محمود عباس الوحيد الذي تجرأ على الوقوف في مواجهة ترامب

محمود عباس الوحيد الذي تجرأ على الوقوف في مواجهة ترامب
Spread the love

بقلم حاييم ليفنسون – محلل سياسي إسرائيلي —

قد لا يكون كاريزماتياً، وهو لم ينجح في التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية، وقد يكون غرق في دسائس داخلية بدلاً من معالجة الصورة الكبيرة، لكن في العامين الأخيرين حصل عباس على مكانه في الصف الأول مع الزعماء الذين ستُكتب أسماؤهم في صفحات التاريخ.
زعيم كيان صغير، لا حدود له، ومن دون مال ولا اقتصاد، ومن دون جيش ومن دون علاقات، ومن دون نفط، ومن دون هاي- تك [تكنولوجيا متقدمة]، قام بخطوة لم يجرؤ أحد من زعماء الدول العظمى على القيام بها: الوقوف في مواجهة بلطجة دونالد ترامب من دون أن يرف له جفن.
منذ انتخاب ترامب، يبلور قادة الدول المختلفة استراتيجيا لمواجهة نزوات البيت الأبيض المتبدلة. إيمانويل ماكرون اختار الإطراء الذي لم ينفع، ثم انتقل إلى التجاهل. جاستين ترودو استعرض عضلاته لوقت قصير، لكنه في النهاية وقّع اتفاق التجارة. رئيس المكسيك أنريكه بينيا نييتو خضع ببساطة وترك لمَن سيأتي بعده تنظيف الدمار. أنغيلا ميركل وتيريزا ماي تنتظران حتى يزول الغضب. كيم جونغ أون أعطى ترامب الصور ليحتفظ بها إلى جانب رسائل الغرام، واستمر،على ما يبدو، في تطوير سلاح نووي.
لكن بسبب خلفيته في منظمة التحرير الفلسطينية، وتجاربه المختلفة في العالم، فهم عباس ما لم يفهمه زعماء دول أُخرى مهذبون ومتحضرون. إنه لم يعش طوال 50 عاماً في قصور فاخرة، بل انتقل من دولة إلى أُخرى، ويعرف قوانين الشارع: عندما يقومون بابتزازك، لا تتعاون، لأن الاستجابة إلى مطالب الابتزاز ليست النهاية بل البداية فقط. وعندما تقف في مواجهة بلطجي، لا تتراجع. ربما ستتلقى ضربات لكن قد تبقى في نهاية المعركة واقفاً على قدميك.
ليس هناك شيء لم تستخدمه إدارة ترامب في النصف سنة الأخيرة من أجل إخضاع عباس. أغلقت مكاتب في واشنطن، وطردت ممثلين وعائلات، وقلصت ميزانية السلطة الفلسطينية، بما فيها ميزانيات المستشفيات التي يستخدمها الفلسطينيون في القدس الشرقية، كما قلصت ميزانية الأونروا، وهددت بالقيام بصفقة من وراء ظهر الفلسطينيين. ترامب الكبير يجلس في واشنطن ويستشيط غيظاً لأن أبو مازن الضئيل لا يحسب له حساباً. تمارس الإدارة الأميركية الضغط من خلال السعودية ومصر ودول الخليج. كل الوجاهة وكل الدلال اللذان يحلم بهما قادتنا طوال حياتهم، رحلات إلى واشنطن، وزيارات متألقة، واستقبالات، ومؤتمرات صحافية، حُرم منها أبو مازن. لو قال “نعم” لمطالب ترامب، لحظيَ باستقبال ملوكي مثل العائلة المالكة السعودية، وصفقات سلاح، وصفح عن قتل صحافيين، لكن أبو مازن لم يخضع.
لا أعلم إذا كانت استراتيجيا أبو مازن على الأمد الطويل استراتيجيا صحيحة. أحياناً من الأفضل القيام بما فعله كيم جونغ أون مع ترامب، أو نتنياهو مع أوباما، أي الانخراط في اللعبة وانتظار مرور الزمن من دون التنازل عن شيء حتى تتغير الظروف. لكن أبو مازن قام بالأمر الأكثر أخلاقية: لقد قدم لزعماء العالم الأذلاء والضعفاء نموذجاً لزعامة بديلة. لو تعلمت تيريزا ماي من أبو مازن لكان وضع العالم أفضل بكثير. حالياً، لا نعرف أهمية ذلك. لكن التاريخ سيتذكر مَن الذي رواغ ومَن الذي واجه، ومَن خضع ومَن قاوم، ومَن كان لديه الشجاعة على مواجهة الرئيس الأميركي الـ45 المستبد المصاب بجنون العظمة.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole