما بين القديم الأصيل والجديد المستورد، وبين قيمة العمل اليدوي وعائده وبين الوظيفة، ما يؤدي إلى شعور الشباب بالاغتراب في وطنه بسبب فتور العلاقات الإنسانية وشكه في كل شيء.
خامسًا: الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشباب في محافظة رفح:
الواقع الديموغرافي: تقع محافظة رفح جنوب قطاع غزة، على خط طول شرقي (30-52) وخط عرض شمالي (29-36)، وتبعد عن مدينة غزة 38 كم، وعن خان يونس 13 كم، وعن قرية الشيخ زويد في سيناء 16 كم، وعن مدينة العريش المصرية 45 كم، وترتفع عن سطح البحر بـ48 متراً، ويقدر عدد سكانها 209287 ألف نسمة وفقاً لإحصائية عام 2012، عدد اللاجئين 141759 مواطناً، ويبلغ نسبة اللاجئين في المحافظة حوالي ثلثي عدد السكان، وبالتالي التوجه لدى الشباب نحو التمسك بحق العودة، إضافة إلى أن طبيعة الكثافة السكانية داخل المخيمات تجعل منهم كتلة مضغوطة قابلة للانفجار والمشاركة في أي مسيرات منددة بالاحتلال وتحث على المقاومة.
الواقع التعليمي والقيمي: وفقاً لإحصائية عام 2007 يبلغ عدد الأفراد المقيمين في المحافظة البالغين 5 سنوات فأكثر والملتحقين بالتعليم (65252) فرداً أي ما نسبته (46.8%)، بينما يبلغ عدد الأميين (6784) فرداً بنسبة (7.3%) من نفس الفئة العمرية، ويبلغ عدد الحاصلين على مؤهلات دبلوم متوسط فأعلى (1580)، ويوجد عدد من الجامعات المحلية مثل جامعة القدس المفتوحة والتي تم افتتاحها عام 2002 ويستفيد منها حوالي 20 ألف طالباً وطالبة، والكلية العربية للعلوم التطبيقية والتي تأسست عام 1999، والمعهد العربي الثقافي الذي تأسس عام 1994، إضافة إلى جامعة بوليتكنك فلسطين فرع رفح تأسس عام 2005.
واقع سوق العمل: بلغ عدد المواطنين النشيطين اقتصادياً في المحافظة أكثر من (34830) فرداً بنسبة (30%)، موزعين بواقع (40930) ذكراً بنسبة (52.3%) من مجموع الفلسطينيين الذكور، و(4214) أنثى بنسبة (7.6%) من مجموع الإناث، وبلغ عدد العاطلين عن العمل (4912) فرداً، بنسبة (35%) وبلغت نسبة البطالة حسب نوع التجمع في الحضر بين المواطنين (36%) وفي المناطق الريفية بنسبة (48.8%)، وفي المخيمات بنسبة (32.4%)، وهو ما يؤشر إلى عدم رضى الشباب في المحافظة عن القوى السياسية القائمة لعجزها عن الوفاء بمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية.
واقع الأوضاع والعلاقات الاجتماعية: يتعرض الشباب في المحافظة كسائر الشباب الفلسطيني للعديد من الانتهاكات المتعلقة بحقوقهم كالحق في الحياة والعمل والأمن الشخصي ومستوى معيشي مناسب، والحق في الحرية الشخصية، والمأكل، والمشرب، والخدمة العامة، والرعاية الشخصية، والتعليم، وحرية التنقل، والمساواة أمام القانون، وتأسيس النقابات والمؤسسات الأهلية، والحق في الملكية وحرية التعبير والرأي، والصحة النفسية والجسمية، وإيجاد بيئة آمنة لطموحاتهم ومواهبهم وقدراتهم الإبداعية، وفي ظل ثقافة التعصب السائدة في المجتمع الفلسطيني فالشباب أصبح من أبرز أدوات وضحايا الخلافات السياسية والانقسام الفلسطيني والمشاكل العائلية، إضافة إلى أنهم يفتقرون إلى الوعي بحقوق الإنسان والشباب وأنهم غير منظمين، يظهرون ضعفهم في مجال نقل مشكلاتهم وحقوقهم لصناع القرار، وافتقارهم للثقافة التي تمكنهم من التخفي من ضغوطاتهم النفسية.
سادسًا: أشكال وصور المشاركة الشبابية السياسية:
وتتمثل أشكال وصور مشاركة الشباب في النواحي السياسية بمحافظة رفح على الشكل التالي:
المشاركة في فعاليات المؤسسات الشبابية: ومن أبرز تلك الأنشطة والبرامج كانت:
المخيمات الصيفية من خلال تنظيم مخيمات صيفية بشكل دوري والتي تساهم في التنوع الثقافي والتعليمي والإبداعي.
الندوات والدورات والمحاضرات وورش العمل.
الأنشطة الرياضية من خلال الأندية والأطر الشبابية التابعة للتنظيمات السياسية.
الأنشطة والبرامج الخاصة والتي تتمحور في مواضع مثل البيئة والتراث والظواهر السلبية.
الانتساب للكتل والتنظيمات السياسية: من خلال الاشتراك في الأطر الطلابية الحزبية بهدف التعبير عن الآراء والاحتياجات الشبابية وآرائهم السياسية، بهدف صياغة المستقبل الواعد لفلسطين في الحرية والاستقلال.
الخاتمة:
من خلال ما سبق، يمكن القول إن المعطيات والمؤشرات تشير إلى تربع الشباب على مستوى الحضور في كافة المجالات الحيوية في النوادي ومجالس الطلبة إلا أنه لا يوجد لهم تأثير في المجال التنظيمي والحزبي والمؤسسات السياسية الرسمية، ونرى أنه لديهم سمات وخصائص وتطلعات خاصة بحاجة لتعزيز دورهم في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتسارعة، والتي تساهم في زيادة إمكانية التوتر والتشويش لديهم الذين يعاصرون أوضاعاً وظروفاً غير مستقرة وخاصة بعد الانقسام الفلسطيني الممتد منذ سنة 2007 حتى الآن، وهو ما يكشف حالة البؤس الاجتماعي والاقتصادي في أوساطهم الناتج عن الاحتلال وسوء إدارة الموارد، فهناك حاجة إلى إعادة النظر في مجمل سياسات وبرامج وتخطيط العمل مع الشباب، انطلاقاً من طبيعة مجتمعنا الذي يواجهونه والتوجهات التنموية السائدة اليوم، وخاصة التوجه التنموي المبني على حق مشاركتهم وصولاً إلى تحقيق الأهداف المتمثلة في التحرر والاستقلال وإقامة الدولة على أسس عصرية تنموية ومتطورة.

*طالب في الجامعة العربية الأميركية فلسطين.

Optimized by Optimole