“هآرتس”: يجب إجراء استفتاء عام بشأن مستقبل المناطق المحتلة

“هآرتس”: يجب إجراء استفتاء عام بشأن مستقبل المناطق المحتلة
Spread the love

بقلم غلعاد شير – باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ترأس سابقاً مكتب رئيس الحكومة إيهود باراك وكان من الذين أداروا المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين —

بعد تشريع قانون القومية، تحوّل القرار بشأن مستقبل المناطق [المحتلة]، أو بكلام آخر حدود إسرائيل، إلى أحد أهم القرارات التي تواجهها دولة إسرائيل منذ نشوئها. ما هي أفضل آليات التقرير بالنسبة إلى إسرائيل. مَن، وبأي طريقة، تجري الإجابة على السؤال المتعلق بالحدود التي يمكن أن تقوم ضمنها حياة ديمقراطية وأخلاقية ومساواة في دولة الشعب اليهودي، تجسد الصهيونية وقيَم وثيقة الاستقلال؟ وكيف يمكن ضمان تحقيق المبدأ العام الذي بموجبه يجب أن يحدث التغيير الإقليمي ليس فقط كتجسيد للرؤية الأيديولوجية لأحد المعسكرات السياسية في إسرائيل؟
يجب أن تجري هذه العملية انطلاقاً من الاعتراف بأنها خطوة حتمية، والإدراك أن هزّة رهيبة لأحد المعسكرات الأيديولوجية يمكن أن تخلق شرخاً اجتماعياً وقومياً صعباً. من الممكن ألاّ تكون هناك ضرورة للحديث عن قرار مصيري واحد والتركيز عليه. تضافُر قرارات صغيرة يمكن أن يخلق في النهاية قراراً مصيرياً، وفقط لاحقاً يمكن أن نفهم كيف حدث. ما يجري الآن هو ضم زاحف كأمر واقع، مع خلال عدم الحسم، ظاهرياً، وجود قرار حاسم بشأن مستقبل المستوطنات، بينما تتم هذه العملية تحت غطاء تشريعات وخطوات تدعمها أُخرى.
الأسئلة المتعلقة بمستقبل المناطق [المحتلة] هي أسئلة مصيرية على المستوى الوطني، وأي جواب عليها سيؤثر في طابع الدولة، وسيكون له انعكاسات غير مسبوقة على مستقبلها. ومن تهمّه الدولة يجب عليه أن يطالب باتخاذ قرار شامل، ديمقراطي، يشمل كل مواطني الدولة.
الانفصال عن غزة قبل 13 عاماً كان وما يزال موضع خلاف وسط الجمهور الإسرائيلي. في قلب الخلاف يوجد القرار الاستراتيجي بالإجلاء القسري لسكان غوش قطيف وخروج الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة من طرف واحد. هناك من اعتبره قراراً مناسباً ومسؤولاً لكنه نُفذ بطريقة سيئة، وهناك من يرى فيه طرداً ونكبة الأجيال.
إن أحد أهم دروس الانفصال هو الطريقة التي اتُخذ فيها القرار. في آذار/مارس 2004 أعلن رئيس الحكومة أريئيل شارون إجراء استفتاء عام ملزم وسط أعضاء حزب الليكود. وقد هُزم فيه: 95% عارضوا خطته، في مقابل 39.7% أيّدوها. في اليوم التالي أعلن شارون أن الاستفتاء ليس ملزماً، وأنه ينوي طرح خطة الانفصال على الحكومة لإقرارها. وجرى تأجيل موعد انعقاد الجلسة المعدّة لإقرار الخطة للضغط على ثلاثة وزراء من الليكود عارضوه، وفي المقابل استقال وزراء “الاتحاد القومي” [تحالف ضم أحزاباً يمينية قومية].
أدت الخطوات التي اتخذها شارون إلى النتيجة التي أرادها: أقرت الحكومة الخطة بأغلبية 14 وزيراً في مقابل 7. بعد مرور خمسة أشهر على ذلك أقرّ الكنيست خطة الانفصال بأغلبية 67 ضد 45. يمكن القول إن العملية الديمقراطية التي أدت إلى إقرار خطة الانفصال كانت تشوبها عيوب عمقت الشرخ الداخلي في المجتمع الإسرائيلي.
يوجد وسط الجمهور الإسرائيلي خلاف واسع بشأن كل ما يتعلق بمستقبل المناطق[المحتلة]. وبحسب استطلاعات الرأي التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي، الفارق بين مؤيدي حل الدولتين ومعارضيه هو 10% فقط (55 في مقابل 45)، وقد تراجع تأييد الفكرة في السنوات الأربع الأخيرة بنحو 14%. وفيما يلي توزُّع الآراء بين القطاعات وسط الجمهور اليهودي: 80% من الجمهور المتدين يعارض حل الدولتين، بينما 72% من الجمهور العلماني يؤيده. وتبين أيضاً أن فكرة مستقبل المناطق لا تشغل اهتمام أغلبية الجمهور: 21 % فقط من الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن هذا يشكل التهديد المركزي لإسرائيل، ونحو 46% يعتقدون أن فشلاً آخر للمفاوضات مع الفلسطينيين لن يغير شيئاً.
كيف يمكن التوصل إلى قرار حاسم وطني مع احترام القيم الديمقراطية؟ اذا انطلقنا من الاعتراف بأن مستقبل المناطق مهم على المستوى الوطني، وأن الآراء مختلفة في هذا الشأن، ثمة حاجة إلى بلورة آلية موثوقة وفعالة تعكس العملية الديمقراطية. قانون الاستفتاء العام الذي سنّه الكنيست قبل 4 سنوات بحاجة إلى تغيير. ويمكننا أن نتعلم من الطريقة التي اتخذت فيها دول أُخرى قرارات كان لها تأثير في مواطنيها لوقت طويل. على الرغم من الإخفاقات التي ميزت الاستفتاءات العامة مؤخراً (مثلاً البريكست في بريطانيا، أو تغيير الدستور في إيطاليا)، يبدو أن الاستفتاء العام ضروري من أجل حسم مستقبل المناطق، التخلي عنها أو الضم. بالإضافة إلى الاستفتاء، لا يستطيع حوار داخلي – سياسي فعلاً أن يطمس الخلاف العميق داخل المجتمع في إسرائيل، لكن يمكنه المساعدة على مواجهة ديمقراطية ونزيهة لقرار وطني من هذا النوع. ومثل هذا الحوار سيمنع إقصاء جماهير وجماعات وأفراد.
عنما يحين وقت القرار الحاسم، سيبيّن الاستفتاء العام تأييد الجمهور ومعارضته بصورة موثوقة أكثر، وسيتم التعامل معه بأنه يستند إلى مشاركة أغلبية الجمهور في إسرائيل وليس فقط ممثلين ومصالح سياسية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole