رسالة إلى جيسون غرينبلات الموفد الأميركي الخاص

رسالة إلى جيسون غرينبلات الموفد الأميركي الخاص
Spread the love

بقلم: تشاك فراييلخ – نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق ومدرّس في مركز هرتسليا المتعدد المجالات —

عزيزي جيسون غرينبلات،
•ضمن نطاق صلاحياتك كموفد خاص من الرئيس الأميركي ستقدّم، بحسب التقارير، في وقت قريب، مبادرة سلام جديدة، وأنني أتوجه إليك كإسرائيلي مؤيد للسلام لكن يشعر بالقلق. إن عملية السلام لا تزال في قيد الحياة بصعوبة ، وهناك من يقول إنها ماتت عملياً ، وفي جميع الأحوال لم يبقَ لديها وقت طويل.
•قبل كل شيء، لست من المعجبين برئيسك. ففي نظري هو من أكثر الرؤساء المنتخبين غير الملائمين في التاريخ الأميركي، ومن الواضح أنه غير كفوء، ويشكّل خطراً على شعبه وعلى العالم. وأنا أختلف معه في طريقة إدارته الشؤون الداخلية والخارجية، وأمقت كل ما يمثله من قيَم ومن نمط عيش، ويساورني القلق أيضاً من أن الذي عمل سنوات عديدة في صفقات العقارات، لا يمكن ألاّ يكون مصاباً بأمراضها. ومع ذلك، يقولون عنك إنك شخص عاقل وحكيم. وإذا كانت إدارة ترامب هي التي ستنجز السلام، بخلاف جميع التوقعات، أعدك بأنني سأركع أمام أبراج ترامب في نيويورك، وأسجد أمام قطب المال الذي يسكن في أعاليها.
•أنا علماني بالمطلق، لكن أيضاً أرض إسرائيل بالنسبة إلي ليست مجرد قطعة من العقارات. نحن مستعدون بل ومصرون على تقسيم هذه الأرض، وهي أرض أجدادنا التي نحن مضطرون إلى الانفصال عنها لإنقاذ المشروع الصهيوني. جيسون، الوقت يضغط، ونافذة فرصة حل الدولتين يمكن أن تُغلق خلال ولايتكم. لن يمر وقت طويل قبل أن يتحول الواقع على الأرض إلى أمر لا يمكننا العودة عنه. الأخبار الجيدة هي أن الزيادة الأساسية في سكان المستوطنين في العقد الأخير كانت في الكتل [الاستيطانية] التي ستُضم تلقائياً إلى إسرائيل. لكن رغم ذلك يُضاف سنوياً آلاف الأشخاص إلى مناطق خارج هذه الكتل، وفي النهاية سيكون الوقت قد تأخر حقاً للانفصال عن الفلسطينيين. لذا، فإن السنوات المقبلة هي سنوات حاسمة، وربما تشكل الفرصة الأخيرة للحل قبل أن نتحول إلى دولة ثنائية القومية. وهذا هو الخطر الوجودي الوحيد الذي يواجهنا، ليس إيران ولا حزب الله، وهذان نستطيع تدبّر أمرهما بطريقه ما. والسؤال هو: هل نستطيع أن نتدبر أمرنا مع الفلسطينيين ومع أنفسنا؟
•يقوم رئيس حكومة إسرائيل، مثل ترامب، بعمله تحت سحابة تحقيقات، وهو لم يُظهر قط شجاعة سياسية واستعداداً للقيام بتسويات صعبة، وهو اليوم مكبل، حتى لو أراد المضي قُدماً، بحكومة متطرفة. وفي رام الله يوجد زعيم أصبح في نهاية مساره المهني، وهو أيضاً لم يجرؤ قط على المضي قُدماً، وضيّع اقتراحاً بعيد المدى قدّمه إليه إيهود أولمرت. ما الذي تغيّر إذاً هذه المرة ويعطي أملاً بالنجاح؟ الأمر الوحيد الذي تغيّر نحو الأفضل هو ربما أن الخوف العربي من إيران أوجد مصالح مشتركة معنا واستعداداً، لم يجرِ تأكيده، لاظهار مرونة في المواقف في المفاوضات.
•أنت تسعى بحسب التقارير إلى “تسوية إقليمية” مع الدول العربية تحمل الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وتؤدي إلى تنازلات. أشك في ذلك، فالدول العربية لم تظهر قط استعداداً للمضي قُدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، أو الضغط على الفلسطينيين كي يُبدوا مرونة. على الرغم من ذلك، فإن السعودية تشهد اليوم تغييرات دراماتيكية، ولا يزال الباب مفتوحاً لتغيير العلاقة أيضاً معنا. إن شاء الله.
•صرّحت مؤخراً: “لن نفرض تسوية أبداً” حسناً. لكن المطلوب هو تنازلات صعبة من الطرفين. وستُضطر إسرائيل إلى الموافقة على انسحاب، وقيام دولة فلسطينية في جميع الأرض، باستثناء تبادل محدود للأراضي، وتقسيم القدس؛ وسيضطر الفلسطينيون إلى الموافقة على تقييد “حق العودة” بفلسطين وحدها، والاعتراف بإسرائيل كدولة قومية يهودية، والتوصل إلى حل وسط في القدس. ومن دون هذه التنازلات لن يكون هناك اتفاق.
•عزيزي جيسون، نظراً إلى أنني من المهتمين جداً بنجاحك، اسمح لي أن أقدم لك بعض النصائح:
•فكّر جيداً في توقيت المبادرة، كثيرون وأشخاص جيدون حاولوا وفشلوا، على الرغم من أنهم خصصوا جهداً وتفكيراً أكثر من المطلوب في التغريدات على تويتر. لذا تصرف بحذر. نحن والفلسطينيون شبعنا مبادرات فاشلة. إن حدوث فشل إضافي هو أسوأ من عدم القيام بشيء. وهو سيحطم ما تبقى من الأمل الضئيل والإرادة الطيبةـ وسيضر بحظوظ حدوث انعطافة مستقبلية، عندما تنضج الأوضاع، ويمكن أن يؤجج من جديد عنفاً قاسياً.
•لا تعتمد في العملية السياسية على وعود عامة من السعودية ودول أُخرى بشأن “تسوية إقليمية”. إن هذا رهان خطر. اعقد معهم صفقة محكمة منذ البداية، كي لا تجد نفسك معزولاً على الأرض. شكِّك في كل ما يسوقه إليك نتنياهو وعباس. صحيح أنك محامٍ قدير، لكن هذين السيدين متفوقان في إحباط صفقات غير مرغوب فيها. تذكّر أيضاً، أنه في النهاية عندما تنتهي مهمتك، وأملنا هو أن تعود إلى وطنك كبطل، وهما سيبقيان هنا. إن صعوبات نتنياهو القانونية والسياسية تجبره على التوجه نحو اليمين. وأيضاَ هذا حال عباس الذي هو حالياً في خضم مصالحة معقدة مع “حماس”.

•والأكثر أهمية هو: إذا دخلتم معركة عليكم أن تدخلوا بكل قوتكم لإبرام صفقة، وإذا كنتم غير مستعدين لوضع كل ثقل الولايات المتحدة من أجل التنازلات الصعبة المطلوبة والدخول في مواجهة مع الطرفين، لا تحاولوا، حرام تضييع الوقت. لقد سبق أن شاهدنا هذا الفيلم. ولدى رئيسك ما يكفي من المصاعب.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole