“صفقة القرن”: صفقة زائفة

“صفقة القرن”: صفقة زائفة
Spread the love

بقلم جاكي حوغي – محلل الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي —

• يوم الإثنين الماضي استقبل أبو مازن وفداً من كبار المسؤولين في حركة السلام الآن، وأعضاء كنيست، لأكثر من ساعة ونصف الساعة، وتحدث معهم في مختلف القضايا السياسية المطروحة. وذكر أشخاص حضروا الاجتماع بأن الريس كان يقظاً جداً، يعرف جيداً عما يتحدث عنه، وبخلاف كل توقعات الأطباء سيدفننا جميعاً قبله.
• في وقت ما في ذروة الحديث وصل أبو مازن إلى اتصالاته مع البيت الأبيض، وقال أمام ضيوفه: “التقيت 4 مرات مع ترامب. وأعرب أمامي عن تأييده لفكرة الدولتين”، لكن ليس بصورة علنية بل بصورة شخصية. وروى أبو مازن أنه في أحد اللقاءات مع موفدي الرئيس، جاريد كوشنير وجايمس غرينبلات، سأله أحدهما عن رأيه بفكرة الكونفدارلية. دولة واحدة عاصمتها عمان وحاكمها هو الملك الأردني، تمتد على ثلاثة مناطق في البلد: الضفة الشرقية لنهر الأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة. رد أبو مازن بذكاء. قال نوافق فقط إذا انضمت إسرائيل.
• د. هرئيل حوريف من جامعة تل أبيب، وباحث في شؤون الساحة الفلسطينية، ذكرنا هذا الأسبوع بأن اقتراح انشاء كونفدرالية لحل المشكلة الفلسطينية طرحه الملك حسين للمرة الأولى. حدث هذا سنة 1972، عشية حرب يوم الغفران، حين كانت مملكته تتعافى من أحداث أيلول الأسود التي قام بها الفلسطينيون لاسقاط حكمه. ولقد تبنى العديد من الفلسطينيين الفكرة. فكرة دولة فلسطينية على ضفتي نهر الأردن تُحكم من عمان، هي مكسب في نظرهم.
• لكن منذ ذلك الحين مر تقريباً خمسة عقود. وأقيمت على الضفة الغربية من الأردن مستوطنات عبرية،وإذا كان هناك من يسعى إلى ضمها، من السهل جداً أن تصبح جزءاً من أرض إسرائيل. الملك حسين توفي، وآخر شيء يرغب فيه إبنه ووريثه هو أن يستقبل أربعة ملايين فلسطيني.
• هذه القصة ستثير شروحات في الموسوعة التي لم تُكتب بعد لتاريخ عملية السلام. سيقال دفاعاً عن ترامب أن مندوبيه طرحا الاقتراح من دون أن يقصداه حقاً. وحديث كهذا له ديناميته الخاصة. وليس كل ما يقال شفهياً في الغرفة يمثل رغبة أحد الطرفين في الذهاب فيه حتى النهاية. عضو الكنيست كاسينيا سفتلوفا (المعسكر الصهيوني) التي حضرت الاجتماع لخصت بجملة قصيرة مقدار جدية الاقتراح قالت: “هذا بالون اختبار أطلقاه، وهو أعاده إلينا” وفي رأيها “لا يشكل هذا كلاماً جدياً من قبل الإدارة”.
• مع ذلك يشير هذا الكلام إلى الانجازات الضئيلة التي حققها البيت الأبيض على المسار الفلسطيني. قبل عامين، وقبل وصوله إلى البيت الأبيض وعد ترامب بخطة سلام، سماها “صفقة القرن” وكان واثقاً من تحقيقها. وقال ذات مرة إذا كانت القدس هي المشكلة سنزيلها عن الطاولة، وبذلك تنحل المشكلة. على الرغم من الوعود التي ألمحت بأن الصفقة ستحدث، وعلى الرغم من الكلمات الكبيرة والزيارات المتعاقبة لموفديه إلى القدس ورام الله، فإن خطة السلام لم تُعرض حتى الآن. وحالياً اقتصر عمل الطاقم الأميركي على التشاجر مع أحد الطرفين في المفاوضات.
• حتى هذه الأيام يؤكد الأميركيون أن خطة السلام ستُعرض بعد وقت قصير. عملياً هم تخلوا عن نيتهم، خشية من أن ترفضها بشدة السلطة الفلسطينية. منذ ستة أشهر كتبت هنا أن خطة ترامب للسلام قد جُمدت خوفاً من الفشل. وإذا جرى تقديم خطة ما في المستقبل القريب، فإنها ستكون كخطوة تكتيكية، هدفها البرهنة على رفض أبو مازن.
• عندما رأى موفدا الرئيس الأميركي فشلهما في الحصول على ثقة الطرفين، توجها نحو الخطة ب. غزة أولاً، خطة لإعادة إعمار غزة، وحاولا أن يضما إليهما سائر اللاعبين في المنطقة. مع نتنياهو نجحا، ولبرهة بدا أن شيئاً ما بدأ يتراكم. أصحاب السمع المرهف كان يمكنهم أن يسمعوا رئيس الحكومة يتحدث بدءاً من شهر تموز/يوليو هذه السنة وللمرة الأولى، عن الحاجة لإعادة إعمار غزة. وكعادته وافق الاتحاد الأوروبي على أن يكون شريكاً. وأيضاً الأمم المتحدة. أبو مازن وقف ضد، لكن في مرحلة معينة أبدى مرونة وقال للأميركيين أنه مستعد لتخصيص آليات مالية في السلطة ويضعها في خدمة الدول المانحة. من الطبيعي ألا يرغب أحد في إجراء صفقات مباشرة مع عباس. في النهاية تحدث المصريون مع زعامة “حماس” عن تفاصيل الخطة التي كما هو متوقع كان ردها إيجابياً.
• ظهرت المشكلة الكبيرة عندما بدأ الموفدان مساعيهما لضم الدول العربية، مصر والسعودية وقطر ودولة اتحاد الإمارات العربية، التي من دونها لا يمكن أن تتحقق الخطة لأن المطلوب من طرف ما أن يقدم المبلغ الكبير من المال. حتى الآن نادراً ما اعربت هذه الدول عن دعم قطاع غزة. المشكلة الفلسطينية لم تعد تهمها كما كانت في الماضي. لكن كوشنير وغرينبلات حملا روحاً منعشة ورغبة قوية في العمل، والتزاماً استثنائياً من جانب حكومة إسرائيل، وأجواء جيدة وجديدة في العلاقات مع القاهرة والرياض.
• إنّما هناك في عمق الخليج حدث شيء عقد الموضوع. الوساطة السياسية عملية حساسة. من أجل انضمام طرف ما إليها يجب أن تعرف ما هي مصلحته في ذلك وأن تتحدث عنها. الموفدان المعنيان لم يعرفا كيف يقومان بالمهمة. لقد تعاملا مع الحكام العرب كخدم. ونسيا قاعدة أساسية في العمل الخيري. عندما تطلب مساعدة من المتبرع عليك أن تُشعره بقيمته. لقد ذهب الموفدان إلى الرياض والدوحة وأبو ظبي كما لو أن هذه الدول آلات صرف مالية آلية. حتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المحبب من الأميركيين عموماً، فهم فوراً ما المقصود، وطلب بتهذيب من مستشارية عدم تشجيع الاتصال مع الإثنين.

المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole