باحث إسرائيلي: فلنتوقف عن سياسة الغموض

باحث إسرائيلي: فلنتوقف عن سياسة الغموض
Spread the love

بقلم: إيال زيسر – نائب رئيس جامعة تل أبيب —

في نهاية كانون الثاني/يناير 2013 هاجمت إسرائيل لأول مرة في الأراضي السورية شحنة سلاح إيراني كانت في طريقها إلى حزب الله. وبعد أيام قليلة على ذلك تطرق وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك إلى الهجوم قائلاً: “حذرنا، وفي النهاية تحركنا”؛ وقد قصد بقوله هذا إن إسرائيل هي خلف الهجوم.
لقد أزال باراك، من خلال إعلان مسؤولية إسرائيل بصورة مباشرة وواضحة عن هذا الهجوم، الغطاء الشفاف من الغموض الذي كان يُفترض أن يلف عمليات إسرائيل في سورية. ربما يكون أراد بذلك إيصال رسالة حادة إلى السوريين والإيرانيين، أو ربما أراد أن يضع أسس “إرثه” كوزير دفاع، كما فعل رئيس الأركان المنتهية ولايته غادي أيزنكوت، الذي كشف عقب انتهاء ولايته أن الجيش هاجم آلاف الأهداف في سورية.
ومنذ ذلك الحين نفذت إسرائيل مئات الهجمات على الأراضي السورية، استهدفت في معظمها، إذا لم يكن كلها، شحنات سلاح متوجهة من طهران إلى بيروت. وفي بعض الأحيان هوجمت مخازن سلاح أو مصانع، تعود في جزء منها إلى الجيش السوري، وكانت تستخدم لتخزين أو لإنتاج سلاح متقدم لحزب الله.
لقد امتنعت إسرائيل غالباً من تحمل مسؤولية هذه الهجمات، لكن الغموض لم يكن موجوداً، وإنما لعبة “يبدو لي”. السوريون تقريباً بصورة دائمة تحدثوا عن الهجمات، ولو في وقت متأخر مع إخفاء الأهداف الدقيقة التي هوجمت. وأحياناً كان الروس والأميركيون يسبقون السوريين [في الإعلان عن الهجمات]، الأميركيون كانوا يتخوفون من أن يتهموا بعلاقتهم بها، الأمر الذي كان من المحتمل أن يورطهم في الحرب في سورية، لذا كانوا يسارعون إلى وضع المسؤولية على عاتق إسرائيل.
يساعد الصمت الإسرائيلي قبل كل شيء على أن يخفي عن العدو كم هو مكشوف ومخترق من جانب القدرات الاستخباراتية والعملانية الإسرائيلية، كما أنه ضروري للجهود الرامية إلى عدم إحراج بشار الأسد أو قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، لأن تحمل إسرائيل المسؤولية رسمياً سيحرجهما ويدفعهما إلى الرد. وفي كل الأحوال، عملياً، لم يكن الغموض موجوداً بصورة دائمة.
يعني الغموض أن الطرف الثاني ليس مقتنعاً بأن إسرائيل هي وراء عملية أو هجوم ضده أو في أراضيه. والأمثلة على هذا كثيرة: عمليتا اغتيال عماد مغنيه أو محمود المبحوح نسبتا إلى إسرائيل. وكان تقدير حزب الله و”حماس” أن إسرائيل هي وراء الاغتيالين، لكن من دون وجود دليل قاطع، امتنعا من تحميل إسرائيل المسؤولية ومن الرد.
في السياق السوري، الغموض ربما يكون ذا فائدة بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي، لكن ما وراء الحدود ليس لدى الناس أدنى شك فيما يحدث. وحتى من دون الإعلان رسمياً عن المسؤولية، فقد تعامل جيراننا مع هذه الهجمات بصفتها عمليات إسرائيلية. ولمّحت مجموعة كبيرة من وزراء الأمن والجنرالات مراراً وتكراراً، وأوضحت أحياناً، أن إسرائيل هي المسؤولة.
وبالتالي يبدو من المبالغة الادعاء بأن التصريحات التي برزت مؤخراً في إسرائيل هي التي دفعت الإيرانيين إلى الصعود درجة والرد على هجمات إسرائيل. في نهاية الأمر،في إيران كما في سورية، لا تحدد السياسة بحسب عناوين الصحف في إسرائيل. فالإيرانيون لا يهمهم الرأي العام في إسرائيل أو “الكلام المتغطرس” لزعمائها، وإنما الواقع على الأرض.
وفي الواقع، نجحت إسرائيل من خلال عملياتها في عرقلة، وحتى كبح، محاولات طهران إحكام قبضتها على سورية. وبما أن المقصود هو المصلحة الإيرانية العليا، تصر طهران على تغيير قواعد اللعبة، وخصوصاً أن الحرب في سورية توشك على الاقتراب من نهايتها، وأن العلاقات الروسية – الإسرائيلية تمر في أزمة.
لقد حان الوقت لاستبدال الغموض، الذي لم يكن موجوداً قط، بتصريحات واضحة تشرح ما هي خطوط إسرائيل الحمر التي لن تسمح لطهران بتجاوزها.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هَيوم” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole