عبدالله السلال.. الرئيس اليمني الذي جاء بانقلاب عسكري.. فرحل بآخر

عبدالله السلال.. الرئيس اليمني الذي جاء بانقلاب عسكري.. فرحل بآخر
Spread the love

بقلم د.محمد عبدالرحمن عريف* —
نعم هو عبداللَّه يحيى السَّلَّال (1917- 1994)، هو أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية في الفترة (1962- 1967). بعد حرب دامت لخمس سنوات، ولد في قرية شعسان مديرية سنحان محافظة صنعاء عام 1917. التحق بمدرسة الأيتام بصنعاء عاصمة اليمن آنذاك عام 1929، وكان السلال ضمن الطلاب اليمنيين الذين أوفدوا إلى العراق عام 1936 بغرض التدريب العسكري، وكان كغيره من الطلاب الموفدين الذين تم اختيارهم بعناية من قبل نظام الإمام يحيى حميد الدين، حيث تذكر بعض المصادر أن معايير اختيار الطلاب حينها للتدريب العسكري في العراق كانت تقتضي أن لا يكون أحدهم منتمٍ إلى قبيلة أو فئة قوية، وذلك حتى لا يشكل خطرًا على نظام الأئمة بعد عودته. ولهذا السبب، فقد تم اختيار السلال الذي لم يكن ينتمي إلى قبيلة أو فئة قوية، وكان والده يعمل حدادًا، وهو الأمر الذي قلل من التخوف من عدم ولائه للأئمة، فضلًا عن الاعتقاد بأنه قد يتواصل مع تنظيم الضباط الأحرار ويشترك معهم في التخطيط للثورة وتزعمها.
أثناء مكوثه في العراق للتدريب العسكري، اكتشف السلال حجم التخلف الذي تشهده اليمن قياسًا بالعراق، رغم أن العراق لم تكن حينها متقدمة، قياسًا ببعض الدول المجاورة. لكن الفرق الهائل بين اليمن والعراق جعل السلال يصل إلى قناعة بأن هناك الكثير من الأشياء التي يجب العمل على إصلاحها، ومن هنا بدأت تظهر عليه دلائل الروح الانقلابية. وبعد عودته إلى اليمن عام 1939، وهو يحمل رتبة ملازم ثان، عُيّن السلال في الجيش الإمامي، وسرعان ما بدأ في التواصل مع البعثة العسكرية العراقية في صنعاء، والتي قدمت إلى اليمن بغرض تدريب الجيش اليمني، إلا أنه سرعان ما أودع السجن بتهمة القيام بأنشطة انقلابية. غير أنه بعد ثمانية أشهر من السجن أُطلق سراحه، وأُعيد تعيينه في الجيش برتبة نقيب.
شارك في حركة 1948، بقيادة عبد الله الوزير حيث قتل الإمام يحيى، ثم سُجن على إثرها كما أعدم الإمام أحمد بن يحيى الذي تولي الحكم بعد أبيه الكثير ممن شاركوا في الانقلاب. أخرجه ولي العهد سيف الإسلام محمد البدر حميد الدين-الإمام لاحقاً من السجن وكانت هذه غلطة ولي العهد التي قد يقال أنها كلفته عرشه. وبعدها أصبح رئيس الحرس لولي العهد وقد كان مشتركًا في تنظيم الضباط الأحرار ولم يكن يعلم الإمام البدر بهذا فقربه إليه أكثر.
في عام 1955، تم إطلاق سراح السلال من سجن حجة، بناءً على تدخل من ولي العهد محمد البدر، الذي كان يرى فيه مصلحًا حقيقيًا، وأنه متحمس لبذل كل جهوده لأجل الوطن، وأعيد إلى عمله مرة ثانية وتمت ترقيته، وأسند إليه الإشراف على ميناء الحديدة، الذي سرعان ما قام الروس بتوسيعه وإدخال الإصلاحات عليه.
بعد ذلك، نسج السلال علاقات مع المصريين الذين جاء بهم محمد البدر إلى اليمن، خلال فترة غياب والده في روما بإيطاليا لغرض العلاج عام 1959، وقام معهم ومع غيرهم، الذين شكلوا فيما بعد تنظيم الضباط الأحرار أو “الأحرار اليمنيون”، باتصالات سرية. وحينها، توصل إلى قناعة بأنه لا بد من القضاء على الإمامة وقيام نظام جمهوري حديث، واستغل صداقته لولي العهد بحذر من أجل تحقيق هذا الهدف.
في عام 1961، تعرض الإمام يحيى لمحاولة اغتيال جرح خلالها، أثناء حفل افتتاح للمستشفى الجديد الذي بناه وجهزه السوفيات في الحديدة. وأثناء ذلك، التجأ أحد الذين حاولوا القيام بالاغتيال إلى مكتب مدير الميناء عبدالله السلال، الأمر الذي جعله محلًا للريبة، فطرده الإمام أحمد من وظيفته. لكن تعاطف محمد البدر معه دفعه إلى تعيينه رئيسًا لحرسه الخاص، والذي كان جزءًا من الجيش النظامي اليمني. وقد اعترف السلال، فيما بعد، باشتراكه في محاولة اغتيال الإمام يحيى المشار إليها.
بعد ذلك، تنقل السلال في عدة وظائف، مما منحه فرصًا كثيرة للتواصل مع الثوريين، فبعد فترة وجيزة عينه ولي العهد محمد البدر مشرفًا على مطار صنعاء، ثم الإشراف مجددًا على ميناء الحديدة، وبعدها تم تعيينه مديرًا للكلية الحربية في صنعاء. أعطت تلك الوظائف المختلفة السلال فرصًا كثيرة للتواصل مع الثوريين والضباط الأحرار، وفي كسب تأييد ضباط الجيش، وتخريج المزيد من الأحرار والثوار، والاستعانة بمساعدات المصريين الفنية.
في 26 أيلول/ سبتمبر بعد أسبوع واحد من وفاة الإمام أحمد وتسلم الإمام البدر الحكم جاء انقلاب 26 أيلول/ سبتمبر على النظام الإمامي الملكي في اليمن من قبل مجموعة من الضباط في الجيش حيث أيّدها بعض من مشائخ بعض القبائل ودعمت دعم عسكري واسع من الجانب المصري ليصبح أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية شمال اليمن.
كان الهدف الثاني من أهداف الحركة السبتمبرية “بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها” من أهم أهداف الثورة. لم يكن هناك ثمة مجال للعمل على إعادة تنظيم “الجيش المظفر” و”الجيش الدفاعي” فأوضاعها كانت تعاني من تدهور إداري وعسكري لا تسمح له بخوص حرب تقودها وتمولها وتعد لها قوى أقليمية ودولية بأمكانيات حديثة وأسلوب معاصر جمع بين الحرب النظامية وحرب العصابات، فأضطرت القيادة الثورية للزج بهما في المعارك بكل تشكيلاتها منذ بداية الثورة والعمل على إنشاء الجيش اليمني الحديث القادر على مواجهة الأعداء بكفاءة واقتدار بالأدوات والأساليب القتالية المعاصرة.
فُتحت أبواب التجنيد العام للتطوع في القوات المسلحة في كل المحافظات، وفُتحت لذلك الغرض معسكرات الاستقبال ومراكز التدريب، وبوشر إعداد النواة الأولى للجيش الثوري المعاصر بشكل ومضمون ثوريين معاصرين.
رغم خسارة الجيش المصري لقرابة (15.000) جندي في الساحة اليمنية بين (1962 -1967)، حيث لعب المصريون في عملية بناء الجيش الوطني الحديث دورًا مشهودًا، سواء من خلال إحضار الكوادر المتخصصة المتمثلة في” هيئة الخبراء العرب” للمشاركة الفعالة في إعداد وبناء الجيش اليمني في الداخل، أو من خلال فتح أبواب الكليات والمعاهد ومراكز التدريب وهيئات التخصص العسكرية في الجمهورية العربية المتحدة لمنتسبي القوات المسلحة الثورية الجديدة، حيث تم تدريب وإعداد أربع ألوية مشاة كاملة التشكيل في معسكرات وهيئات الجيش المصري، وهي كالتالي ( لواء الثورة – الكتيبة الأولى من لواء النصر – لواء الوحدة – لواء العروبة). لكن مع حلول منتصف آزار/ مارس 1966، بعد أن عاد من ميادين التدريب في الجمهورية العربية المتحدة آخر لواء مشاة تم إرساله إلى هناك، ونعني به “لواء العروبة”، فإنه قد كانت في الميدان النواة الأولى للجيش اليمني الثوري المعاصر. وتم تصنيف التدخل المصري- ناصر، أنه حاكى فيتنام، في عناد أفقده ما صنعه هناك، فكانت العاقبة نكسة 1967 على العرب.
في ظل الاضطرابات والفوضى التي شهدتها العديد من ميادين القتال، بسبب غياب القيادة العسكرية الموحدة، فإن الخطوة الأولى لقيادة الانقلابات، قد تمثلت في تشكيل قيادة موحدة للجيش تمثلت في “هيئة أركان حرب القوات المسلحة ورئاستها”، فتم إنشاء الهيئات القيادية التالية، هيئة العمليات الحربية برئاسة النقيب عبد اللطيف ضيف الله وزير الداخلية. هيئة إدارة الجيش. هيئة الإمداد والتموين. هيئة التسليح العسكري العام.
لقد كانت هيئة العمليات الحربية هي أعلى سلطة عسكرية، بعد القائد الأعلى للقوات المسلحة عبد الله السلال، بعد الانقلاب، وقد كانت من أولى إجراءات القيادة، إعادة فتح الكلية الحربية وكلية الشرطة، وافتتاح معهد عسكري في مدينة تعز هو المركز الحربي الذي تولى تأهيل الضباط في مختلف التخصصات، بخبرات سوفياتية في الغالب.
من أول ما قامت به الهيئة، صاغت تنظيمًا جديدًا لقيادة القوات المسلحة، كان على رأسه القائد العام للقوات المسلحة, يليه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة والفروع التابعة له. وقد تم إعداد الهيكل التنظيمي العام للقيادة العامة للقوات المسلحة ورئاسة الأركان، والهياكل التنظيمية للفروع، وتحديد مهامها وواجباتها، وتعيين قياداتها. وتم تعيين المقدم “حمود بيدر” رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة. وكان قد عُيِن في هذا المنصب من قبله، لفترة زمنية قصيرة، العميد “أحمد الآنسي”. أما القائد العام للقوات المسلحة فقد كان العميد عبد الله السلال.
ثم تقرر إعادة تنظيم القوات المسلحة لتكون على النحو التالي (سلاح المشاة ويضم كل ألوية المشاة – سلاح المدفعية – سلاح المدرعات – سلاح الطيران – سلاح البحرية – سلاح المهندسين – سلاح الإشارة) واستمر البناء العسكري في إطار هذه التشكيلات في الجمهورية الأولى حتى بداية العام 1967، حيث تم تشكيل لواء جديد أطلق عليه حينها اسم “اللواء العشرين حرس جمهوري”، وتعين لقيادته المقدم طاهر الشهاري.
نعم صدرت اﻷخبار تتحدث عن انقلاب في الجمهورية العربية اليمنية يطيح بالمشير عبد الله السلال أثناء زيارته لبغداد، وإن كانت الحرب الأهلية بين الجانب الملكي والجانب الجمهوري لا زالت قائمة. وبيان إعلان الانقلاب على “السلال” أعلن عن تشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أمناء هم (عبد الرحمن الإرياني ومحمد علي عثمان وأحمد محمد نعمان) وتشكلت حكومة برئاسة محسن العيني.
إنتقل بعدها للاقامة في مصر التي ظل فيها حتى صدور قرار الرئيس علي عبد الله صالح في أيلول/ سبتمبر 1981، بدعوته مع القاضي عبد الرحمن الارياني للعودة إلى الوطن، توفيَّ في مدينة صنعاء في 5 آزار/ مارس 1994.

*باحث مصري في التاريخ.

Optimized by Optimole