القوة والدبلوماسية أداتا سلطة الدولة وفرض سيادتها

القوة والدبلوماسية أداتا سلطة الدولة وفرض سيادتها
Spread the love

بقلم: عبداللطيف مشرف* — القوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها، والقوة بطبيعتها شيء نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى، كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع بحيث يصبح بإمكانها التأثير على دولة أخرى أقوى منها وحتى إجبارها على تغيير سياستها، فقد تلاشت قوة الولايات المتحدة الأمريكية أمام شعب فيتنام مع أنها تملك أسلحة دمار شامل، ولكن خشيت من إستخدامها خوفاً من رد فعل الصين الشعبية والإتحاد السوفيتي (السابق) مما دفع صانع القرار الأمريكي إلى حصر المجهود الحربي في أسلحة تقليدية .
وتتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وإن اللجوء إلى القوة هو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية ويعتمد السعي وراء القوة على الموارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة . وليس هناك حصر مانع وجامع لمصادر قوة الدولة خاصة في المجال الدولي إذ يختلف تأثير هذه المصادر من دولة لأخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى في الدولة نفسها، إرتباطاً بطبيعة الإطار الدولي وبمصادر قوة الطرف الأخر في العلاقة، وبالقدرة على إدارة مصدر القوة من جانب القيادات السياسية أو إستغلاله .
والحقيقة أن مفهوم القوة وبالمعنى والذي سبق وحددناه يتضمن كلا الجانبين، جانب إمتلاك أسباب القوة وجانب توظيف هذه الأسباب في التحكم في إرادة الآخرين وأفعالهم، في ضوء ما تقدم نستطيع أن نحدد خصائص القوة في المجال الدولي فيما يأتي:
أولاً : أن القوة هي جوهر العلاقات الدولية، كما أن السلطة هي جوهر السياسة القومية والفارق بين القوة والسلطة أن هذه الأخيرة تتضمن الأولى، ولكنها ترتبط بغاية وهي تحقيق وحدة الجماعة، وبوسيلة هي الإحتكار الشرعي لأدوات القمع . وبعبارة أخرى فإن السلطة التي يدور حولها الصراع في السياسة الداخلية هي سلطة مستأنسة ومتمركزة في الحكومة التي تحتكرها لفرض تحقيق الوحدة والإستقرار، أما القوة التي يدور حولها الصراع بين الدول فليست مستأنسة ولا متمركزة ولا منظمة، والهدف منها تحقيق المصالح القومية لكل دولة وهي مصالح متعددة ومتعارضة بطبيعتها الأمر الذي يفسر طابع العداوة والحرب الذي يغلب على العلاقات الدولية، والناتج عن سعي كل الدول إلى فرض إرادتها وتحقيق مصالحها في غياب السلطة العليا التي تحتكر أدوات القمع .
ثانياً : أن القوة ليست هدف في نفسها ولكنها وسيلة لممارسة النفوذ والتأثير الذي يتضمن تحقيق أهداف الدولة والتي لا تخرج عن تحقيق المصالح القومية أو الوظيفة الحضارية فضلاً على حماية الأمن القومي وصيانة الاستقلال السياسي أو الردع .
ثالثاً : أن قوة الدولة دائماً نسبية ويتوقف تقديرها على أمرين أولهما القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فعالة وثانيهما محصلة قوة الطرف الأخر، قد تتساوى دولتان في إمتلاك مصادر القوة نفسها إلا أن قدرة إحداهما وعدم قدرة الأخرى على توظيف أحد أو بعض مصادر قوتها يجعل القادر على توظيف مصادر قوتها أقوى نسبياً من الأخرى على الرغم عن تساوي مصادر القوة في الدولتين .
من ناحية أخرى فإن وزن قوة الدولة في تغير مستمر نتيجة للتغيير في أهمية مصادر القوة المتاحة لديها، أو لدى الطرف الآخر أو لما قد يطرأ على العلاقات بين الدول من تبادلات تؤثر في أوزان قوتها كالحروب أو المعاهدات أو التحالفات أو الإنقسامات أو غير ذلك .
رابعاً : أن القوة صناعة وإرادة فرضتها طبيعة العلاقات الدولية التي تتسم بالفوضى وغياب السلطة، الأمر الذي فرض على الدول السعي بشتى الوسائل والطرق إلى صنع مصادر القوة والعوامل المهنية لتفعيلها، بوصفها الضمان الحقيقي لأمنها وإستقرارها وتحقيق مصالحها، ولعل ما يثبت أن القوة صناعة وإرادة هي قوة كل من اليابان وألمانيا الآن مقارنة بأوضاعها في نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تمتلك بعض الدول العديد من مصادر القوة كالسكان والموارد والإقليم والعامل المعنوي، إلا أنها تفتقد القدرة على إنتاج القوة وإدارتها على الرغم من عراقتها التاريخية وسمو تقاليدها الحضارية .
خامساً : تتصف القوة بندرتها مما يترتب على ذلك أن الدول مهما ملكت من قوة فأنها تحرص على ما تمتلكه وتحاول عدم تشتيت جهودها وإن القوة بطبيعتها شي نسبي لأن قوة الدولة تقاس بمقارنتها بقوة الدول الأخرى . كما تظهر القوة بشكل تدريجي وهذا يعني أن بعض الدول الضعيفة نسبياً يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في أزمة معينة بشكل سريع وغير متوقع والقوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي ترتبط مع بعضها والبعض الآخر، لذلك فإن أي إستنتاج يتعلق بقوة الدولة أو ترتيبها بين الدول الأخرى وأن كان مبنياً على معلومات حديثة هو في الواقع مرهون بوقت ظهوره، وهذا يتطلب إعادة تقييم الدولة بصورة مستمرة .
سادساً : تتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة ثانية، وأن اللجوء إلى القوة وهو في الحقيقة الوصول إلى مرحلة العجز عن الحل بالطرق السلمية، ويعتمد السعي وراء القوة على المـوارد المتاحة من أجل تنفيذ سياسة الدولة معتمدين على دفع هذه القوة إلى حدها الأقصى من خلال نوعية الدبلوماسية التي تترجم الموارد القومية إلى قوة قومية .

تمارس الدولة قوتها في النطاق الخارجي من خلال أداتين هما : الدبلوماسية والحرب، وفي ضوء مصادر القوة التي أشرنا إليها آنفاً والتي تحدد الدولة على أساسها أهدافها، وتقرر الاختيار بين هذه الأداة أو تلك من أدوات القوة، والدولة الأقوى هي التي تفوز دائماً في الدبلوماسية وفي الحرب، وفي إطار يغلب عليه الصراع، وتغيب عنه السلطة العليا الحاكمة، ولا تعرف لغة المنطق، ولا قيم العدالة والمساواة، و لا معيار الموضوعية، وإنما ثمة هدف واحد هو المصلحة، وأداتان هما الدبلوماسية والحرب .

والدبلوماسية تسبق الحرب وتلازمها وتعقبها، والأولى أن تحقق الدول غايتها وتفرض إرادتها من خلال الأساليب والمهارات الدبلوماسية التي ترتكز إلى قوة فعلية، يمكن التلويح بها أو التهديد باستخدامها دون التورط في الحرب، لما تتطلبه من نفقات وموارد، وما تخلفه من خسائر ومخاطر على كلا الجانبين، وبصفة خاصة بعد شيوع استخدام أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، وحرص كثير من الدول على امتلاكها .

وعندما تخفق الدبلوماسية في إجبار الطرف الآخر على الإذعان لإرادة الدولة تصبح ضرورة لإثبات القدرة وفرض الاحترام وإجبار الطرف الآخر على الخضوع لإرادة الأقوى . وأثناء ذاـك تواصل الدبلوماسية مهامها لإقناع الخصم بضرورة التسليم، وصياغة شروط التسليم، ومعاهدات لعقد الهدنة أو الصلح مع أطراف أخرى تكسبها إلى جانبها أو تحييدها في الصراع الدائر، أو غير ذلك من الجهود الدبلوماسية التي تلازم الحرب، وتساعد على تحقيق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة .
وعقب انتهاء الحرب تنشط الدبلوماسية من جديد لصياغة الاتفاقات، وإبرام المعاهدات التي تتضمن اعتراف الطرف الآخر بالهزيمة، وقبوله الخضوع الإرادي لشروط الدولة المنتصرة، وعلى مقتضى مصلحتها القومية .

وهكذا تتكامل الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة أو وسيلتين لإقناع أو إكراه الطرف الآخر على الامتثال لإرادة الدولة . ولعل هذا التكامل يفسر عدة مظاهر، مثل مشاركة الدبلوماسيين والعسكريين في مجالس الأمن القومي وفي تشكيل سياساته، وظهور ما يعرف بالدبلوماسية العسكرية أو دبلوماسية القوة، نتيجة لتعيين العسكريين – بعد انتهاء مد ة خدمتهم بالجيش – في السلك الدبلوماسي، وغير ذلك من مظاهر التقارب والتعاون بين الدبلوماسيين والعسكريين، وبصفة خاصة عقب الحرب العالمية الثانية التي جسدت هذه العلاقة الوثيقة بين الدبلوماسية والحرب بوصفهما أداتين للقوة، ودعامتين لمفهوم الأمن القومي .

* باحث وأكاديمى مصرى.

Optimized by Optimole