القضية الفلسطينية في السياسة التركية (2009 – 2014)

القضية الفلسطينية في السياسة التركية (2009 – 2014)
Spread the love

خاص مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط — بقلم: عبدالله جوده محمد* —

مقدمة
إن تناول السياسة التركية للقضية الفلسطينية في ظل علاقاتها الوطيدة مع اسرائيل والتنازع الدائم بين الماضي الإسلامي والمستقبل الأوروبي في ظل مركزية القضية الفلسطينيه في السياسات العربية هو تناول يستحق الفحص. والدراسة من هذا المنطلق يتم توظيف القضية الفلسطينية كورقة براغماتية في السياسة التركية.

مشكلة الدراسة:
في ظل التغيرات المتصاعدة في النظام الدولي تسعى الدول لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب القضايا الجوهرية وخاصة القضية الفلسطينيه واللعب على وتر الموقع الجيوسياسي للوطن العربي والدعم الإستراتيجي للدول الغربية لذلك تدور إشكالية الدراسة عن التوظيف التركي للقضية الفلسطينية كأداة ضغط علي الدول الغربية وأداة أخرى لتوطيد الدور الإقليمي وتوسيعه للدولة التركية.

تساؤلات الدراسة:
يدور التساؤل الرئيسي للدراسة عن “إلى أي مدى خدمت القضية الفلسطينية السياسة الخارجية التركية؟” وتتفرع من التساؤل السابق أسئلة فرعية عدة وهي كالتالي:

1-ما هي طبيعة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب؟
2-إلي أي مدى تتوافق السياسة الخارجية التركية والاسرائيلية على القضية الفلسطينية؟
3-إلي أي مدي تستخدم الحكومة التركية سياستها الخارجية تجاه فلسطين في توطيد النفوذ الإقليمي التركي؟

أهمية الدراسة:
1-نظرية: يشمل هذا الموضوع تأصيلا نظريا لبعض المفاهيم المتعلقه بإستخدام القضية الفلسطينية كأحد صور القوة الناعمة في السياسة التركية والبحث عن الاتجاهات النظرية لهذه القضية.

2-تطبيقية: ويستفاد منها في الجوانب العملية وترتكز هذه الأهمية على تطويع الظروف الداخلية والخارجية لتحقيق مصالح الدولة التركية وتصدر المشهد العالمي كلاعب إقليمي ودولي مهم بالإضافة إلي إمكانيه قيامها كوسيط مهم بين العرب واسرائيل نتيجه عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التعاون الإسلامي.

الإطار النظري للدراسة:

مفاهيم الدراسة:
1- القوة الناعمة: يعرّف جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها “القدرة على تشكيل تفضيلات الأفراد أو الدول عن طريق الجاذبية، فقد يتمكن بلد ما في الحصول على ما يريد من نتائج في السياسة العالمية لأن هناك بلدنا أخرى معجبة بمثله وتحذو حذوه، أي جعل الآخرين يريدون ما تريد – تختار للناس بدلاً من إرغامهم”.

منهج الدراسة: تنتمي هذه الدراسة الي المنهج الوصفي والتي تقوم على جمع المعلومات وتحليلها ووصف النتائج ودراسة العلاقة بين المتغيرات وتأثير كلا منها على الأخر باستخدام الدراسات المسحية أو دراسة العلاقات أو الدراسات التطورية أو دراسة الحالة.

تقسيم الدراسة: قسّمت هذه الدراسة إلي ثلاثة محاور وهي كالتالي:

1-المحور الأول: طبيعية العلاقات التركية – الإسرائيلية.
2-المحور الثاني: السياسة الخارجية التركية تجاه القضيه الفلسطينية.
3-المحور الثالث: توظيف القضية الفلسطينية في السياسة التركية.

المحور الأول
طبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية
عند التعرض للقضية الفلسطينية لابد وأن نتعرض للعلاقات الثنائية بين محور الصراع ومحور الدراسة ونبذة تاريخية عن العلاقات بين الدولتين وهو ما سنتعرض له في عدة محاور كالتالي:

1-السياق التاريخي للعلاقات بين الدولتين: ارتبطت البلدين بعلاقات قويه منذ نشأة إسرائيل فوجدت إسرائيل في تركيا ضالتها لتنفيذ نظرية شد الأطراف عن طريق التعاون مع دول غير عربية لتطويق الدول العربية وهذا من أهم مبادئ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفي بن غوريون، وارتفع منحنى العلاقات وشهدت أيضا إنخفاضا اضطراريا في بعض الأوقات والبداية منذ اعتراف الدولة التركية باسرائيل كأول دولة إسلامية تقطع العزله عن الكيان الصهيوني، وذلك في عهد الرئيس عصمت إينونو، على الرغم من أنها صوتت ضد تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29\11\1949، ثم ارتفعت العلاقات وزاد مستوي التمثيل الدبلوماسي في عام 1952. وتم توقيع معاهدة الرمح الثلاثي بين البلدين في 1956 بين كل من تركيا واسرائيل وإيران لتطويق العالم العربي، وتم تجديدها في 1996، ثم جاء موقف تركيا ودعمها للعدوان الثلاثي علي مصر في عام 1956.
وتبدلت السياسه التركيه تجاه عدوان 1967 كرد فعل على موقف إسرائيل تجاه الأزمه القبرصية في عام 1964 وطالبت أنقرة إسرائيل باحترام قرارات مجلس الأمن الدولي والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
وفي عام 1969 رفضت تركيا قرار منظمة المؤتمر الإسلامي بقطع العلاقات مع إسرائيل لكنها في الوقت نفسه رفضت أن تكون معبراً للطيران الأميركي خلال الجسر الجوي في حرب 1973، وإزداد التعاون بين تركيا وإسرائيل وتم توقيع معاهده للتحالف الاستراتيجي في عام 1996.
ثم كان الحدث الأبرز بصعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم في عام 2002 إلى سدة الحكم ليشوب العلاقات اضطراب في الظاهر والتنسيق الكامل في الباطن لترتفع مستوى العلاقات بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والرئيس التركي عبدالله غول لإسرائيل في عام 2005،ثم جاء الموقف التركي المعارض للعدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006.

وفي عام 2007 قام الرئيس الإسرائيلي بزيارة إلى تركيا ودعاه الرئيس التركي عبدالله غول لإلقاء خطاب في البرلمان التركي وهي سابقة لم تحدث لبلد أغلبيته مسلمة، كما شاركت تركيا في المناورات مع اسرائيل وأمريكا عام 2007.

وجاء الفتور المطلق في العلاقات جراء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 2008 ووصف اردوغان ذلك بأنه طعنة في الظهر للوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل. ثم ازداد المنحنى هبوطا جراء الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة التي كانت تحاول كسر الحصار على غزة, ووصف اردوغان رئيس الوزراء الاسرائيلي بأنه يعرف جيداً كيف يقتل.
لكن محاولات إعاده التطبيع بين الجانبين استمرت لتحقيق مصالح الدولتين وجرت في ربيع 2016 محادثات بهدف التوصل إلى تسوية تنهي الفتور بين الدولتين لكن لم تنجز التسوية بعد بشكل كامل كي تعود المصالح المشتركة لاتخاذ مسارها المعهود.

2-العلاقات الاقتصادية: التعاون الاقتصادي بين الدولتين ازدهر جدا بعد تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا وارتفع الميزان التجاري ليحطم رقما قياسيا جديدا حيث وصل في نهاية عام 2013 إلى 4.85 مليار دولار أمريكي بفضل زيادة الصادرات الاسرائيلية إلي تركيا بنسبه 76% وتعادل الميزان التجاري في عام 2014 برقم 2.5 مليار لكلا الدولتين مما يغري الطرفين بضروره استمرار التحالف.
وارتفع عدد السياح الاسرائيليين الي تركيا. كما أن اسرائيل بديل مهم لتزويد تركيا بالطاقة خاصة من الغاز لتكون خير بديل للغاز الروسي على عكس العلاقات الاقتصادية مع فلسطين الهشة جدا ولا تكاد تصل التبادلات إلي مليون دولار بالإضافة إلي العقبات المفروضة وخاصة علي منتج التمور الفلسطيني جمركيا.

3-العلاقات العسكرية: تمتاز هذه النوعية من العلاقات بأنها راسخة لا يقلل منها شيء ولا يحجمها حدث. والبداية كانت بوجود الدولتين معا كأعضاء في حلف شمال الاطلسي(الناتو) وتتلخص العلاقة العسكرية في عدد من النقاط أبرزها:
1-تزويد اسرائيل تركيا بمنظومة الحرب الالكترونية بعد أحداث سفينة “مافي مرمرة”. 2- التحديث الإسرائيلي لمقاتلات الجو التركية. 3- زار وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك تركيا عام 2010 حيث تم توقيع اتفاقيه عسكرية جديدة وتقضي بحصول تركيا علي أجهزة حديثة للطيران بقيمة 141 مليون دولار بالإضافة إلي قوة العلاقات في مجال المعلومات والاستخبارات.

4-الدور الإقليمي: لعبت تركيا دورا وسيطا بين اسرائيل وسوريا في المفاوضات الثنائية بين البلدين عام 2009، وهو ما أكده رجب طيب أردوغان خلال زيارته لسوريا وصرّح بأن الدبلوماسية التركية ستقدم إسهاما للعلاقات العربية – الاسرائيلية في ظل محددات السياسة الخارجية التركيه التي رسمها وزير الخارجية التركي داوود أوغلو.

المحور الثاني: السياسة الخارجيه التركية تجاة القضية الفلسطينية

عند التعرض للسياسة الخارجية التركية تجاة القضىة الفلسطينية لابد أن نوضح محددات السياسه الخارجية التركية والتي صاغها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي” والذي رسم فيه:

1-محددات السياسة التركية التي تقوم علي عده محاور كالتالي:

ا- سياسة “صفر مشكلات”: إن تركيا ترغب في إزالة كافة المشاكل المتعلقة مع دول الجوار أو على الأقل تقليص هذه المشكلات وتخفيضها إلى أدنى مستوياتها وهي رؤية تركية مثالية استخدمتها تركيا في تحسين علاقاتها مع اليونان وأيضاً في المشكلة الأوكرانية 2011 وكشف عن ذلك عن حجم الميزان التجاري بين الدولتين.

ب- القوة الناعمة: وفي سبيل ذلك وحتى تكون تركيا دولة مركز، رأى داود أوغلو في العلاقات التجارية والتواصل الفكري أثرا أكثر نجاعة من القوة الصلبة. وقد استفادت تركيا على مدى أعوام كثيرة على الأقل حتى بداية الربيع العربي عام 2011 ولاقت قبولاً جيداً في المنطقة.

ج- العمق الاستراتيجي: وهو المبدأ الأهم للسياسة التركية لكي تكون لاعباً إقليميا ودوليا عليها أن تنشط في ثلاثة مناطق وهي البلقان والشرق الأوسط والقوقاز انطلاقا من عضويتها في حلف شمال الاطلسي (الناتو).

2-محددات السياسة الخارجية التركية تجاة فلسطين:

تقوم السياسة الخارجية التركية تجاة إسرائيل علي عدة محاور هي:

ا- البناء على العلاقة الممتدة من الطرفين على مدى عشرات الاعوام، وعدم القدرة وربما غياب النية في إحداث تغييرات جذرية مباشرة فيها.

ب- مراعاة الأوضاع السياسية في البلاد حين تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم، وخصوصا وصاية المؤسسة العسكرية التركية على المشهد السياسي، وهي صاحبة العلاقات المتميزه مع اسرائيل.

ج- وضع العلاقة تحت بند العامة للأمن القومي التركي ومصالح تركيا التي أعاد الحزب الحاكم تفسيرها.

د- اعتبار علاقة تركيا مع إسرائيل جزءاً من علاقاتها مع المنظومة الغربية والأميريكية.

ه- عدم تجاوز السقف العربي الدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية والالتزام بالحل السياسي لها وفق رؤية “حل الدولتين”.

2- العلاقات التركية – الفلسطينية:

ا- العلاقات الاقتصادية: العلاقات الاقتصادية تتحول إلى قوة سياسية تستطيع أن تشِكل ردود الأفعال والسياسات تجاه الدولتين، فالعلاقات في المجال الاقتصادي هي علاقات جيدة حيث تحتل الصادرات التركية المرتبة الثالثة في فلسطين ويكون معظمها مساعدات إنسانية وإنشائية للبنية التحتيه الفلسطينية، بما لا يخالف الخطوط الحمراء الإسرائيلية، إضافة إلى بعض العوائق الجمركية على تصدير المنتجات الفلسطينية كالتمور والسجائر.

ب- العلاقات السياسية: هي علاقات مع حركة حماس أكبر منها علاقة مع السلطة الفلسطينية حيث تغيرت السياسات كلها بعد وصول “حماس” إلى السلطه في عام 2006 حيث دعت تركيا رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل لزيارة أنقرة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل. لكن تركيا أرادات أن تثبت حسن نواياها تجاة إسرائيل أيضا فقامت بترحيل صالح العاروري كإجراء ثقة مع تل أبيب بعد إتهامه بقتل ثلاثة مستوطنين.
وبالرغم من إرتفاع سقف الخطابات والحرب الاعلامية إلا أن الدعم لم يتجاوز حدوده من الدعم السياسي والاعلامي والمالي المسموح به.
وبعد نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية فضلت تركيا أن تتعامل دبلوماسيا فقط مع الحركة لتفادي أي صراع مع الأطراف الأطراف الأخرى، وتدخلت تركيا في عقد الاتفاق والهدنة بين الحركة واسرائيل في عام 2009، عندما صرح الرئيس الفرنسي بالامتنان للدور التركي في عقد الهدنة خلال لقائه الصحافي مع الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا.
ثم تعالت التصريحات بعد أحداث سفينة مرمرة التركية، وصرحت وزارة الخارجية التركية باحتمال زيارة أردوغان لفلسطين خلال زيارته لمصر في عام 2011، ثم تم إلغاء هذه الزيارة لسببين: الأول عدم رغبة تركيا في إحراج الدولة المصرية، والثاني هو طلب أردوغان من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرافقته خلال تجوله في قطاع غزه،ثم الموقف التركي من عدوان غزة عام 2014 حيث صرّح بإن العلاقات لن تعود مع اسرائيل، إلا إذا توقفت عن هذه الأعمال الوحشية بحق الفلسطينين ودعا العالم للضغط علي اسرائيل لوقف عدوانها علي القطاع.

وفي عام 2015 جري اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل حيث أكد خلاله أوغلو على أن القضية الفلسطينية تحتل الأولوية في السياسة الخارجية التركية وتمت مناقشة موضوعات مهمة على رأسها إعادة إعمار غزة .

المحور الثالث: توظيف القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية التركية

على الرغم من أن السياق التاريخي للعلاقات التركية – الاسرائيلية لا يخدمها في علاقاتها مع النظم السياسة العربية أو القضية الفلسطينية، إلا ان تركيا المستفيدة الأولى من القضية الفلسطينية في توسيع دورها الإقليمي والمناورة بالقضية لكسب المزيد من المصالح سواء على صعيد علاقتها بأوروبا او بالولايات المتحدة الأميركية.
أما علي صعيد العلاقات العربية – التركية فقد حصلت تركيا علي صفة عضو مراقب في جامعه الدول العربية إضافة إلى رئاستها لمنظمة التعاون الإسلامي، ناهيك عن وجود جزء من الرأي العام العربي أصبح لا يرى المثالية إلا في مدينة رجب طيب أردوغان الفاضلة، وخاصة ذوي الميول الإسلاموية الإخوانية. وبالتأكيد هذا كله جراء موقف تركيا الإعلامي من القضية المركزية العربية التي هي جوهر أي تعاون أو صراع حاضراً أو مستقبلاً.

ولتوضيح كيف تخدم القضية الفلسطينية السياسة التركية سنتناول حادثين في عامين متتاليين هما: الحدث الأول واقعة “ون مينت” خلال منتدي دافوس الاقتصادي عام 2009. والحدث الثاني هو أحداث سفينة مرمره في مايو 2010.

1-واقعة “ون مينت”:
من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام العربي عموما وتتلخص الواقعه في سجال محتد اشتعل بين الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ورئيس الوزراء التركي وقتئذ رجب طيب اردوغان على هامش أعمال منتدي دافوس الاقتصادي عام 2009، حيث اتهم اردوغان القادة الاسرائيليين بأنهم يجدون اللذه والسعادة في توغل دباباتهم في غزة وقتل المدنيين، كما صرح رؤساء وزراء سابقين اسرائيليين وأنهم يعرفون جيدا كيف يقتلون. ووجه اردوغان حديثه إلي الرئيس الاسرائيلي بأنه لن يتحدث بصوت مرتفع مثله لأنه لا يشعر بالذنب تجاه ما يحدث. ثم انسحب اردوغان من الجلسة لرفض مدير الجلسة منحه الوقت مثل الرئيس الاسرائيلي وصرّح بأن دافوس بالنسبة إلية قد انتهت وقد لا يعود مرة أخرى.
وإنهالت ردود الأفعال من الرأي العام التركي حيث إتجه آلاف الأتراك إلي المطار لاستقبال زعيمهم الوطني والقومي أردوغان الذي عبّر عن مشاعرهم المكبوتة تجاه الكيان الصهيوني والمجازر التي تحدث بحق المدنيين في فلسطين. وتناولت الصحف الحادث بأنه حادث تاريخي ولم يعد يهم بعد سرعة التطبيع التي انتهجتها تركيا بعد الحادثة.

-الرأي العام العربي: جاء رد الفعل العربي مبالغاً فيه متخطياً كل العوائق على الأرض واضعا أمام عينيه أن الخلاص لن يأتي إلا علي يد الاتراك وراود البعض حلم الخلافة الإسلامية ولم تخرج مسيرة في فلسطين إلا وترفع صور أردوغان.

وما بعد الحادثة يشبه المسرحية حيث أكد حزب الشعب الجمهوري دفع حزب اردوغان 65 مليون دولار لأنشطة يهودية واللوبي الصهيوني وإن الحادثة لم تكن إلا لعبة من حزب اردوغان لتجميله أمام الرأي العام التركي والإسلامي علي أنه المناهض لإسرائيل ودعمه للشعب الفلسطيني المظلوم.

والغريب أن الكل تناول المشادة الكلامية بين أردوغان وبيريز وتناسوا كلمه الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها عمرو موسى حيث صرّح بالحقائق كاملة مع توصيفه لإسرائيل علانية بالمحتل، وأكد على تضامنه مع أردوغان، لكنه عاد وأكد أن اردوغان لم ينسحب لاعتراضه على سياسة دولة إسرائيل تجاه فلسطين، ولكن لاعتراضه على إدارة المؤتمر من قبل المنظمين وهو ما لم ينل حقه من الترويج لأنه لم يضع موقفه في “برواز” مثلما فعل اردوغان. أي أن إنسحاب اردوغان كان لمشكلة ادارية في إدارة الجلسة وليست لاعتراضه علي السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين.

وعقب المتحدث بإسم حزب العدالة والتنمية عمر تشليك بأن اسرائيل حكومة وشعبا هي صديق لتركيا ويتساءل الرأي العام التركي عما إذا كان مسؤلو حزب العداة والتنمية سيسخدمون عبارات مثل عميل لإسرائيل أو صديق لإسرائيل التي طالما استخدموها لتشوية معارضيهم.

2-أحداث سفينة “مافي مرمرة”:
جرت إنتخابات السلطه التشريعية الفلسطينية وسط أجواء من النزاهة كما أشارت اللجنه المركزية في عام 2006 وصعدت حركه حماس إلى رأس السلطه الفلسطينية وهو ما قوبل بفرض حصار كامل على قطاع غزة كمحاولة تعجيزية لإثبات فشل الحركه إدارياً. وجاء رد الفعل التركي بضروره احترام خيارات الشعب الفلسطيني واستمر هذا الحصار وسط ردود أفعال دولية بضرورة رفع العدوان واستكمال المفاوضات لتقرر تركيا مرة أخرى إقحام نفسها في القضية.

-الأحداث: كان أسطول الحرية “مافي مرمرة” أحد السفن التابعة لهيئه الإغاثة التركية (HHI) التي قررت كسر الحصار علي غزة وكان على متنها مساعدات طبية وإنسانية تقدر بعشرة ألاف طن إضافة إلى 750 ناشطا حقوقيا وسياسيا من جنسيات متعددة من السويد ومصر والمانيا وايرلندا وقطر وغيرها. واتجهت السفينة إلى غزة في 31 مايو – أيار 2010 وسط مخاوف من اعتراضها من قبل جيش الاحتلال، وما أن دخلت السفينية المياه الاقليمية حتى فتح الجيش الاسرائيلي النار عليها وحدثت مناوشات على السفينة أدت إلى مقتل عشرة أتراك وإصابة 54 أخرين وسط ذهول الرأي العام العالمي.

-رد الفعل التركي: جاء رد الفعل التركي تجاه الأحداث قوياً جداً حيث تم سحب السفير التركي من إسرائيل وتم طرد السفير الإسرائيلي من تركيا وتم تخفيض العلاقات الدبلوماسية إلي درجة سكرتير ثاني. وصرح الرئيس التركي بأن أحداث سفينة مرمرة كانت سبباً كافياً لاندلاع حرب، لكن عظمة تركيا حالت دون حدوث ذلك، ثم ارتفع سقف التصريحات من قبل تركيا، وصرّح اردوغان بأن واجب البحرية هي حماية السفن التي ترفع العلم التركي، ثم جاء تصريح لوزارة الخارجية التركية باحتمال زيارة اردوغان إلى غزة بعد زيارته لمصر لترتفع وتيرة الاحداث بشكل غير مسبوق.

لكن لم يلبث رد الفعل التركي أن هدأ جداً وبعد شهرين من الحادثة جرى لقاء بين وزير الصناعة الإسرائيلي اليامين إليعازر ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو. وبدأ مسلسل التطبيع سريعاً كأن شيئاً لم يكن لكن اعترضته ثلاث عقبات وشروط من تركيا علي إسرائيل هي بالترتيب:

1-الاعتذار الرسمي لتركيا: جاء الاعتذار عبر اتصال هاتفي اجراءه الرئيس الاسرائيلي بالرئيس التركي أردوغان بحسب ما أذاعت وكاله الاناضول التركية.

2-التعويضات: قررت اسرائيل صرف 20 مليون دولار لأسر الضحايا الأتراك في سفينة مرمرة.

3- رفع الحصار عن قطاع غزة: وهي النقطة المحورية ولا تزال المفاوضات تجري بشأن هذا البند. فتركيا تريد أن توضح للعالم أن المغامرة والمخاطرة يجب أن يرى الرأي العام العالمي نتيجتها، وإسرائيل موافقة على تقليل الحصار بما لا يمس أمنها ووجودها في فلسطين.

لم يكن توصل الاسرائليين والاتراك لتفاهم بشأن الاعتذار والتعويض عن الحادثة مفاجأة، خصوصا أن مفاوضات المصالحه بين الجانبين منذ عام 2010 قد قطعت أشواطا مهمة، مع استمرار الغموض حول شرط رفع الحصار الاسرائيلي عن غزة. غير أن الجديد من جانب اسرائيل في ورقة التفاهمات الحالية هو ما يتعلق بتقديم حوافز لتركيا فيما يخص أمن الطاقة،حيث سيتم الاتفاق على:

ا-السماح بمرور خط للغاز الإسرائيلي عبر أراضي تركيا نحو أوربوا حيث ذكرت صحيفه هارتس الإسرائيلية أن الاتفاق نص علي أن تمنع تركيا انطلاق الأعمال المعادية لإسرائيل من الأراضي التركية.

ب-أعلنت تركيا الحداد علي القضية الفلسطينية حيث صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “أننا أقنعنا حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل”، وهو ما قوبل بالرفض من قبل الحركة التي رأت حق تركيا في أن تقول ما تشاء وأن تنفذ ما تشاء، رافضة جملة وتفصيلا فكرة الاعتراف بإسرائيل.

علي الرغم من الدور العادي التي تلعبه تركيا في القضية وفق محددات معينة وأهداف محددة، إلا أن طرح الدعم التركي للقضية الفلسطينية في وسائل الإعلام العربية والتركية والأجنبية هو طرح مختلف جدا على الرغم من تجنب تركيا الدائم المواجهة مع أي طرف وعرض مواقف تركيا المناهضة فقط للاحتلال وغض الطرف عن عمليات التطبيع الدائم التي لا تتوقف. ومن مظاهر نجاح الأتراك في التأثير على القضية الفلسطينية وعلى الرأي العام هو طلب الوساطة التركية لإجراء المحادثات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وهو ما يوضح مبدأ العمق الاستراتيجي وحماية الأمن القومي التركي.

توصيات الدراسة:
تقدم الدراسة بعض التوصيات في هذه الاشكالية نبرزها كالتالي:

1-تقوية علاقة العرب بتركيا حتي تقوم بدورها كوسيط نزيه لأي محادثات أو اتفاقيات بين العرب وإسرائيل مستقبلاً.

2-تفعيل دور منظمة التعاون الاسلامي حتي لا تكون قراراتها حبراً علي ورق.

3-نشر التوعيه بين المواطنين العرب بأنهم العامل الرئيسي في حل مشكلاتهم وأنه لن يتولي أي طرف خارجي مهما كانت درجة تحالفه أن يورطه نفسه في أزماتهم وليس في حلها.

4-محاولة القوي العربية إستعادة دورها الاقليمي الرائد ودورها العالمي التي تخلت عنه لأطراف أخرى كإيران وتركيا.

الخاتمة:

السياسة الخارجية التركية قائمة على التعاون مع ايدلوجيات معينة وليست مع سياسة دولة وهذا ظهر جليا في تعاون تركيا مع حركه حماس وليس مع السلطة الفلسطينية، وكذلك في مصر مع جماعة الاخوان المسلمين وليس مع الدولة المصرية، وأنها لا تقوم على مبدأ كما يروّج له السياسة التركيه الخارجية ولكن المصلحة فقط.

وعلى الرغم من السياق التاريخي للعلاقات الاسرائيلية – التركية وقوتها الاقتصادية تخرج علينا التصريحات التركية بأن القضية الفلسطينية هي الأولوية القصوى في السياسة التركية وأن التطبيع مع إسرائيل لن يتم إلا إذا فك الحصار عن غزة، كمحاولة أخري لإثبات إزدواجية المعايير التركية، وأحادية الوسائل في الدفاع عن وحدتها الاقليمية والقومية.

كما نلاحظ أن الابتزاز السياسي للحكومة التركية لا يتوقف وبأنه منهج متبع في تناولها لكل مشكلات الجوار مناقضة لما رسمه أحمد داود أوغلو ففي سياسة “صفر مشكلات مع الجوار”، ففضلاً عن تدخل تركيا في الحرب السورية من خلال دعم وتمويل وتسليح جماعات جهادية وسلفية، واستغلال مشكلة اللاجئين السوريين للمساومة على فتح تركيا كمعبر إلى أوروبا لتدفق اللاجئين للحصول على مساعدات مالية أوروبية وامتيازات لسكانها بدخول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة، وهو ما يدعو الدول الغربية إلى إعاده النظر في علاقاتها مع تركيا.

من هذا المنطلق نخلص إلى أن تركيا القضيه الفلسطينية لاعتبارات الدور الإقليمي فقط وليس لاعتبارات المبدأ والثقافة والتاريخ الإسلامي، كما تروّج له في وسائل الإعلام التركية من منطلق المصلحه فقط ولو ساور تركيا الشك ولو بنسبة 1% أن القضية الفلسطينية ستحجم الدور التركي فهي ستلقي بها عند أول مؤتمر أو حادث.

المراجع:
أولا الرسائل العلمية:
1- وائل عبدالرحمن التل و عيسي محمد قحل “البحث العلمي في العلوم الانسانية والاجتماعية”(عمان :دار الحامد للنشر والتوزيع: الطبعة الثانية)2007.
2- يسري عبد الروءف يوسف الغول”أثر صعود حزب العداله والتنمية علي العلاقات التركية الاسرائيلية”ماجستير،منشورة،(جامعة الازهر:غزه) فلسطين2011
3- -رائد أبو مطلق”العلاقات التركية الاسرائيلية وأثرها علي القضية الفلسطينية2002-2010 “ماجستير، منشورة(جامعة الازهر غزه:فلسطين)2011 .
4- “سمر محمود محمد حسان “الدور التنموي التركي في الاراضي الفلسطينية المحتله في ظل حكومه حزب العدالة والتنمية(2002-2010م)” ماجستير، منشورة، جامعه النحاح الوطنية،(نابلس: فلسطين)2012.

ثانيا الكتب:
1–أحمد داود أوغلو، “العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحه الدولية”(ترجمه محمد جابر ثلجي وطارق عبدالجليل)-(قطر:مركز الجزيره للدراسات: الطبعه الاولي)2010.
2-“بولنت أراس- جواد الحمد- خالد أبو الحسن-صبري سميره- عبدالحميد كيالي- علي باكير، “التحول التركي تجاه المنطقه العربية” (عمان- مركز دراسات الشرق الأوسط- الطبعة الاولى)2012 .
3-هاينتس كرامر، “تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد(ترجمه فاضل جتكر)-(الرياض:مكتبة العبيكان:الطبعه الاولي 2001).

ثالثا الدوريات العلمية:
1 – “تركيا والقضىة الفلسطينية”، مركز الزيتونة للدراسات والاستراتيجيات-العدد17 (بيروت:لبنان).
2-“تقدير استراتيجي(88): مستقبل العلاقات التركية _الاسرائيلية، “مركز الزيتونه للدراسات والاستراتيجيات”-(بيروت:لبنان). للمزيد انظر: http://www.alzaytouna.net/2016/02/16/8
-3 محمود سمير الرنتيسي”تركيا واسرائيل واقع العلاقات واحتمالات التقارب”، مركزالجزيرة للدراسات-قطر-اغسطس 2015. للمزيد انظر: http://studies.aljazzera.net/ar/reports .
-4-“تقدير استراتيجي(84): تركيا والقضية الفلسطينية بعد الانتخابات البرلمانية- مركز الزيتونه للدراسات والاستشارات-(بيروت :لبنان)-2015. للمزيد أنظر http://www.alzaytouna.net/2015/11/26

5 – -“تركيا وفلسطين والابتزاز السياسي، “معهد ليفانت للدراسات-2016(الأردن). للمزيد انظر: http://levantri.com/%D9%8A%D9%86 .
6- بشير عبدالفتاح، “تصفير المشكلات :ما وراء التطبيع التركي الاسرائيلي”، المركز العربي للبحوث والدراسات (القاهره:2016). للمزيد انظر: http://www.acrseg.org/39891 .

رابعا المواد الإلكترونية :
1- أميره سالم، “اتفاقية الرمح الثلاثي تضم اسرائيل وتركيا وإيران وطيران الحرب علي غزه تدريبه في تركيا”موقع صدي البلد-مصر، للمزيد انظر: www.elbaled.com
2- -مجدي سمير، “ماذا قال الخبراء عن الدور التركي في حرب 1973، موقع دوت مصر-مصر-25\4\2015. للمزيد انظر: http://www.dotmsr.com/detail-

3- -“اردوغان يبدأ أول زياره إلي اسرائيل”BBC ARABIC- للمزيد انظر: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news
4- -“اتفاق تركي اسرائيلي مرتقب، “سكاي نيوز عربية- أبو ظبي. للمزيد انظر: http://www.skynewsarabia.com/web/article
5- عبدالمجيد سباطه”عين علي خفايا العلاقات العسكريه بين تركيا واسرائيل، “ساسة بوست-في ديسمبر 2014 . للمزيد انظر: http://www.sasapost.com/opinion/between-turkey-and-israel

6- -“أردوغان يؤكد الوساطة التركية بين سوريا واسرائيل”BBC-ابريل 2008-للمزيد انظر: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news
7- -“سياسة صفر المشكلات مع الجوار”الجمهورية التركية:وزارة الخارجية-للمزيد انظر: http://www.mfa.gov.tr/komsularla-sifir-sorun-politikamiz-ar.ar.mfa
8- -“ردود فعل عربيه ودولية متباينة إزاء العدوان علي غزه”الجزيرة نت،قطر،2014 للمزيد انظر:الطبعة الاولي)2001،ص 395 http://www.aljazeera.net/news/arabic/2014/7

9- صادق عبدالله الشيخ”مستقبل العلاقة بين حماس وتركيا في بيئة شديدة التقلب”تركيا،وكالة ترك برس،2015 للمزيد انظر: http://www.turkpress.co/node/7144
10- -دافوس :هي مدينه سويسرية يعقد فيها منتدي دافوس الاقتصادي وهو عبارة مؤتمر لتشجيع السياسات والاعمال والنواحي العلمية ومناقشة الاجندات الاقليمية والدولية للمزيد انظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%8A

11- “ون مينت باتت من التاريخ بعد استضافه الوفد اليهودي”وكاله جيهان التركية –تركيا 2016 للمزيد انظر: https://www.cihan.com.tr/ar

12- -“العداله والتنميه يدفع 65 مليون دولار للوبي اليهودي لاظهار دعمه لاسرائيل”وكالة جيهان التركيه،اسطنبول2016،للمزيد انظر: https://www.cihan.com.tr/ar
13- -“صحيفة اسرائيلية:داود أوغلو سيلتقي نتنياهو في دافوس”وكالة جهان التركية،تركيا 2016 للمزيد انظر: https://www.cihan.com.tr

14- أسطول الحرية1″الجزيره نت،قطر 2010 للمزيد انظر : http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2

15- -“اردوغان :الهجوم الاسرائيلي علي مرمره كان سببا كافيا لاندلاع حرب”فرانس24،باريس 2011 للمزيد انظر: http://www.france24.com/ar/20110912-mideast
16- -“حماس كانت ستعترف بحل الدولتين لولا لو لم تتدهور علاقتنا باسرائيل”القدس العربي،فلسطين 2015 للمزيد انظر: http://www.alquds.co.uk/?p=278282

Optimized by Optimole