الطفل طفل إلاّ إذا كان فلسطينياً!

الطفل طفل إلاّ إذا كان فلسطينياً!
Spread the love

بقلم آسيا ليدجنسكيا وإيتان دياموند – عضوان في منظمة “أهالٍ ضد اعتقالات الأطفال” [منظمة إسرائيلية ناشطة لوقف اعتقالات القاصرين في المناطق المحتلة] —

•نزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الشجرة. فالصور والأرقام المُرعبة المتعلقة بالأطفال المكسيكيين الذين فُصلوا عن آبائهم وأمهاتهم وسُجنوا أدت المهمة. ووقّع مئات آلاف الأميركيين عرائض وانطلقوا في تظاهرات، رافضين التجاهل ومواصلة حياتهم كالمعتاد بينما تتعامل دولتهم المحبوبة مع الأطفال بصورة غير إنسانية. وبذا جرى ترسيم الخط الأخلاقي وتأكيده من جديد: الأطفال خط أحمر لا يجوز تجاوزه.

•تمر بضعة أيام وتتبدد الصدمة جرّاء هذه القضية، بينما الأطفال الذين انتُزعوا من أحضان أمهاتهم وآبائهم وتعرضوا لهذه الصدمة يستمرون وحدهم في مكابدة الجرح النفسي سنوات طويلة مقبلة.

•في إسرائيل أيضاً، لم يبقوا غير مبالين: نحن أمّة تحب الأطفال ومشهد الأطفال في الأقفاص أقلق راحتنا. حقوق الأطفال هنا تُطبَّق بصرامة وعدالة وتحرص مجالات عديدة ـ في مقدمها الرفاه والتعليم والصحة ـ على صيانتها وحمايتها، بصورة حازمة. أطفالنا هم أثمن ما نملك، فردياً وجماعياً.

•وعلى الرغم من ذلك، ثمة أطفال لا يفلحون في ملامسة قلوب اليهود الإسرائيليين: الأطفال الفلسطينيون. في كل لحظة زمنية محددة، هناك مئات الأطفال الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون ومراكز التحقيق، يتعرضون للضرب والإذلال، وللعزل في أقفاص. ومع ذلك، لا يحرك الإسرائيليون ساكناً، لا يعلنون أي موقف ولا يتجندون لأي نشاط من شأنه تغيير الوضع. نعرف جميعاً، بالتأكيد، أن هؤلاء ليسوا قنابل موقوتة، وأنهم، في معظمهم، متهمون بأنهم شاركوا في تظاهرات أو في إلقاء الحجارة. بعضهم مر في شارع أُلقيت فيه الحجارة و”هناك من رآهم” يلبسون قمصاناً خُضراً أو أنهم، لسوء حظهم، وُلدوا في القرية غير الصحيحة وفي العائلة غير الصحيحة. الأغلبية الساحقة من هؤلاء المعتقلين لا يعرفون مطلقاً سبب اختطافهم من منازلهم في منتصف الليل (طبقاً لأبحاث أجرتها منظمات حقوقية عن استخدام العنف والمساس بالأطفال القاطنين في تلك المنازل) ولماذا اقتيدوا، بوحشية، إلى سيارة الجيب العسكرية وأُلقي بهم على أرضيتها.

•الأرقام مرعبة: في كل لحظة زمنية محددة، هناك مئات القاصرين الفلسطينيين في السجون، ومراكز الاعتقال والتحقيق. بعضهم يخضع لاعتقالات إدارية. في سنة 2017 وحدها وثقت الأمم المتحدة 185 حالة تعذيب للأطفال القاصرين والتنكيل بهم في المعتقلات ـ تعذيب وتنكيل جارفان ومتواصلان يتجاوزان كثيراً مجرد الاحتجاز في قفص معزول بعيداً عن الآباء والأمهات. وبعد الاختطاف من الفراش، في منتصف الليل أو بعده (إسرائيل لا تؤمن باستدعاء الأطفال الفلسطينيين إلى التحقيق بصورة منظمة، بواسطة أوامر حضور خاصة)، يُقاد الأطفال وأيديهم موثقة وراء ظهورهم، بصورة مؤلمة جداً في كثير من الأحيان، وأعينهم مغطاة ساعات طويلة (وهو إجراء يمس بقدرة الإنسان على إدراك الحيز والمكان ويسبب خوفاً مُشِلّاً من العنف والتعذيب اللذين يتبعان لاحقاً، في كثير من الأحيان)؛ يتعرضون لعنف جسدي، وتهديدات، وشتائم وإهانات؛ يتم تفتيش أجسادهم العارية ويُحرَمون النوم والطعام والشراب والدخول إلى المراحيض؛ يُترَكون في أحيان كثيرة في وضعيات مؤلمة جداً فترات زمنية طويلة، ويُنقلون بين منشآت ومراكز متعددة طوال ساعات متواصلة، تحت رحمة الجنود ورجال الشرطة.

•في الوقت الذي يتعرض الأطفال لمسلسل التعذيب المرعب هذا، لا يعرف الأهل في كثير من الأحيان، أين طفلهم وما يتعرض له. وفقط حين يجري تسجيل الطفل في مركز شرطة ما، بعد ساعات طويلة من الاعتقال، تظهر المعلومات في أحد الحواسيب، وحتى هذه، من الصعب جداً الوصول إليها والاطلاع عليها، بسبب الصعوبات الكبيرة في اللغة والقدرة على الوصول. يُعامَل الأطفال في الأغلب كأنهم “مخربون”، من دون أن يتوقف أي شخص للحظة ويفكر: إنه مجرد طفل!

•المحاكم العسكرية أيضاً لا تبدي أي شفقة أو رحمة تجاه أطفال المدارس. وقد أشار الرئيس السابق لمحكمة الاستئناف العسكرية في الضفة الغربية، العقيد أهارون مشنيوت، إلى أنه على الرغم من أن الحماية التي يُسبغها القانون الإسرائيلي على القاصرين لا تسري على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعلى الرغم من وجود ثغرات في القانون العسكري في كل ما يتعلق بالأطفال والقاصرين، إلاّ إن “القاصر هو قاصر هو قاصر”. هذا الرأي الجازم، المنعش لكن الضبابي، يقرّ بأن القاصرين يمثلون مجموعة تستحق الحماية الخاصة في وجه التعذيب والتنكيل.

•لكن، وعلى الرغم من هذه اللغة الجديرة بالثناء، كان مشنيوت (مثل زملائه القضاة العسكريين الآخرين) قد امتثل يومياً للنظام المعمول به ـ جرّ أطفالاً مذعورين إلى المحاكم العسكرية، بعد انتزاع اعترافاتهم بالعنف والتعذيب، بالإهانات والتهديدات، في غياب الأهل أو محامين، ومن دون أن يعرفوا علامَ يوقعون (وثيقة الاعتراف تكون مكتوبة باللغة العبرية عادة). إنه نظام مُعدّ لضمان الإدانات القضائية وللزج بالأطفال في غرف التحقيق من دون أي أدلة تدينهم ولا يخرجون منها إلاّ وقد وقعوا اعترافاً و/ أو وشاية.

•علاوة على ذلك، لا تتعامل المحاكم العسكرية مع هؤلاء الأطفال الذين يمثلون أمامها باعتبارهم قاصرين يستحقون الحماية حين تأمر، في الأغلبية الساحقة من الحالات، بالإبقاء عليهم رهن الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القضائية بحقهم. ويدرك المحامون هذا النمط من التعامل جيداً، لكن نظراً إلى كونهم في سباق مع الزمن للتقليل حتى الحد الأدنى من الأضرار الجسدية والنفسية التي تلحق بالطفل، ولكون هاجسهم الأول والمركزي هو إعادة الطفل إلى حضن عائلته، يضطرون إلى التوقيع على صفقات ادعاء لا علاقة بينها وبين الحقيقة بالضرورة ولا عدل فيها بالتأكيد.

•من المفترض أن تعمل الدولة لما فيه مصلحة الأطفال وألاّ تخرق هذا المبدأ المُثبت في منظومة القضاء الإسرائيلية. ويجب أن يكون سلب حرية الطفل مخرجاً أخيراً وإجراء لا يُستخدم إلاّ في حالات استثنائية ونادرة جداً. إننا ندعو إلى وقف هذه الممارسات المتبعة في اعتقال أطفال فلسطينيين، كما ندعو إلى العمل من أجل مصلحة الأطفال أيّاً كانوا.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole