دلالات عودة قوات حفظ السلام إلى الجولان

دلالات عودة قوات حفظ السلام إلى الجولان
Spread the love

بقلم د. مروة نظير* — خاص موقع “شجون عربية” —
شهد مطلع شهر آب – أغسطس الجاري قيام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجولان المعروفة باسم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك-“أندوف” بأولى دورياتها في المنطقة منذ عام 2014، حيث أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة “فرحان حق” أن هذه الدورية تعد جزءاً من الجهود المستمرة التي تبذلها القوة الدولية للعودة بشكل متزايد إلى منطقة فض الاشتباك منذ أن اضطرت إلى المغادرة بعدما تعرضت لهجمات متعددة من الجماعات المتحاربة منذ اندلاع الأزمة السورية وحتى العام 2014.
تأتي تلك العودة بعد أن صوت مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة -بكامل أعضائه- في نهاية شهر حزيران – يونيو الماضي على تجديد مهمة “اندوف” لستة أشهر، وذلك بعد التصويت على القرار الذي عرضت صيغته كل من الولايات المتحدة وروسيا وتبنّاه بقية أعضاء المجلس الخمسة عشر. وبمقتضى هدا القرار تعود قوات “إندوف” (المؤلفة من نحو ألف عنصر من جنود حفظ السلام والتي أنشئت في عام 1974 عقب اتفاق على خروج القوات السورية والإسرائيلية) إلى المنطقة العازلة في الجولان. بل ودعا القرار الجماعات المسلحة إلى مغادرة هذه المنطقة، حيث نص على إنه “باستثناء قوة الأمم المتحدة اندوف، يجب ألا تكون في الجولان أي قوة عسكرية في المنطقة العازلة”.
جدير بالذكر أن الدورية التي قامت بها “إندوف” شملت نقطة عبور رئيسية بين مرتفعات الجولان السورية والجزء المحتل، ورافقتها خلال تلك الدورية الشرطة العسكرية الروسية. وفي الوقت الحالي، ينتشر أكثر من نصف عديد قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك وعددها 978 جندياً في ما يسمى بالجانب برافو (السوري).
وتتمثل الأولوية الأكثر أهمية بالنسبة إلى “الأندوف” في الوقت الراهن في توفير الوصول إلى القنيطرة للجانبين السوري والإسرائيلي في أقرب وقت ممكن، حسبما تسمح به الظروف. ولتحقيق هذا الغرض تتعاون قوات الأندوف مع العسكريين السوريين والإسرائيليين على حد سواء عبر وساطة كبير المندوبين السوريين وممثل عن القوات المسلحة الإسرائيلية، وذلك منذ بدء تنفيذ دوريات في المنطقة.

ماذا تعني عودة قوات اندوف إلى الجولان؟
تحمل عودة قوات الإندوف إلى عملها عدد من الدلالات بالنسبة إلى الأزمة السورية ومواقف مختلف القوى الدولية المنخرطة بها، والفاعلين المحركين لها. فمن ناحية أولى، لم تكن عودة القوة الأممية لتأتي إلا بعد استرداد القوات الحكومية السورية، المدعومة من روسيا، في الأسابيع الماضية الأراضي القريبة من مرتفعات الجولان، بحيث يمكن الاعتماد على وجود قوات الجيش السوري في تنفيذ التزامات الطرف السوري لتأمين وجود قوات الإندوف. وفي السياق ذاته يؤمل أن تساهم بداية عمل دوريات حفظ السلام في أن يصبح جزء من سوريا هادئاً نسبياً، وكذلك الحدود الأردنية – السورية، التي باتت تشهد قدراً ملحوظاً من الاستقرار.
من ناحية ثانية، تعكس عودة قوات إندوف في هذا التوقيت محورية الدور الروسي حالياً في الملف السوري سواء في التطورات الميدانية أو التسويات السياسية، فعلى صعيد العمليات العسكرية كانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في وقت سابق إنهاء وجود تنظيمي “داعش” و”النصرة” في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة جنوبي سوريا، وهو ما مكّن الجيش السوري من فرض سيطرته على كامل الحدود السورية – الأردنية.
وفي السياق ذاته تشمل ترتيبات عودة قوات إندوف اتفاقات تنص على قيام الجانب الروسي بإنشاء 8 نقاط مراقبة على طول خط “برافو” في الجانب السوري من الجولان، وذلك في مقابل نقاط مراقبة دولية، لمنع وقوع أي استفزازات تستهدف القوات الأممية، على أن يتم نقل السيطرة على هذه النقاط إلى الجيش السوري مع استقرار الوضع هناك.
جدير بالذكر أن المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق أكد على قيام القوات السورية والشرطة العسكرية الروسية بدوريات متزامنة في المنطقة، وإن شدد على ضرورة التمييز الواضح بين مهمتي القوات الدولية لمراقبة فك الاشتباك في مرتفعات الجولان “أندوف” والشرطة العسكرية الروسية.
من ناحية ثالثة، فإن عودة دوريات حفظ السلام تحمل العديد من رسائل الطمأنة إلى إسرائيل، فقد توقع كثير من المراقبين أنه في لحظة بدء دوريات حفظ السلام بالسيطرة على الحدود، سيصبح قلق إسرائيل أقل، وستقلل حشد القوات من جانبها، حيث ستتقلص احتمالات حدوث مواجهة بين إسرائيل وإيران في سوريا. ولعل هذا ما تتأكد أهميته في ظل تصريحات مسؤولين إسرائيليين طالبوا من خلالها بسحب القوات الإيرانية لأسحتها الثقيلة إلى مسافة تبعد 80 كيلومتراً من الحدود بين الجانبين السوري والإسرائيلي في هضبة الجولان.
أخيراً، فإن عودة قوات الأمم المتحدة تؤشر إلى مساحة كبيرة من التوافق الأميركي – الروسي فيما يخص الملف السوري. ولعل عملية صياغة وتبني قرار مجلس الأمن القاضي بتجديد عمل قوات “إندوف” يوضح ذلك. فقد تخوف دبلوماسيون في مجلس الأمن من أن تقوم الولايات المتحدة بإدخال أي تعديلات جوهرية خلال الأيام القليلة السابقة على عرض القرار على المجلس، أو أن تقوم بإرجاء عرض الأمر على المجلس لحين تبلور أفكار أكثر نضوجاً أو اقتراحات جديدة تحوز رضا واشنطن.
ويمكن القول إن خروج القرار بشكله الحالي يمكن اعتباره جزءاً من محاولات تفاهم أميركي/ روسي في سياق “اتفاق مرحلي” يبقي الحرب السورية “تحت السيطرة”. وهو ما انعكس على المسمى العملياتي في استمرار خطوط الاتصال قائمة بين الجانبين لتجنب حصول أي تصادم ليس في الحسبان بين الطائرات الحربية الروسية وتلك التابعة للتحالف الدولي بقيادته الأميركية. فضلاً عن التقدم بين واشنطن وموسكو حيال المناطق المتفق عليها مبدئياً لتخفيف التصعيد في سياق الحرب السورية.
ولعل من أكبر دلالات التوافق الروسي الأميركي في هذا الصدد يأتي مع حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلن خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأمركي دونالد ترامب، أنه بعد هزيمة الإرهابيين نهائياً جنوب غربي سوريا، في ما يسمى بالمنطقة الجنوبية، يجب إحالة الأوضاع في هضبة الجولان بما يتفق تماماً مع اتفاقية عام 1974 حول فصل القوات الإسرائيلية والسورية، موضحاً أن ذلك سيسمح بإعادة الهدوء، واستعادة نظام وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، وسيحمي كذلك أمن “دولة إسرائيل”.
*كاتبة مصرية.

Optimized by Optimole