خطاب ترامب أكّد الفجوة بين نظريته وبين أفعاله الواقعية

خطاب ترامب أكّد الفجوة بين نظريته وبين أفعاله الواقعية
Spread the love

بقلم: حيمي شاليف – محلل سياسي إسرائيلي —

•قلّل خطاب دونالد ترامب السياسي النرجسي الجدية التي من المناسب أن نتقصّى فيها سياسة الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة، وشكل نقطة الضعف الأساسية. وسواء كان ترامب هو من ابتكر الاستراتيجيا الجديدة الثورية التي أراد تقديمها، أو أنه شارك في بلورتها، فإنه على الأقل هو من قرأها من البداية حتى النهاية، إن شخصيته الأنانية، والأحادية البعد، والنزقة، والتجارية والجارحة، كانت العقبة الأساسية أمام تحقيق الهدف المعلن لهذه الاستراتيجيا، أي استعادة أميركا عظمتها المفقودة، ظاهرياً.

•لم يردع ترامب ومساعدوه خلال المعركة الانتخابية الاحتجاج الذي أثاره شعار” أميركا أولاً”، والمرتبط بمؤيدي النازيين في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وقد اختاورا الآن هذا الشعار كعنوان لسياسة الولايات المتحدة الخارجية والأمنية. في أساس هذه السياسة توجد نظرة عامة كانت تحظى بشعبية في ثلاثينيات القرن الماضي تقول إن العالم محكوم عليه بالصراع الدائم بين دول قومية تحاول تعظيم نفسها على حساب دول أُخرى. والاندماج والعولمة واتفاقات التعاون الثنائي التي عمل عليها من سبقه، هي تعبير عن الضعف وعدم ثقة بالنفس.

•ستحرص الولايات المتحدة مع ترامب قبل أي شيء على مصالحها، وستدفع قُدماً بتحالفات ثنائية على حساب اتفاقات دولية متعددة الأطراف، وستزيد قوة جيشها وستتدخل في دول أجنبية كما تشاء، وستستخدم التجارة والرأسمالية للحصول على أصدقاء وإلحاق الهزيمة بالأعداء. ستلهم الولايات المتحدة العالم وستكون نموذجاً يحتذى به، لكنها ستتوقف عن محاولة إنقاذ شعوب من الخراب اللاحق بها، أو تحاضر لأنظمة ظلامية، عن المساواة وحقوق الإنسان.

•وعلى الرغم من أن المانشيتات الأولى في وسائط الإعلام الإسرائيلية ركزت على ما ورد في الوثيقة من أن الأنظمة في الشرق الأوسط لم تعد تعتبر إسرائيل المشكلة الأساسية في المنطقة، فإن الجزء الأكثر أهمية بالنسبة إلى إسرائيل هو المقاربة المعادية لإيران. وبالإضافة إلى النقد المعهود لاتفاق أوباما النووي “السيء جداً”، تضع السياسة الأميركية الجديدة إيران مع كوريا الشمالية جنباً إلى جنب، ليس فقط بصفتها خطراً واضحاً ومباشراًعلى أمن الولايات المتحدة القومي بصورة عامة، بل بصفتها تهديداً ملموساً للوطن بواسطة الصواريخ الباليستية. وتعزز الوثيقة الشكوك بشأن رغبة ترامب في الاستمرار في التقيد بالاتفاق النووي، وتثير أيضاً مخاوف، هي آمال في القدس، بأن الطريق قد مُهدت نحو مواجهة جبهوية بين الولايات المتحدة وإيران.

•من جهة أُخرى، من الواضح اليوم وجود فجوة واضحة بين لغة الوثيقة الصارمة إزاء خصوم الولايات المتحدة ومنهم الصين وروسيا، وبين السياسة الفعلية التي ينتهجها ترامب منذ وصوله إلى منصبه.

•نظرياً، في الوثيقة روسيا هي خصم استراتيجي يسعى لإضعاف الولايات المتحدة من خلال تخريب علاقاتها بأوروبا، لكن واقعياً، تسبب ترامب بضرر كبير في العلاقات بأوروبا أكثر مما كان يحلم به بوتين.

•نظرياً، الولايات المتحدة تدين موسكو “التي تتدخل في شؤون دول متعددة في العالم”، لكن عملياً يصف ترامب الحدث الأبرز لهذا التدخل، الذي كان بالصدفة لمصلحته، بأنه من صنع ليبراليين محبطين حصلوا على مساعدة عملاء مزدوجين داخل الإدارة والسلطات القضائية. نظرياً، من المفترض أن يواجه ترامب بوتين بقوة، ولكن في الواقع بدا هذا المساء مثل كلب يهز ذيله عندما تحدث بسرور عن الحديث الهاتفي الذي اعترف فيه بوتين للولايات المتحدة بنقل معلومات مهمة عن الارهاب.

•ستحظى السياسة الأميركية الجديدة بالتأكيد بتأييد واسع في أوساط اليمين الأميركي القومي وطبعاً لدى حلفائها في القدس. إن الولايات المتحدة التي تضع إيران والإسلام المتشدد في صلب اهتماماتها، والتي تسعى لفرض إرادتها بواسطة جيشها القوي واقتصادها المزدهر، والتي تخلت عن رهان تغيير العالم أو أن تكون المُدافع عن المضطهدين والمظلومين، والتي وجهت صفعة إلى أوروبا وإلى الرأي العام العالمي/الإسلامي، كما برز في تصويت مجلس الأمن 140-1 أمس ضد تصريح ترامب بشأن القدس، هي تماماً الولايات المتحدة التي حلم بها نتنياهو. وإذا كان هناك أمل لدى كل مَن يرغب في فشل هذه الرؤية المتشائمة والأنانية، فالأرجح أن هذا عائد إلى أن شخصاً من نوع ترامب هو الذي جرى اختياره لتحقيقها.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole