خريطة القوى المتقاتلة في سوريا

خريطة القوى المتقاتلة في سوريا
Spread the love

خاص مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط — بقلم: د. هيثم مزاحم* — لا توجد تقديرات واضحة حول أعداد المقاتلين في التنظيمات المختلفة، وخاصة المتشددة في سوريا، نتيجة حصول انشقاقات وانضمامات، وتبدل شهري لخريطة الولاءات في البلاد، حيث يعقّد انتشار أكثر من 70 فصيلاً سورياً معارضاً في البلاد، المشهد السوري. لكن مصادر في “الجيش السوري الحر” المعارض ترجح بأن يكون عدد مقاتلي تنظيم داعش «يفوقون الـ20 ألف مقاتل، بعد سيطرة التنظيم على أرياف دير الزور، وإجبار المقاتلين المعارضين المتخاصمين معه، على الانضمام إلى صفوفه أو الرحيل عن المنطقة».
بينما تُقدّر أعداد المقاتلين المنضوين إلى «جبهة النصرة»، وهي ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، بنحو 15 ألف مقاتل. وتقول المصادر إن أعداد «النصرة»، إذا ما أضيف إليها حلفاؤها، مثل «جند الشام» و«جند الأقصى» وكتائب إسلامية متشددة أخرى موجودة في الشمال وريف دمشق «يضاعف أعداد المقاتلين في محورها، ويجعلها القوة الموازية لـ(داعش) في عدد المقاتلين».
وقد قامت التنظيمات الأصولية المختلفة من “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام” وغيرها من إقصاء الجيش السوري النظامي و”الجيش الحر”، من أرياف واسعة من البلاد، وحصر وجودهما في المدن، وبعض أرياف المحافظات السورية.
إذن كان تنظيم داعش يتصدر القوة العسكرية المعارضة في سوريا، نظراً إلى قدرته المالية وتجهيزاته العسكرية ومعداته وأسلحته، إضافة إلى خبرات مقاتليه، وخصوصاً الأجانب منهم، علما بأن التنظيم يعد أكثر الفصائل التي استقطبت مقاتلين أجانب في صفوفها، بنحو عشرة آلاف مقاتل، ينتشرون في مناطق سيطرتها.
وبعد مرور نحو ست سنوات على بدء الحرب السورية، تنقسم أراضي البلاد حالياً إلى مساحات قد تبدو متكافئة بين القوى الأربعة الفاعلة، وهي النظام السوري وفصائل المعارضة والقوات الكردية وتنظيم داعش.
والخارطة الأكثر تعقيداً هي في شمال البلاد وشرقها، وتحديداً في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة شرقاً، ومحافظتي إدلب وحلب شمالاً، حيث تنتشر تقريباً مختلف تلاوين الفصائل المقاتلة في المعارضة المسلحة فضلاً عن قوات النظام وحلفائه وقوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الأكراد عصبها الرئيس.
هذه الخارطة العسكرية، في الشمال والشرق، شهدت تغييرات ضخمة قلبت الصورة، خصوصًا بعدما شنّ “الجيش السوري الحر” وائتلاف الكتائب الإسلاميّة حرباً على “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” المعروفة بـ”داعش” في الرابع من كانون الثاني – يناير 2014.
ولعل أبرز التغييرات الميدانية البارزة على خريطة سوريا كان توسع النفوذ الكردي في شمالي وشرقي البلاد، فبعد أن كان مقتصراً على الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا وبعض النقاط الصغيرة الأخرى، إذ أصبح الأكراد يسيطرون تقريباً على معظم الشمال السوري من الحسكة إلى شمال حلب، إضافة إلى منطقة عفرين في الشمال الغربي.
وكانت فصائل “جيش الفتح” التي كانت تضم “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” وفصائل سلفية أخرى، تسيطر على أجزاء واسعة من شرق مدينة حلب، ومن ريفها في الجهات الأربع، لكن الجيش السوري وحلفاءه حررا غرب المدينة في كانون الأوس – ديسمبر 2016.
كما يسيطر تنظيم “داعش” على مناطق في ريف حلب تتوزع بين محيط بلدتي مارع وإعزاز (قرب الحدود مع تركيا)، وينتشر التنظيم أيضاً في مناطق واسعة من الصحراء (بادية الشام) في وسط وشرقي سوريا، متمركزاً في محافظتي الرقة ودير الزور، ويتنازع مع الجيش السوري في دير الزور وقرب مدينة الطبقة، ومع الأكراد في مناطق في الحسكة ومحيط الرقة.
أما محافظة إدلب فهي معظمها بيد الفصائل المعارضة والجهادية وبخاصة “جبهة فتح الشام”، جبهة النصرة سابقاً، باستثناء بلدتي كفريا والفوعة اللتين تقطنهما أغلبية شيعية موالية للنظام، والخاضعتين للحصار والقصف من قبل المعارضة.
ويمتد الشريط الخاضع لسيطرة النظام على معظم الجزء الغربي من سوريا، من الحدود مع تركيا شمالاً إلى الحدود مع الأردن جنوباً، ليشمل معظم ريف اللاذقية، ومروراً بمعظم محافظة حماة، والجزء الغربي من محافظة حمص، وكذلك العاصمة دمشق ومناطق متفرقة من ريفها، وصولاً إلى محافظة السويداء ونحو ثلث مساحة محافظة درعا.
وتتخلل المناطق السابقة عدة نقاط تخضع للمعارضة، وأهمها مناطق من سهل الغاب في ريف حماة، وبلدتا الرستن وتلبيسة في ريف حمص، وأجزاء كبيرة من الغوطة الشرقية حول دمشق، إضافة إلى معظم مساحة محافظة درعا.

تنظيم “داعش”
تنظيم داعش هو الأكثر قوة، والأوسع انتشاراً وسيطرة في مناطق سوريا، إذ يحكم السيطرة حالياً على مساحة تراوح بين 35 إلى 45 في المئة من مساحة سوريا بعد الخسائر التي مني بها أمام القوات الكردية في مناطق مختلفة.
وتتركز سيطرة “داعش” في الشمال والشرق اللذين تمدد فيهما منذ بداية العام 2014 حيث يسيطر التنظيم الإرهابي على محافظة الرقة بشكل كامل، وعلى عاصمتها الرقة منذ أيلول- سبتمبر 2013. كما يسيطر تنظيم “داعش” على معظم محافظة دير الزور، ومناطق في ريف حلب الشرقي. وتتصف مناطق سيطرة “داعش” بأنها مناطق مفتوحة – مكشوفة وصحراوية.
ولا يزال التنظيم يقاتل على عدة محاور في الشرق (دير الزور) وفي الرقة ومحيطها، وشرق حمص، وبعض مناطق ريف حلب. كما يسيطر “داعش” على حي الحجر الأسود في ريف دمشق وعلى أطراف بلدة يلدا وسط معارك مد وجزر بينه وبين فصيل “جيش الإسلام”. كما سيطر التنظيم على حي مخيم اليرموك جنوب دمشق بعد اتهام “جبهة النصرة” بتسليم مواقعها وسط الحي وانسحابها منه.
ويسيطر تنظيم “داعش” منذ عام 2013 على الجزء الأكبر من محافظة دير الزور، بما في ذلك مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، وعلى حقول النفط الرئيسية في المحافظة الأكبر في البلاد من حيث كمية الإنتاج. ويسعى التنظيم منذ أكثر من عام لوضع يده على كامل مدينة دير الزور، مركز المحافظة. لكن الجيش السوري يسيطر على أحياء محددة في مدينة دير الزور، أبرزها حي الجورة والقصور ومنطقة الطلائع، إضافة إلى ثكنات عسكرية وهي المطار العسكري ومعسكر الطلائع والجبل واللواء 137 الواقع على أطراف المدينة
ويسيطر تنظيم “داعش” على معظم الريف الغربي والشرقي لدير الزور. لكنه خسر أجزاءً من «فوج الميلبية» الاستراتيجي جنوب مدينة الحسكة في هجوم «لقوات سوريا الديموقراطية”.

جبهة النصرة
خلافاً لـ«داعش» الذي يسيطر على أراضٍ جغرافية متصلة في شمال وشرق البلاد، تتوزع قوى «جبهة النصرة» في جنوب البلاد وشمالها ووسطها، إضافة إلى بعض مناطق ريف دمشق، وهي خاضعة لتغيير جغرافي مستمر بين التقدم والتراجع. لكن أكثر المناطق وجوداً لجبهة النصرة، تقع في ريف إدلب، وفي درعا والقنيطرة (جنوب البلاد)، إضافة إلى القلمون حيث يبلغ عدد الجبهة نحو 3 آلاف مقاتل، مع بعض الوجود في ريف دمشق وريف حمص الشمالي.
وفي صيف 2014، نجحت “النصرة” في إقصاء “الجيش السوري الحر” من مناطق ريف إدلب، بهدف إنشاء كيان موازٍ لـ«داعش» في الشمال، وذلك بعد أن أعطى زعيمه أبو محمد الجولاني الأمر بأنه «آن الأوان لأن يكون للتنظيم إمارته» في شهر مايو (أيار) 2015.
ويؤكد معارضون سوريون أن جبهة النصرة أتمت “الإجراءات العملية والعسكرية في ريف إدلب، تمهيداً لإعلان إمارة لها في ريف إدلب، من غير أن تشمل الريف الغربي لحلب”.
ولم تقاتل «جبهة النصرة» وحدها ضد قوات «جبهة ثوار سوريا» التي يتزعمها جمال معروف، و«حركة حزم» المدعومة أميركياً والمتحالفة معها: «بل شاركت كل من ألوية (صقور الشام) و(أحرار الشام) الإسلامية، التابعة للجبهة الإسلامية في ذلك القتال بضراوة»، ذلك أن بعض الألوية الإسلامية كانت تجد في قوات معروف “عقبة أمام وجودها، نظراً لأنها تستحوذ على معظم الدعم الخارجي”، في حين «تجد النصرة في جبهة ثوار سوريا حليفاً للغرب الذي يقوم باستهداف مقراتها عبر غارات التحالف»، وأن «خطوة القضاء على معروف هو استباق لضرب حليف الغرب المرتقب الذي يعتقد أنه سيقوم بمهمة القتال براً ضد النصرة وباقي الفصائل الإسلامية الموضوعة على لائحة أهداف التحالف».
وقد أعلنت حركة حزم لاحقاً عن حل نفسها واندماجها بـ”الجبهة الشامية” المتواجدة في الشمال من حلب.
وهكذا باتت «جبهة النصرة» تسيطر على قسم كبير من ريف إدلب، بعد طرد قوات المعارضة “المعتدلة” في شهر يونيو (حزيران) الماضي من الريف الغربي للمحافظة، وطرد قوات «جمال معروف» التابعة للجيش السوري الحر من الريف الجنوبي للمحافظة وريف معرة النعمان.
و«حركة أحرار الشام» مجموعة جهادية كانت قريبة من تنظيم القاعدة، وفرعه السوري «جبهة النصرة» وقد انخرطت في قتال ضد «جبهة ثوار سوريا» التي تضم كتائب معارضة عدة، وقد تمكنت من طردها من مساحات واسعة من ريف إدلب.
وبعد هجماتها على القوات المعارضة “المعتدلة”، سيطرت «جبهة النصرة» وتنظيم «جند الأقصى» المبايع لها و«حركة أحرار الشام» على معسكر الحامدية بشكل كامل عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام التي انسحبت باتجاه بلدتي بسيدا ومعرحطاط جنوباً في ريف إدلب. وبهذه السيطرة على المعسكرين، تمكنت «جبهة النصرة» من ربط ريف إدلب الجنوبي بريف حماه الشمالي.
وتسعى «جبهة النصرة» للسيطرة على كامل أرياف محافظة إدلب، كي تربطها بريف حماه الشمالي، لتكون المحافظة خاضعة لسيطرتها، ونقطة ارتكاز لها في شمال سوريا غرب مدينة حلب، في مواجهة تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق في شرق حلب.
وجدير بالذكر أن منطقة جبل السماق في ريف إدلب تضم غالبية من الطائفة الدرزية ممن خيّرتهم “النصرة” بين مبايعتها أو الرحيل وإعلان الحرب، ودب خلاف بين الموحدين الدروز الموالين للنظام السوري من جهة، ومجموعة من عناصر “النصرة” من جهة أخرى في قرية “قلب لوزة” في شهر يونيو 2015 راح ضحيتها نحو قتيلاً.
أما في ريف اللاذقية الشمالي والشرقي فتتواجد “جبهة النصرة” بأعداد لا بأس بها وتقاتل إلى جانب “حركة أحرار الشام الإسلامية” وفصائل من “الجيش السوري الحر” أهمها “الفرقة الأولى الساحلية” والفرقة الثانية الساحلية” التي تتواجد بكثرة في مدن وبلدات ريف اللاذقية.
وتحاول “النصرة” في معاركها الأخيرة في سهل الغاب في الريف الغربي لحماة وصل حماة بالساحل السوري وفتح منفذ لها يمكنها من حشد عناصرها في الشمال السوري وتأمين مد عسكري إلى الوسط والشمال من سوريا، ولاسيّما وأن العملية تمكّنها من تأمين الحدود مع تركيا.
وعلى المقلب الآخر في البلاد، تعتبر درعا في الجنوب، نقطة ارتكاز لجبهة النصرة أيضاً. وتؤكد مصادر “الجيش الحر” أن عدد مقاتلي الجبهة «لا يتجاوزون الألفي مقاتل»، فيما يقول البعض إن أعداد “النصرة” وحلفائها من كتائب إسلامية تزيد على خمسة آلاف مقاتل، لكنها «تقاتل إلى جانب قوات الجيش السوري الحر، ما يرفع عدد المقاتلين في درعا إلى أكثر من 25 ألف مقاتل».
وتسيطر المعارضة المسلحة على 80 في المائة من أرياف محافظة درعا، وكان آخرها التقدم النوعي في بلدة نوى الواقعة في الريف الغربي لمحافظة درعا جنوب البلاد، بعد أشهر من الاشتباكات، وهو ما وصفته مصادر المعارضة السورية بـ«التقدم الاستراتيجي» كونه «يقطع خطوط إمداد النظام إلى محافظة القنيطرة في الغرب، ما يمهد للسيطرة الكاملة على المحافظة» الحدودية مع إسرائيل.
ولا تزال درعا، أكثر المناطق التي تتضمن فصائل مما يسمى بالمعارضة “المعتدلة”، إذ يبلغ عدد هذه الفصائل 27 فصيلاً ، بحسب ما تقول مصادر “الجيش السوري الحر”.

“الجيش الحر”
يعد مقاتلو «الجيش الحر» الأكثر وجوداً في تشكيلات المعارضة السورية المسلحة، لكن قدرتهم مفككة، نظراً إلى انتشارهم الواسع، وضعف الإمكانات العسكرية والتقديمات، ما يجعل جهودهم مجمدة. ورغم عددهم الكبير، فمع الانقسامات التي تزداد على ضوء صعود المجموعات المتشددة، لم يعد “الجيش الحر” يسيطر على أكثر من خمسة في المائة من الجغرافيا السورية غير المتصلة، تتوزع على كيانات في الجنوب والوسط والعاصمة والشمال، بعدما كان يسيطر على نحو 20 في المائة من هذه الجغرافيا في عام 2013.

“جيش الإسلام”
تكمن القوة الأبرز لـ”جيش الإسلام”، الذي أسسه زهران علوش في الغوطة الشرقية، ويناهز عدد مقاتليه مع تشكيلات أخرى حليفة له، الـ25 ألف مقاتل في الغوطة الشرقية، بعدما تمكن من طرد تنظيم داعش من مناطق في الغوطة.

*د. هيثم مزاحم مدير مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط ورئيس تحرير موقع “شجون عربية”
خريطـة توزع القوى المتقاتلة فـي سوريـا
ا

Optimized by Optimole