تعرف على قطاع غزة الذي يدمره الاحتلال الإسرائيلي

تعرف على قطاع غزة الذي يدمره الاحتلال الإسرائيلي
Spread the love

شؤون آسيوية-

تأليف: الدكتورة مها نصار. أستاذة في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة أريزونا
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو –

رجع التركيز على الصراع في الشرق الأوسط إلى قطاع غزة حيث أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي أوامره بفرض حصار شامل على القطاع.
تبعت العملية العسكرية، التي شملت تفجير شامل للمساكن، الهجوم المباغت الذي شنه مقاتلو حركة حماس يوم 7 تشرين الأول من هذا العام حيث قاموا باختراق إسرائيل من غزة وقتلوا حوالي 1200 إسرائيلي.
وفي المقابل شن الطيران الإسرائيلي هجمات انتقامية أودت بحياة 1400 شخص من سكان غزة خلال الأيام الأربعة التي أعقبت الهجوم. ولا يزال العدد في ارتفاع مستمر (وربما وصل إل 10000 شخص لغاية نشر هذه الترجمة). وفي تلك الأثناء قطعت إمدادات الغذاء والماء والكهرباء عن غزة مما فاقم من الحالة المزرية لسكان القطاع الذي أطلق عليه “أكبر سجن في الهواء الطلق”.
ولكن كيف آل المآل بغزة لتصبح المكان الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم؟ ولماذا أصبحت موطناً للمحاربين الفلسطينيين الآن؟ وبصفتي متخصصة بالتاريخ الفلسطيني أعتقد أن الإجابة على هذه التساؤلات ستوفر إطاراً تاريخياً حاسماً للعنف الراهن.
يتكون قطاع غزة من شريحة ضيقة من الأرض في الطرف الجنوبي الشرقي من ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويقارب حجمه ضعفي مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن وينحصر بين إسرائيل شمالاً وشرقاً ومصر جنوباً.
تعتبر غزة ميناءً تجارياً بحرياً منذ القدم وكانت جزءً من فلسطين الجغرافية. سكنها منذ بدايات القرن العشرين العرب المسلمين والمسيحيين تحت الحكم العثماني. وعندما استولت بريطانيا على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى انضمت غزة إلى الحركة القومية الفلسطينية الناشئة حديثاً.
أقدم الجيش الإسرائيلي خلال حرب عام 1948، التي أدت إلى تأسيس إسرائيل، على قصف 29 قرية في جنوب فلسطين مما دفع عشرات الآلاف من القرويين إلى الهروب إلى قطاع غزة الواقع تحت سيطرة الجيش المصري الذي استقدم بعد إعلان إسرائيل عن استقلالها. وبقيت الغالبية العظمى منهم هناك إلى الآن إضافة إلى ذراريهم.
وفي أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967 بين إسرائيل والجيوش العربية سقط قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقام الاحتلال باقتراف “انتهاكات منتظمة لحقوق الانسان”
وفق منظمة العفو الدولية، بما في ذلك إجبار الناس على الخروج من أرضهم وتدمير منازلهم وقمع كل أشكال الاحتجاجات السياسية السلمية.
قام الفلسطينيون بانتفاضتين الأولى ما بين 1987-1991 والثانية 2000-2005 على أمل التخلص من الاحتلال وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.
تركزت حماس، وهي مجموعة مقاومة فلسطينية إسلامية التي تأسست عام 1988 لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي، في غزة. شنت حماس والعديد من الحركات المسلحة هجمات متكررة ضد الأهداف الإسرائيلية في غزة مما أدى إلى الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005. أجريت في عام 2006 انتخابات تشريعية فلسطينية وهزمت حماس منافسها العلماني فتح التي اتهمت بالفساد. لم تجري في قطاع غزة أية انتخابات منذ عام 2006 واشارات استطلاعات الرأي في أذار من عام 2023 إلى حصول حماس على 45% من الأصوات مقابل 32% لحركة فتح فيما لو أجريت الانتخابات.
سيطرت حماس بعد صراع طفيف مع فتح في أيار من عام 2007 على القطاع بشكل كامل. ومنذ ذلك التاريخ أصبح قطاع غزة تحت السيطرة الإدارية الكاملة لحماس بالرغم من اعتبار الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من الهيئات الدولية أن غزة تخضع للاحتلال الإسرائيلي.
يشكل أكثر من مليوني ساكن في غزة جزءاً من 14 مليون فلسطيني يتوزعون في شتى أصقاع المعمورة.
يعود ثلث سكان غزة بجذورهم العائلية إلى أرض داخل قطاع غزة.
أما الثلثين الآخرين فهم لاجئين من حرب 1948 وذراريهم القادمين من البلدات والقرى المحيطة بغزة.
وتغلب نسبة الشباب على سكان غزة إذ إن نصف عدد السكان هم دون سن الثامنة عشرة. كما يعاني القطاع من فقر مدقع وتصل نسبة الفقر إلى 53%.
وبالرغم من قتامة الصورة الاقتصادية فإن مستويات التعليم مرتفعة للغاية. إذ يذهب أكثر من 95% من أطفال غزة ضمن سن 6-12 عاماً إلى المدراس. كما ينجح معظم الطلبة الفلسطينيين في غزة في الحصول على شهادة الثانوية العامة وتشكل الإناث 57% من نسبة الطلبة في الجامعة الإسلامية بغزة.
وبسبب الظروف المحيطة بغزة يعاني الشباب الفلسطينيين من شظف العيش هناك. إذ تصل نسبة البطالة بين الخريجين من عمر 19-29 إلى معدل 70%. بين استطلاع للبنك الدولي في أوائل هذا العام أن 71% من سكان غزة يعانون نوعاً من أنواع لاكتئاب.
وثمة العديد من العوامل التي تساهم في تلك الحالات. وأهمها الحصار الغاشم الذي فرضته إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة على غزة.
حاولت إدارة الرئيس بوش تنحية حماس عن السلطة بعيد انتخابات عام 2006 وتنصيب زعيم منافس من حركة فتح أقرب للولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن حماس استبقت الانقلاب وتمكنت من السيطرة الكاملة على غزة في أيار من عام 2007. وردت إسرائيل ومصر مع الدعم الأوربي والأمريكي بإغلاق المعبر الحدودي من وإلى قطاع غزة وفرضت عليه حصاراً برياً وبحرياً وجوياً.
يقيد هذا الحصار الذي لا يزال سارياً لغاية اليوم استيراد الغذاء والوقود ومواد البناء ويحدد المسافة التي يستطيع الصيادين اجتيازها في البحر ويمنع معظم المستوردات ويفرض قيوداً صارمة على حركة السكان من وإلى غزة. ووفق أرقام الأمم المتحدة سمحت إسرائيل لحوالي 50 ألف شخص شهرياً بمغادرة غزة هذا العام.
أنهكت سنوات الحصار سكان غزة ودمرت حياتهم. إذ لا يتوفر لديهم ما يكفي من مياه الشرب والاستحمام ويعانون من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي يتراوح ما بين 12 إلى 18 ساعة في اليوم مما يؤثر على نظام الرعاية الصحية الهش والذي يكاد يكون على شفا الانهيار وفق مجموعة الحقوق الطبية “العون الطبي لفلسطين”.
تؤثر هذه التقييدات على الناشئة والضعفاء بشكل خاص في غزة. وترفض إسرائيل بشكل متكرر منح المرضى تصريحاً بالمغادرة لتلقي العلاج في الخارج.
يقول خبراء الأمم المتحدة أن هذا الحصار غير شرعي وفقاً للقانون الدولي. وأن الحصار يرقى لمرتبة العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة وهو انتهاك لميثاق لاهاي وجنيف الذي يشكل العمود الفقري للقانون الدولي.
تقول إسرائيل أن الحصار على غزة ضرورياً لضمان أمن سكانها وسيرفع عندما تتخلى حماس عن العنف وتعترف بإسرائيل وتلتزم بالاتفاقيات المسبقة.
ولكن حماس رفضت على الدوام هذا الإنذار. وعوضاً عن ذلك صعد المقاومين من إطلاق الصواريخ المحلية الصنع ومدافع الهاون على المناطق المأهولة المحيطة بقطاع غزة في عام 2008 للضغط على إسرائيل لرفع الحصار. ولكنهم لم يهاجموا إسرائيل بتلك الطريقة إلا نادراً منذ ذلك الحين.
شنت إسرائيل أربعة هجمات مسلحة على غزة عام 2008-2009 و2012 و2014 و2021. في محاولة منها لتدمير مقدرات حماس العسكرية. أدت تلك الحروب إلى قتل 4000 فلسطينياً أكثر من نصفهم من المدنيين بالمقارنة مع 106 أشخاص في إسرائيل.
قدرت الأمم المتحدة في ذلك الوقت أن الضرر الذي حاق بالمنازل والزراعة والصناعة والبنية التحتية لقطاع الكهرباء والمياه في غزة بحوالي 5 مليار دولار.
انتهت كل حرب من تلك الحروب بهدنة هشة دون أي حل حقيقي للصراع. تسعى إسرائيل لردع حماس عن إطلاق الصواريخ. ولكن حماس تقول إنها رغم التزامها والتزام الميلشيات المسلحة الأخرى بالهدنة في المرات السابقة تابعت إسرائيل مهاجمة الفلسطينيين ورفضت رفع الحصار.
عرضت حماس هدنة طويلة المدى مقابل انهاء إسرائيل للحصار المفروض على غزة ولكن إسرائيل رفضت ذلك العرض وأصرت على موقفها بإنهاء حماس للعنف والاعتراف بإسرائيل.
تدهورت الأوضاع في الأشهر التالية لتلك التصعيدات بشكل كبير. ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير نشر في شهر أيلول أن المنظور الاقتصادي لغزة لا يزال منهاراً. وأصبحت الظروف أسوأ بكثير عندما أعلنت إسرائيل بتاريخ 5 أيلول 2023 أنها ستوقف جميع الصادرات من المعبر الحدودي الأساسي في غزة.
لا يبدو أن هناك نهاية في الأفق للمعاناة التي سببها هذا الحصار ويبدو أن حماس قد قررت أن تصعد من الوضع الراهن في هجومها المباغت على الإسرائيليين. كما أن القصف الجوي الإسرائيلي الانتقامي وفرضها “لحصار مطبق” على القطاع قد فاقم من معاناة المواطنين العاديين.
ويذكرنا ذلك بأن المدنيين هم من يتحمل في النهاية وطأة هذا الصراع.

المصدر:ذا كونفرساشن

https://theconversation.com/the-gaza-strip-why-the-history-of-the-densely-populated-enclave-is-key-to-understanding-the-current-conflict-215306?utm_source=facebook&utm_medium=bylinefacebookbutton&fbclid=IwAR1lZyR1J8lhUPknZyJQxD_DBRnu6p4DhDIKA12l7HlpjtMu8bi5LUvXeBo

Optimized by Optimole