هآرتس: عشرة معايير لفحص الاغتيال في إيران: هل كان قراراً حكيماً؟

هآرتس: عشرة معايير لفحص الاغتيال في إيران: هل كان قراراً حكيماً؟
Spread the love

تشاك فرايليخ – نائب رئيس لمجلس الأمن القومي سابقاً، ومؤلف كتاب “عقيدة الأمن القومي لإسرائيل: استراتيجيا جديدة في عصر التحولات”/

السؤال الصحيح المتعلق باغتيال عالِم الذرة الإيراني محسن فخري زادة، ليس إذا كان محقاً، بل إذا كان حكيماً. الحق معنا، لأن مَن يقف على رأس مشروع يشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل يجب أن يعرف أن عليه أن يتحمل مسؤولية ذلك. السؤال هو هل كانت الخطوة حكيمة. من الممكن محاولة الإجابة على ذلك من خلال فحص عشرة معايير.
يجب أن نفحص ما إذا كان الاغتيال سيُلحق ضرراً كبيراً بالمشروع النووي الإيراني. الجواب على ما يبدو هو لا. المقصود هو تنظيم متعدد الأبعاد، ولا يملك أي شخص، مهما كان كبيراً تأثيراً حاسماً في المشروع. بحسب التقارير، إسرائيل سبق أن اغتالت في الماضي عدداً من علماء الذرة الإيرانيين، وعلى الرغم من ذلك فإن الإيرانيين يواصلون تنفيذ مشروعهم. صحيح أن الاغتيال يمكن أن يردع علماء ذرة شباب، وأن يتسبب في مطاردة للسحرة بين الإيرانيين في محاولة للكشف عن خونة محتملين، لكن هذا لن يؤدي إلى وضع عراقيل فعلية على المدى الطويل.
من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت إيران ستقوم بردّ حاد. حوادث السنة الماضية – اغتيال قاسم سليماني في هجوم لسلاح الجو الأميركي، وتفجير منشأة نووية في نتانز، واغتيال الشخصية الرقم 2 في تنظيم القاعدة في الأراضي الإيرانية، والآن اغتيال فخري زادة- كلها أمور تولد ضغطاً كبيراً على النظام كي يرد، خوفاً من أن يخسر قدرته على الردع. لكن إيران واجهت صعوبات غير قليلة في محاولاتها للرد على حوادث من هذا النوع. إذا لم ترد في الأيام القليلة المقبلة، فإن معنى ذلك سيكون على ما يبدو أنها قررت الرد في المكان والزمان الملائمين لها. وفي الواقع تأجيل كهذا سيمنح فرصة للمفاوضات مع جو بايدن.
هل الاغتيال يزيد من معقولية وقوع مواجهة حقيقية بين إسرائيل وإيران، بما فيها تدخّل الولايات المتحدة في الأسابيع المتبقية حتى استلام جو بايدن منصبه؟ الرد على ذلك هو نعم. هل هذا من مصلحة إسرائيل – يبدو أنه لا.
في وسائل الإعلام جرى عرض سيناريو محتمل، وفقاً له ترد إيران بحدة على الاغتيال، وبذلك تقدم إلى ترامب ذريعة لعملية عسكرية هدفها إعادة المشروع النووي الإيراني عدة سنوات إلى الوراء. ربما كان هناك مصلحة لإسرائيل في مثل هذا السيناريو قبل نصف عام أو عام، عندما لم يكن ممكناً الربط بين هجوم كهذا وبين تبدُّل الإدارة في الولايات المتحدة. لكن مثل هذا السيناريو اليوم لم يعد مرغوباً فيه وهو خطِر.

هل الاغتيال سيجعل من الصعب أكثر على بايدن التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، وهل يُعتبر في نظر كثيرين في الولايات المتحدة محاولة مقصودة لتخريب فرص التوصل إلى اتفاق كهذا؟ الجواب هو نعم. هل من مصلحة إسرائيل أن تكون الأزمة الأولى الخارجية التي ستشغل الإدارة الأميركية سببها إسرائيل؟ في الحقيقة لا.
هل مثل هذا الاغتيال هو السبيل الصحيح للتأثير في مواقف بايدن في الموضوع الإيراني؟ قطعاً لا. على العكس هذا هو السبيل للفشل في البدء بإقامة علاقات ناجحة مع الإدارة الجديدة، وفي مسألة مركزية. لبايدن ولأصحاب المناصب الكبيرة الذين عيّنهم سجلٌّ واضح مؤيد لإسرائيل. وبهذه الطريقة لا نخلق صداقات جديدة.
هل الاغتيال يقوّي المحافظين في إيران؟ يبدو نعم. من المتوقع في حزيران/يونيو أن تجري الانتخابات الرئاسية في إيران، والمصلحة الإسرائيلية هي في تشجيع المعتدلين الذين يتطلعون إلى اتفاق جديد، وليس تقوية المحافظين.
هل توقيت الاغتيال كان صدفة وثمرة فرصة عملانية برزت الآن تحديداً، وإذا كان الجواب نعم، كيف كان يجب أن تؤثر هذه الحقيقة في قرارات إسرائيل؟ التحضيرات لعمليات محكمة ودقيقة من هذا النوع تستغرق أشهراً وربما سنوات، ومن المحتمل أن نافذة فرصة عملانية فُتحت فعلاً. لكن الفرصة العملانية ليس معناها بالضرورة تنفيذها عملانياً. أحد ما، أي رئيس الحكومة، طُلب منه المصادقة على العملية في هذا التوقيت.
إسرائيل ليست بحاجة إلى أزمة عسكرية خطِرة الآن، بينما تواجه أزمة صحية، واقتصادية، وسياسية هي الأخطر منذ نشوئها. تداعيات هذه الأزمة في الوضع القائم كان يمكن أن تكون مبررة لو كان المقصود إنجازاً استراتيجياً كبيراً. لكن ليس هذا هو الوضع. على العكس، من المعقول الافتراض أن المقصود هو مصلحة حيوية لرئيس الحكومة الذي استغل الاغتيال لتحويل الانتباه عن التحقيق معه في موضوع الغواصات، والذي يخوض صراعاً على البقاء لا يتوقف عند حد.
السؤال الأساسي ما الذي يجب على إسرائيل أن تفعله هنا، الجواب: محاولة التوصل إلى تنسيق أكبر مع الإدارة الأميركية الجديدة فيما يتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي، وكذلك فيما يتعلق بنواياها المعلنة، استغلال الوضع القائم كأساس للتوصل إلى اتفاق جديد. بايدن لم يشرح قط العلاقة بين الأمرين. من دون شك هذه عملية معقدة وصعبة وليس هناك ما يضمن نجاحها، ولدى إسرائيل إمكانات مساعدة الإدارة الجديدة كثيراً في هذا الشأن.
الطاقم الذي عيّنه بايدن مؤلف من أشخاص أذكياء يريدون مواجهة شوائب الاتفاق القديم. يتعين على إسرائيل استغلال مجال التوافق الكبير الموجود لديها مع هؤلاء الأشخاص من أجل وضع توجّه مشترك، بدلاً من إبعادهم لتحقيق مكاسب تكتيكية محدودة.

لا شك في أن الاغتيال وعمليات إحباط أُخرى لها دور مهم في مجمل الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في محاولة لإيجاد رد طويل الأجل على المشروع النووي الإيراني. هذا إنجاز مهم، لكنه ليس كافياً. أيضاً عملية عسكرية لتدمير منشأة نووية مهما كانت ناجحة، لن تحقق أكثر من تأجيل المشروع سنوات معدودة.
الحل الطويل الأجل الوحيد هو اتفاق دبلوماسي. وهذا ما يتطلع إليه بايدن، ومن أجل هذا الهدف يجب أن تعمل إسرائيل معه بأكبر قدر من التعاون.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole