متى تخلينا عن الإصغاء وبدأنا بالكراهية؟

متى تخلينا عن الإصغاء وبدأنا بالكراهية؟
Spread the love

بقلم: هداس هروش رأي – كاتبة إسرائيلية — منذ عدة أيام تهز إسرائيل عاصفة حول مشروع قانون المؤذن. فمن جهة، هناك مواطنون كل حلمهم هو أن يناموا في الليل، دون أن يستيقظ أطفالهم مرعوبين في الساعة الرابعة صباحا عند سماع أصوات الأذان العالية. ومن جهة أخرى، هناك المسلمون القلقون بشأن حرية عبادتهم، والذين يشعرون باضطهاد الحكومة لهم. وفي الوسط – هناك الكثير جدا من الإسرائيليين المحبطين من حكومة تسعى إلى إبعاد أبناء الشعب عن بعضهم، بدلا من محاولة التوصل إلى حلول تسمح بحياة مشتركة.

في الواقع هناك أيضا طريقة أخرى. عاش الناس في هذه البلاد حياة جيرة حسنة طيلة عشرات السنوات، العرب إلى جانب اليهود، المسلمون إلى جانب النصارى، الدروز والبدو. فهم إسرائيليون، وبشر جميعا.

في كل مكان طبيعي، بإمكان الناس التوصل إلى تسوية. قال لي صديق مسلم عاش في يافا كيف أنّه منذ سنوات لا يشكّل صوت المؤذن مشكلة، رغم أنّه يعيش فيها يهود ومسلمون، بالإضافة إلى ملحدين ومسيحيين. الحل في الحقيقة، بسيط جدا. فقد تم توحيد نظام الدعوة للأذان في المدينة كلها. أثناء النهار، يُسمع أذان الصلاة بشكل موحّد وبصوت عال يفوق الضجيج أثناء اليوم. ولكن في ساعات الليل المتأخرة، تم خفض مستوى صوت السماعات قليلا، ويُسمع صوت الأذان للصلاة مرة واحدة فقط. “من يرغب في تأدية الصلاة يستيقظ على أي حال”، كما يقول. “ومن يرغب في الاستمرار بالنوم، يمكنه القيام بذلك”. هل تعلمون؟ يمكن التوصل إلى حل حقا.

ولكننا اعتدنا على أن ننظر إلى الآخر نظرة عدو، تربينا على الكراهية والخوف، بدلا من الإنصات والتحدث معا. حال الفلسطينيين ليس أفضل أيضا. فمنذ يومين ومشروع قانون المؤذن يثير دعوات من الكراهية والمعارضة، قريبة من التحريض تماما.

أنا شخصيا أعارض مشروع قانون المؤذن، لأنّه إشكالي، ويهدف إلى الاستفزاز. إذا كان الضجيج هو المشكلة، فيمكن حلّها بواسطة إنفاذ “قانون الضجيج” القائم. ولكن وفقا لصيغة مشروع القانون وتسميته، هناك شعور من الاضطهاد إلى حد ما، ربما حتى العنصرية. هناك عريضة منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو أعضاء الكنيست إلى التصويت ضدّ مشروع القانون تحت عنوان “نسكت العنصرية وليس المؤذن”، توضح ذلك بشكل جيد: “لا يهدف مشروع القانون إلى تحسين جودة حياة كل المواطنين حقا، بل إلى إخفاء العروبة من المجال العام”.

عندما قرأ عضو الكنيست طلب أبو عرار، الذي يعمل أيضا كمؤذن وإمام، الأذان للصلاة في البرلمان الإسرائيلي، وقرأ بعده أحمد طيبي دعوات “الله أكبر” على منصة الكنيست، كان هناك فورا أعضاء كنيست يهود ردّوا بشكل مهين. صرخ أحدهم وطلب إيقاف أبو عرار، وأشارت وزيرة أخرى إلى الطيبي بحركة يد مهينة، وفي كلتا الحالتين تطوّر جدال قبيح بين المنتَخَبين، ممثّلي الجمهور. ينبغي أن تسير الأمور على نحو أفضل. منذ متى أصبحت الصلاة مصدرا للخوف؟ لماذا لا نعرف كيف نحترم بعضنا، ومعتقدات وتقاليد جيراننا، الذين يعيشون بيننا؟

أصبح مشروع قانون المؤذن يتصدّر العناوين الآن. ولكن في الحقيقة، فهو يلخّص جيّدا إحدى المشاكل الكبرى في المجتمع الإسرائيلي، بل وحتى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. نحن لسنا بارعين في الإنصات. يا ليت كان الإسرائيليون مستعدون للتعلّم فقط، للتعرّف على قصة الشعب المجاور واحترامها، وفهم ألمه وارتباطه بهذه الأرض. ويا ليت كان الفلسطينيون يعرفون التاريخ اليهودي، الهولوكوست فقط، ويفهمون العلاقة الحقيقية بهذه البلاد. فربما عندها كان كل من الجانبين قادرا على الإنصات واحترام الآخرين، ومن ثم التوصل معا إلى حل.

مع شديد الأسف، نحن نعيش تحت حكم يتغذّى على الكراهية والتحريض، ولذلك ينجح في إثارتهما. ليتنا ننجح في التغلب عليهما، في إيقاف هذا الجنون للحظة، في الإنصات إلى الآخرين واحترامهم. وأؤمن أن الحياة يمكن أن تكون هنا أفضل.

عن موقع “المصدر” الإسرائيلي

Optimized by Optimole