نحو 2020 مخاطر وفرص بالنسبة إلى إسرائيل

نحو 2020 مخاطر وفرص بالنسبة إلى إسرائيل
Spread the love

يوسي كوبرفاسر – محلل عسكري اسرائيلي/

سلسلة تطورات، بعضها مستمر منذ زمن طويل وبعضها جديد نسبياً، تبلور وجه الشرق الأوسط ولها تأثير كبير – مباشر وغير مباشر – في أمن إسرائيل، وفي النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
التطورات الأكثر أهمية، بالإضافة إلى الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ سنة 2010، هي التغييرات في المعركة بين الأطراف البراغماتية في المنطقة وبين مكونات المعسكر الإسلامي المتطرف. فبعد أن خسرت المكونات الأساسية العنيفة في المعسكر السني المتطرف، أي داعش، سيطرتها وأرصدتها البرية، بفضل التعاون بين الولايات المتحدة وأطراف محلية، في طليعتها الأكراد، تمتاز المعركة بعدم تناسب متزايد. من جهة، تقوم المجموعتان الأساسيتان المحليتان، إيران ومؤيدوها، والإخوان المسلمون بقيادة تركيا، من خلال استخدام لا هوادة فيه للقوة العسكرية، بتوسيع مناطق نفوذهما وسيطرتهما (إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن، وتركيا في شمال سورية وفي الإطار الفلسطيني)، ويفرضان على القيادات المحلية أن تفعل ما يرغبان فيه، ويستغلان عناصر قوة محلية مؤيدة لهما من أجل الدفع قدماً بأهدافهما، فيما يتعلق بإيران، خلق تهديد لإسرائيل.
من جهة أُخرى، البراغماتيون، بالاستناد إلى العقوبات الاقتصادية للولايات المتحدة على إيران، يدافعون عن أرصدتهم في الدول التي يسيطرون عليها، ويخوضون نضالاً شعبياً في الدول التي تسيطر عليها إيران، لمنع سيطرة المتطرفين على بلادهم، لكن مع عدم وجود قوة قدرات عسكرية، مثل التي كانت لدى زعيم مصر السيسي عندما أنقذ بلده من سيطرة الإخوان المسلمين في سنة 2013، من الصعب التقدير إذا كانوا سينجحون في نضالهم. وبينما يتصرف المتطرفون كمعسكر لديه قيادة واضحة يعمل معاً، وتحت منطق مشترك توجهه طهران وأنقرة، لا يعمل البراغماتيون معاً كمعسكر، وليس لديهم قيادة واضحة.
التطور الثاني المهم، هو التغيرات في طابع عمليات الدول العظمى في المنطقة. في ظل حكم الرئيس ترامب، غيّرت الولايات المتحدة توجهها وتجندت لمحاربة المتطرفين، وعلى رأسهم إيران. وفعلت ذلك في الأساس بواسطة رافعة من قوتها الاقتصادية، ولكن أحياناً تظهر قدراتها العسكرية، أساساً، في مواجهة المتطرفين المتشددين من السنّة.
تحاول الولايات المتحدة الامتناع بقدر المستطاع من الانجرار إلى تدخل عسكري في نزاعات مستمرة ليست ذات قيمة استراتيجية بالنسبة إليها، وهي تسمح لروسيا والمعسكر المحلي المتشدد بترسيخ نفوذهما (أو الغرق) في تلك النزاعات، وتركز اهتمامها الإقليمي على المواجهة مع إيران وتقوية حلفائها، وفي طليعتهم إسرائيل (بما في ذلك من خلال محاولة الدفع قدماً بتسوية خلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين). يُنظر إلى هذه السياسة، أو على الأقل تُصوَّر وكأنها تكشف ضعفاً وحذراً من الدخول في مواجهة، لكن فعلياً، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة العظمى الأساسية في المنطقة، وهي تعتقد أن العقوبات الاقتصادية على إيران وحزب الله، ستجبر إيران خلال وقت معقول على العودة إلى طاولة المفاوضات، وتغييرالاتفاق النووي بصورة جوهرية.
التغيير الثالث المهم، هو الإصرار الإسرائيلي، في الأساس بواسطة وسائل عسكرية على منع ارتفاع درجة نوعية التهديد العسكري لإسرائيل من قبل إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها، تعمل إسرائيل علناً في هذا الإطار ضد التمركز العسكري الإيراني في سورية، وعلى ما يبدو في العراق، وتحبط الجهد الإيراني لتطوير السلاح الباليستي لدى حزب الله وتحويله إلى سلاح دقيق. وذلك بموازاة استمرار التعهد الإسرائيلي بمنع حصول إيران على قدرة إنتاج سلاح نووي.
على هذه الخلفية، وإزاء التوترات المستمرة في مواجهة قطاع غزة، التي تظهر من خلال جولات العنف المتعددة بموازاة مساعي التوصل إلى تسوية تضمن هدوءاً متواصلاً لقاء الاعتراف بمكانة “حماس” كالحاكم الفعلي في القطاع، وتحسين نوعية حياة السكان هناك. تواجه إسرائيل مخاطر أمنية متزايدة، هي مستعدة لمواجهتها، وفي الوقت عينه، هي أمام فرصة، مستعدة أيضاً لاستنفادها، لكن الوسائل المتوفرة لديها من أجل هذا الغرض محدودة جداً.
المخاطر الأساسية ناجمة عن أن يؤدي الإحساس بالضائقة وبالإحباط في إيران والتنظيمات التي تدور في فكلها إلى عمل عسكري ضد إسرائيل. ذلك بالإضافة إلى عدد من محاولات نفذت أو أحبطتها إسرائيل، وبالاستناد إلى القدرات المذهلة التي طورتها إيران مع مرور السنوات، والتي استخدمت جزءاً منها في هجومها على منشآت النفط في السعودية. كل ذلك في ظل عدم القدرة على التخلص من العقوبات، والاحتجاج الداخلي الواسع، والتهديدات لأرصدة في العراق ولبنان والعمليات الإسرائيلية، وأيضاً مع الالتزام المبدئي بالمس بإسرائيل، وتسريع التقدم نحو الحصول على مواد انشطارية، والمس بحلفاء آخرين للولايات المتحدة، وربما أيضاً بأهداف أميركية، وقمع عنيف للاحتجاجات الشعبية. هدف إيران، ليس فقط ضرب إسرائيل وردعها، وتدفيعها ثمن هجماتها المستمرة ضد أرصدة إيرانية، بل أيضاً محاولة دفع الولايات المتحدة إلى التخفيف من العقوبات وزيادة فرص صمود النظام الإسلامي في طهران حتى انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في الولايات المتحدة على أمل أن تحمل تغيراً.
خطر آخر أيضاً، هو خيبة الأمل وسط الفلسطينيين على خلفية الموقف الأميركي واحتمالات اتخاذ خطوات إسرائيلية لبدء تطبيق السيادة على جزء من المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في سنة 1967، بالإضافة إلى التزاماتهم مع الإيرانيين، مما قد يدفعهم أو سيدفع أطرافاً منهم إلى زيادة العنف والإرهاب.

في المقابل، تؤدي التوجهات الإقليمية إلى تطوير العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول البراغماتية التي تدرك مساهمة إسرائيل في أمنها ورفاهها، وتحتاج إلى مساعدة إسرائيلية لمواجهة التهديد من أطراف متشددة، وفي طليعتها إيران. هذا التطور هو مدماك إضافي في الضغط المتزايد على الفلسطينيين الذي تقوده الولايات المتحدة، للتخلي عن السردية التي ترفض وجود إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وتبرر كل أنواع النضال ضد الصهيونية. إذا أعطى هذا الضغط ثماره، وفرص ذلك ضئيلة جداً في الوقت الحالي، من المحتمل أن تتطور فرصة للتقدم نحو سلام مع الفلسطينيين. حتى ذلك الحين، وعلى خلفية عدم الاستقرار الإقليمي الذي لا يزال يهدد استقرار الدول البراغماتية المجاورة، سيكون على إسرائيل استغلال الاحتمال الإيجابي الذي تنطوي عليه التطورات الإقليمية من أجل تحسين قدرتها على الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات من أطراف متشددة ومن جانب الفلسطينيين، وذلك من خلال السيطرة الكاملة على غور الأردن. من أجل ذلك يتعين على إسرائيل المحافظة على علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة، وتعميق التفاهمات الضرورية مع روسيا والمعسكر البراغماتي من أجل ضمان حرية عملها.

المصدر: معهد القدس للشؤون العامة – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole