بريطانيا تشهد أسوأ انكماش منذ 300 عام وألمانيا تستنجد بالفحم الحجري.

بريطانيا تشهد أسوأ انكماش منذ 300 عام وألمانيا تستنجد بالفحم الحجري.
Spread the love

شجون عربية-
مع اقتراب التضخم في أوروبا من رقمين أصبح الركود شبه مؤكد، والشتاء المصحوب بنقص في الطاقة يلوح بالأفق ويقترب بسرعة. وعلى الرغم من أن هذه التوقعات قاتمة، إلا أن القادم أسوأ قبل أي تحسن يمكن أن تشهده الاقتصاديات الأوروبية في وقت ما من عام 2023.

فرانكفورت – كان من المفترض أن يكون هذا العام إيجابيا في أوروبا، وأن تؤدي نشوة الإنفاق بعد الجائحة، المدعومة بالإنفاق الحكومي الوفير، إلى دفع عجلة الاقتصاد، لكن كل ذلك تغير في الرابع والعشرين من فبراير مع الغزو الروسي لأوكرانيا. لقد اختفت الحياة الطبيعية وأصبحت الأزمة دائمة.
“الأزمة هي الوضع الطبيعي الجديد”، يقول ألكسندر بومبارد الرئيس التنفيذي لشركة كارفور للبيع بالتجزئة. وقال للمستثمرين “ما اعتدنا عليه في العقود الماضية، انخفاض التضخم والتجارة الدولية، انتهى الأمر”.
التغيير دراماتيكي. قبل عام توقع معظم المتنبئين نموا اقتصاديا في عام 2022 بالقرب من 5 في المئة. والآن أصبح الركود الشتوي هو الحالة الأساسية، بعد أن ارتفعت أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 13 في المئة بين عشية وضحاها، وتضاعفت في شهر واحد فقط لتكون أعلى 15 مرة من متوسط العقد الماضي.

الانكماش الأكبر

في بريطانيا سجل الاقتصاد أكبر انكماش منذ 300 عام جراء وباء كوفيد – 19 وفق ما أظهرته مراجعة بيانات نشرها المكتب الوطني للإحصاءات. وحذر محللون من أن التضخم قد يصل إلى 18 في المئة إذا لم يتم تقييد أسعار الطاقة

وكان المكتب الوطني للإحصاءات قدر في السابق بأن إجمالي الناتج الداخلي البريطاني انكمش بنسبة 9.3 في المئة عام 2020، لكن المراجعة الأخيرة جاءت إثر تغييرات طرأت على طريقة حساب البيانات.
ويعد الانكماش الأكبر منذ “الصقيع الكبير” عام 1709، بحسب بيانات بنك إنجلترا.
وقال تاباس ستريكلاند مدير الاقتصاد في ناب “يشير وضع الطاقة المتردي في أوروبا إلى أن ذروة التضخم ليست هنا بعد، ولا يزال الخطر قائما في أن التضخم المرتفع هنا لفترة أطول ما لم يتخذ البنك المركزي إجراءات قاسية”.
وفي بلجيكا حذر رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو من أن فصول الشتاء ستكون صعبة لفترة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام.
ونقل عن دي كرو قوله “الوضع صعب للغاية في مختلف أنحاء أوروبا.. بعض القطاعات تواجه صعوبات خطيرة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة”.
ولم يحمل المستشار الألماني أولاف شولتس الذي أجرى زيارة إلى كندا أخبارا سارة تهدئ من مخاوف الألمان، بعد أن أقرّ رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنّ تصدير الغاز الكندي إلى ألمانيا لن يكون سهلا، حتى وإن أرادت برلين تنويع مصادر إمداداتها للحدّ من اعتمادها على روسيا.
وفي سعيها للتخفيف من الآثار الناجمة عن نقص الغاز لم تتردد الحكومة الألمانية في اتخاذ قرار بالعودة إلى الفحم الحجري، وأصدرت مرسوما يسمح بإعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري وتمت إعادة تشغيل محطة هايدن الواقعة في مدينة بيترسهاغن بولاية شمال الراين ويستفاليا على الحدود مع ولاية سكسونيا السفلى.
وأعلنت شركة يونيبر المشغلة أن من المنتظر عودة المحطة التي تعمل بالفحم الحجري إلى الأسواق اعتبارا من الاثنين المقبل، وستستمر حتى نهاية أبريل 2023.
وسبق أن تمت إعادة تشغيل محطة ميروم التابعة لشركة “إي.بي إتش” التشيكية للطاقة لتكون أول محطة فحم حجري في ألمانيا يعاد تشغيلها من احتياطي الشبكة وتعود إلى شبكة الكهرباء في مطلع أغسطس الجاري.
وكانت شركة شتيغ في إيسن أعلنت أيضا اعتزامها إعادة تشغيل محطات فحم حجري احتياطية وطرحها في السوق.
عند مستوى تضخم قارب الرقمين يستنزف القوة الشرائية تعاني الأسر والشركات في منطقة اليورو ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ليس فقط بسبب الحرب بل أيضا بسبب الجفاف المدمر وانخفاض مستويات الأنهار التي تقيد النقل.
مبيعات التجزئة آخذة في الانخفاض بالفعل، قبل أشهر من بدء موسم التدفئة والمتسوقين يقلصون مشترياتهم. في يونيو، انخفض حجم مبيعات التجزئة بنسبة 4 في المئة تقريبا عن العام السابق، بانخفاض هو الأكبر سجلته ألمانيا بنسبة 9 في المئة.
ويلجأ المستهلكون إلى المتاجر التي تعلن عن تخفيضات ويتخلون عن المنتجات الراقية، ويتحولون إلى العلامات التجارية الزهيدة الثمن. كما لجأوا إلى التقليص من قائمة المشتريات.
الحياة أصبحت أكثر تكلفة والمستهلكون مترددون في الاستهلاك”، قال روبرت جينتز الرئيس التنفيذي المشارك لشركة التجزئة الألمانية زالاندو، للصحافيين.
لقد تعاملت الشركات بشكل جيد مع الصعوبات حتى الآن بفضل سياسة التسعير الرائعة وبسبب العروض الخاصة، لكن القطاعات التي تستهلك الطاقة بشكل مكثف تعاني بالفعل.
السياحة هي النقطة المضيئة النادرة، حيث يتطلع الأوروبيون إلى إنفاق بعض المدخرات المتراكمة والاستمتاع بأول صيف خال من الرعاية منذ عام 2019.
لكن حتى قطاع السفر يعوقه نقص القدرات والعمالة حيث كان العمال الذين تم تسريحهم خلال الوباء مترددين في العودة.
واضطرت المطارات الرئيسة، مثل فرانكفورت ولندن هيثرو، إلى وضع حد أقصى للرحلات الجوية لمجرد أنها تفتقر إلى الموظفين اللازمين لمعالجة الركاب. وفي أمستردام يمكن أن تمتد أوقات الانتظار إلى أربع أو خمس ساعات هذا الصيف.
ولم تستطع شركات الطيران أيضا التعامل معها. واضطرت لوفتهانزا الألمانية إلى نشر اعتذار للزبائن عن الفوضى، معترفة بأنه من غير المرجح أن تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي في أي وقت قريب.

صدمة الغاز

من المرجح أن يزداد هذا الألم، خاصة إذا خفضت روسيا صادرات الغاز بشكل أكبر.
“صدمة الغاز اليوم أكبر بكثير. إنها تقريبا ضعف الصدمة التي واجهناها في السبعينات مع النفط”، قالت كارولين باين في كابيتال إيكونوميكس وأضافت “لقد شهدنا زيادة بنسبة 10 إلى 11 ضعفا في السعر الفوري للغاز الطبيعي في أوروبا على مدى العامين
الماضيين”.
في حين كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عن خطط لتسريع انتقاله إلى الطاقة المتجددة وإعلان الفطام عن الغاز الروسي بحلول عام 2027، مما يجعله أكثر مرونة على المدى الطويل، حيث أجبره نقص الإمدادات الحالي على السعي لخفض استهلاك بنسبة 15 في المئة هذا العام.
لكن استقلال الطاقة يأتي بتكلفة.
وبالنسبة إلى الأشخاص العاديين، سيعني ذلك المنازل والمكاتب الباردة على المدى القصير. فألمانيا على سبيل المثال، تريد تدفئة الأماكن العامة إلى 19 درجة مئوية فقط هذا الشتاء مقارنة بنحو 22 درجة مئوية في السابق.
علاوة على ذلك، سيعني ذلك ارتفاع تكاليف الطاقة وبالتالي التضخم حيث يجب على دول الاتحاد التخلي عما اعتبر حتى وقت قريب أكبر وأرخص إمدادات الطاقة.
وبالنسبة إلى الشركات، سيعني ذلك انخفاض الإنتاج، الأمر الذي يلتهم المزيد من النمو، وخاصة في الصناعة.
وارتفعت أسعار الغاز بالجملة في ألمانيا، أكبر اقتصاد في التكتل، خمسة أضعاف في عام واحد، لكن المستهلكين محميون بعقود طويلة الأجل، وبالتالي فإن التأثير حتى الآن كان أصغر بكثير.
ومع ذلك، سيتعين عليهم دفع ضريبة بتكليف من الحكومة، وبمجرد تمديد العقود، سترتفع الأسعار، مما يشير إلى أن التأثير سيأتي مع تأخير، مما يضع ضغوطا تصاعدية مستمرة على التضخم.
وهذا هو السبب في أن العديد من خبراء الاقتصاد، إن لم يكن معظمهم، يرون ألمانيا وإيطاليا، الاقتصادين رقم 1 ورقم 4 في أوروبا اللذين يعتمدان اعتمادا كبيرا على الغاز، يدخلان مرحلة الركود قريبا.
في حين أن الركود في الولايات المتحدة أمر مرجح أيضا، إلا أن أسبابه ستكون مختلفا تماما.
ويكافح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مع سوق العمل الساخنة والنمو السريع للأجور، وقد رفع أسعار الفائدة بسرعة وأوضح أنه على استعداد للمخاطرة حتى بحدوث ركود لترويض نمو الأسعار.
وعلى النقيض من ذلك، لم يقم البنك المركزي الأوروبي بزيادة أسعار الفائدة إلا مرة واحدة، والعودة إلى الصفر، وسوف يتحرك بحذر فقط، مدركا أن رفع تكلفة الاقتراض لدول منطقة اليورو المثقلة بالديون، مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، قد يغذي المخاوف بشأن قدرتها على الاستمرار في سداد ديونها.
لهذا يتوقع دخول أوروبا حالة ركود مسلحة ببعض نقاط القوة. حيث سجلت العمالة مستوى قياسيا مرتفعا وكافحت الشركات مع تزايد ندرة العمالة لسنوات. وهذا يشير إلى أن الشركات ستكون حريصة على التمسك بالعمال، خاصة وأنها تتجه نحو الانكماش بهوامش صحية نسبيا.
ومن شأن ذلك أن يحافظ على القوة الشرائية، مما يشير إلى ركود ضحل نسبيا مع ارتفاع متواضع فقط في ما أصبح الآن معدل بطالة قياسيا منخفضا.
وقالت عضو في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي “نرى نقصا حادا مستمرا في العمالة وبطالة منخفضة تاريخيا وعددا كبيرا من الوظائف الشاغرة. ربما يعني هذا أنه حتى لو دخلنا في حالة انكماش، ستكون الشركات مترددة في التخلي عن العمال على نطاق واسع”.
مصدر:صحيفة العرب

Optimized by Optimole