الشرق الأوسط: مقترحات سياسية لإدارة ترامب

الشرق الأوسط: مقترحات سياسية لإدارة ترامب
Spread the love

بقلم: موشيه يعلون – وزير دفاع إسرائيلي سابق —

•لقد تعرّضت مكانة الولايات المتحدة بصفتها دولة عظمى قائدة في الشرق الأوسط إلى التآكل في السنوات الأخيرة. وقرار الإدارة الأميركية لعب دور رد الفعل وليس دوراً استباقياً، ولّد فراغاً في المنطقة ملأته أطراف ألحقت الضرر بمصالح الولايات المتحدة وبمصالح حلفائها في المنطقة. لقد تسببت سياسة الإدارة الأميركية التي اعتُبرت في المنطقة تخلياً عن حلفائها (الرئيسين مبارك والسيسي في مصر، ودول الخليج) بالإضافة إلى التقرب من طهران، بأزمة ثقة بينها وبين الأنظمة السنية وصلت بها إلى حد الانضمام إلى الخطوات التي اتخذتها روسيا بهدف التوصل إلى حل للأزمة في سورية (على الرغم من تناقض المصالح بينها وين موسكو في هذا الشأن)، وإلى شراء بعض دول المنطقة أسلحة روسية بدلاً من السلاح الأميركي (شراء مصر صواريخ S-300 ورغبة السعودية في شراء صواريخ S-400 ، وشراء طائرات حربية من طراز “رفائيل” من صنع فرنسا من جانب مصر وقطر وغيرهما).

•ومما لا شك فيه أن قرار الرئيس أوباما عدم مهاجمة منشآت إنتاج الأسلحة الكيميائية في سورية على الرغم من تجاوز نظام الأسد “خطاً أحمر” أميركياً معلناً، شكل ضربة قاسية لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وأدى إلى تآكل كبير في قوتها الرادعة. وأضاف الاتفاق النووي مع إيران مدماكاً في تآكل مكانة وقوة الردع لدولة من المفترض أنها الأقوى في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن رد الفعل الأميركي على الاستفزاز الإيراني مثل تجارب الصواريخ، وتوقيف سفينة تابعة لسلاح البحرية الأميركية، ومضايقة سفن أميركية في مضيق هرمز، وإطلاق صواريخ بر – بحر زودت إيران الحوثيين بها في اليمن على مدمرة أميركية، وإغراق سفن تابعة لاتحاد الإمارات في منطقة مضائق باب المندب، كل ذلك زاد في تآكل مكانة الولايات المتحدة وقوتها الرادعة.

•في حديث للأدميرال هاريس قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ في مؤتمر عقد هذه السنة في هاليفاكس، شدد على أن الردع يستند إلى ثلاثة مكونات: قدرات (capabilities)، تصميم (resolve) وإرسال إشارات تحذيرية (signaling). لم يظهر التصميم في سلوك الإدارة الأميركية في الحالات المذكورة، ومن هنا فإن قدرتها على الردع تآكلت بصورة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفراغ في الشرق الأوسط الناتج عن تآكل نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وتآكل قدرتها على الردع ملأته إيران وتركيا وداعش وروسيا كما سنفصله لاحقاً.

إيران
•تُعتبر إيران الرابح الأساسي من الاتفاق النووي الموقع في صيف 2015 بينها وبين الدول العظمى.
أ‌-حافظت على قدرتها على إنتاج المواد المخصّبة من اليورانيوم وقنبلة نووية خلال أقل من عقد ونصف العقد من دون خرق الاتفاق. ومعنى ذلك المحافظة على الخيار النووي العسكري.
ب‌- استفادت من رفع الحصار السياسي.
ج‌-استفادت من رفع جزء من العقوبات الاقتصادية.
د- عززت نفوذها في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء من خلال أطراف سياسية شيعية خاضعة لنفوذها وسلطتها.
ه- تعتبر إيران من جانب إدارة أوباما مكوناً مهماً في تحقيق الاستقرار في المنطقة بسبب استعدادها لمحاربة داعش، مع تجاهل خرقها قرارات مجلس الأمن في موضوعات نشر السلاح والإرهاب، بالإضافة إلى خروقاتها في موضوعي الصواريخ وحقوق الإنسان (معارضو النظام يُعتقلون في إيران ويُعدمون). كما أن مشاركة قادة قوات الحرس الثوري (فيلق القدس بزعامة قاسم سليماني) في حروب ضد السنة في شتى أنحاء المنطقة، تزيد في قوتها ونفوذها وسيطرتها على المنطقة.

تركيا
•النظام التركي برئاسة أردوغان:

1-موّل داعش من خلال شراء النفط من دون أن يدفع عواقب ذلك (يجب ألا ننسى أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي).
2-سمح خلال فترة طويلة للجهاديين من كل أنحاء العالم بالانضمام إلى داعش في سورية والعراق، من خلال استخدام المطارات التركية للعبور إلى ساحات القتال ثم العودة إلى أوطانهم كمخربين أصحاب خبرة مدربين، وكل ذلك انطلاقاً من النظرة التي تعطي الصراع ضد الأكراد أولوية كبرى.
3-يواصل مهاجمة الأكراد الذين من جهتهم يقاتلون داعش بصورة فاعلة.
4-يَسمح، لا بل يشجع، عبور اللاجئين (من سورية والعراق)، وبصورة خاصة المهاجرون غير الشرعيين من الدول الإسلامية التي ليست في حالة حرب (بينها دول في أفريقيا الشمالية وباكستان) إلى أوروبا، ويطلب من الأوروبيين إلغاء التأشيرات للمواطنين الأتراك.
5-النظام التركي معني بزيادة نفوذه في المنطقة (نظرة نيو – عثمانية)، وهو يقود معسكر الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط (في الساحة الفلسطينية على سبيل المثال هو يدعم “حماس” وليس فتح).

داعش
•استغل تنظيم داعش انسحاب القوات الأميركية من العراق كي يحتل مناطق في العراق وسورية ويعلن قيام الدولة الإسلامية. في فترة متأخرة قررت الولايات المتحدة العودة إلى الساحة في إطار قيادة ائتلاف من الدول الغربية لمهاجمة داعش في العراق، وفي إطار ائتلاف من الدول العربية بقيادتها لمهاجمة داعش في سورية.
•وفي ما بعد قررت الإدارة دعم الأكراد وتحسين الهجمات الجوية ضد داعش والتركيز على تدمير المصادر الاقتصادية للتنظيم من خلال هجمات موضعية على أشخاص، وتحسين القدرات القتالية للأكراد ضد داعش، والضغط على تركيا للتوقف عن تمويل داعش ووقف السماح للجهاديين بالعبور والانضمام إلى صفوف التنظيم – ما أدى إلى تصاعد الضغط على التنظيم وضرب العديد من ممتلكاته والحد من زخمها.

روسيا

•المصالح الروسية في الشرق الأوسط لا تتطابق مع المصالح الأميركية، وهي أحياناً تتعارض معها. وبالإضافة إلى السباق بين الدولتين على القوة والنفوذ في المنطقة، تدعم روسيا المحور الشيعي عامة ونظام الأسد خاصة، ولا تشدد على محاربة داعش بل تهاجم جميع الأطراف المعارضة لنظام الأسد وتصيب الكثير من المدنيين في قصفها العشوائي.

•لقد استغلت روسيا الضعف الأميركي من أجل احتلال مكانة قيادية ونفوذ (معظم زعماء المنطقة وممثلون عنهم زاروا موسكو في السنة الأخيرة أكثر بضعفين مما زاروا واشنطن، وكما ذكرنا بدأوا في شراء سلاح من روسيا).

لقد برّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل العسكري الروسي في سورية بأنه يهدف إلى إنقاذ نظام الأسد، ومنع الفوضى التي تسود في العراق وليبيا (واتهم الولايات المتحدة بأنها هي سبب هذه الفوضى)، كما أنه عبر عن تفضيله أن يقتل 2000 مجاهد يتحدثون باللغة الروسية انضموا إلى المتمردين على أرض سورية، بدلاً من مواجهتهم في روسيا نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، فمن الواضح أنه زيادة على الأهداف المعلنة حققت روسيا أرباحاً إضافية من تدخلها في سورية:

أ‌-العودة إلى ملعب الدول العظمى؛ فالرد المتردد للولايات المتحدة على تجاوز الأسد الخط الأحمر الذي وضعته واشنطن، ساهم في تقوية روسيا: أولاً، من خلال ارتسام صورة الولايات المتحدة تظهرها بأنها غير أهل للثقة وضعيفة بالمقارنة مع روسيا؛ ثانياً، مبادرة روسيا اقتراح تسوية تجريد سورية من السلاح الكيميائي، جعلها تحظى بثقة دولية وتبدو كمنقذ للوضع، وأنها أنقذت أيضاً الولايات المتحدة من وضع محرج.
ب‌- أثبتت روسيا لأنظمة في المنطقة وخارجها أنها وفية لحلفائها (بخلاف تخلي الولايات المتحدة عن السّنة).
ج- نجحت في تحويل الاهتمام من أوكرانيا إلى سورية.
د- عرضت قدراتها العسكرية واستخدمت ساحة القتال في سورية حقل تجارب لسلاحها.
ه- حافظت على، بل حسّنت، أرصدتها العسكرية في سورية: المرفأ العسكري في طرطوس، المطار العسكري جنوبي اللاذقية، ومنشآت استخباراتية روسية في أراضي الدولة.
و- خلقت إزعاجاً للولايات المتحدة وأوروبا من خلال دفع لاجئين من سورية عن طريق تركيا إلى أوروبا.

في انتظار الإدارة الأميركية المقبلة

•يتعيّن على الإدارة الأميركية التي ستتسلم مهماتها في 20 كانون الثاني/ يناير 2017 بلورة استراتيجية عليا حيال الشرق الأوسط. وفي إطار هذه الاستراتيجية سيكون عليها اتخاذ عدد من القرارات التي من شأنها أن تؤثر في الوضع داخل المنطقة وخارجها في المستقبل القريب والبعيد. وأول قرار من بين القرارات المركزية التي سيتعين عليها اتخاذه هو: هل ما تزال الولايات المتحدة ترغب في لعب دور أكثر فاعلية وحتى استباقياً في الشرق الأوسط؟

•في تقديري ليس أمام الولايات المتحدة من خيار سوى انتهاج استراتيجية عليا وفاعلة في المنطقة – سواء من أجل تحسين مكانتها كقوة عالمية بطريقة تظهر قوتها في ساحات أخرى أيضاً، أو من أجل إبعاد تهديدات الشرق الأوسط عن أميركا وأوروبا وسائر أنحاء العالم. ومثل هذه الاستراتيجية تتطلب:

1.مواصلة القتال الصارم ضد داعش الذي من المهم أن يُهزم في سورية والعراق وليبيا وشبه جزيرة سيناء. إن المس بالمواقع الجغرافية وبالأرصدة الاقتصادية لداعش لن يقضي تماماً في المدى القصير على البنية التحتية السرية للإرهاب التي بناها داعش في أماكن مختلفة من العالم، لكن ذلك سيشكل ضربة قاسية له وبخاصة إلى صورة نجاحه. وستؤثر هذه الضربة في قدرته على التجنيد وتساهم في المدى البعيد في القضاء عليه. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة قيادة الائتلاف الذي يحارب داعش من خلال مساعدة الأكراد والتنظيمات السنية (غير الجهادية) المستعدة لمحاربة داعش (ونظام الأسد أيضاً). ويجب أن يستخدم المثال الكردي كنموذج لقوات برية محلية (“Local boots on the ground”) تقاتل من أجل تحقيق أهدافها بالاستناد إلى مساعدة أميركية وأوروبية وغيرها تشمل سلاحاً ومالاً ودعماً سياسياً. فالأكراد على سبيل المثال انهزموا في بداية المعركة أمام داعش إلى أن اتُّخذ القرار الأميركي بمساعدتهم.

2.تغيير السياسة حيال إيران: إن النظام الإيراني هو الطرف المزعزع للاستقرار الأكثر قوة في الشرق الأوسط، ويجب وقف التعامل معه كمكون أساسي في استقرار المنطقة، فهو ليس جزءاً من الحل بل هو جوهر المشكلة.
يجب أن يتعرض النظام الإيراني لضغط سياسي واقتصادي في ضوء خرقه قرارات مجلس الأمن في مجال انتشار السلاح، وتطوير وإنتاج صواريخ (من دون علاقة بالاتفاق النووي)، وكذلك في ضوء النشاطات التآمرية والإرهابية في اليمن وفي السعودية والبحرين ولبنان وسورية، بالإضافة إلى الإرهاب في الساحة الفلسطينية وفي القارات الخمس (حيث توجد بنية تحتية إرهابية إيرانية نائمة). ثمة سبب آخر للضغط على النظام الإيراني هو وضع حقوق الإنسان في هذه الدولة.
قبل كل شيء يجب على الإدارة الأميركية العمل فوراً على منع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية، إذ إنه حتى لو التزمت إيران بالاتفاق، ستكون قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال أقل من عقد ونصف العقد. ويفرض تنسيق السياسات في هذا السياق مع دول أخرى البدء بالعمل فوراً من أجل منع مفاجأة في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغيير السياسة الأميركية حيال إيران سيقوي العلاقة ويعيد الثقة التي تضررت بين الولايات المتحدة والدول العربية السنية، وهم شركاؤها الطبيعيون أكثر من إيران.

3.تغيير السياسة حيال تركيا: في مواجهة ضعف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تجرأ النظام التركي على العمل ضد المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة. ومن شأن حوار يوضح الخطوط الحمراء والصفراء الأميركية أن يُفهم أنقرة بأن تخطي هذه الخطوط سيؤدي إلى المس بالمصالح التركية وهذا من المحتمل أن يوقف السلوك التركي المارق.

أ‌-بالتنسيق مع تركيا، يجب وقف الهجرة غير الشرعية من الدول الإسلامية عبر تركيا إلى أوروبا، وذلك من خلال إقامة “منطقة آمنة” في شمال سورية، أو مخيمات لاجئين في الجانب التركي من الحدود (مثل المخيمات على الحدود الأردنية- السورية).
ب‌-يجب أن تتوقف تركيا عن مهاجمة الأكراد وأن تركز على محاربة الإرهابيين فقط.
ج- يتعين على تركيا عدم استضافة قيادة “حماس” في إسطنبول.
د- إن تحسين العلاقة مع تركيا سيكون له تأثير إيجابي على مكانة الولايات المتحدة في الساحة الدولية- سواء في ضوء هذا الإنجاز أو في ضوء زعزعة العلاقة بينها وبين روسيا، كما أنه سيضعف النفوذ الروسي المتعاظم في المنطقة.

4.تغيير وتنسيق السياسة تجاه روسيا: يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ سياسة أكثر حزماً في ما يتعلق بالقصف العشوائي للمدنيين في سورية، وكذلك بالنسبة لمهاجمة متمردين غير جهاديين. يجب تنسيق العمليات ضد داعش مع موسكو، ولكن أيضاً يجب عدم السماح بهيمنة إيرانية – شيعية في سورية بحماية وبدعم روسيين. كما يجب التوصل إلى تفاهم أميركي – روسي بشأن مستقبل المنطقة العلوية السورية (حيث تتمركز المصالح الروسية في سورية). بالإضافة إلى ذلك، فإن المطلوب هو اتخاذ خطوات بانية للثقة وبناء شبكة تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة. إن بدء إدارة جديدة عملها يشكل توقيتاً طبيعياً ومطلوباً من أجل الدفع قدماً بعملية في هذا الاتجاه ويجب عليها استغلالها.

5.تغيير النظرة فيما يتعلق بالساحة السورية: إجمالاً، في ما يتعلق بمستقبل سورية، يجب على الولايات المتحدة التنازل عن فكرة إعادة توحيد الدولة التي مزقتها المعارك، والتعود على فكرة تقسيم سورية إلى جيوب عرقية/ دينية: علويستان، كردستان، دروزستان. وبعد هزيمة داعش هناك حاجة في المناطق السنية إلى إنشاء قيادة أو قيادات سنية.

•وفي الخلاصة، ستكون الإدارة الأميركية الجديدة خاضعة لرقابة المجتمع الدولي، وستكون الخطوات الأولى التي تقوم بها ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الطريقة النظر إليها من جانب مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي كله. ومن هنا تنطوي التحركات الأولى للإدارة الجديدة في المنطقة على إمكانية كبيرة لتحسين مكانة الولايات المتحدة وصورتها، ويجب على هذه الإدارة النجاح في تحقيق ذلك. والمقصود بصورة خاصة خطوات يمكن أن تتخذها الإدارة المقبلة فور توليها مهماتها، من شأنها تغيير وترميم مكانة الولايات المتحدة وقوتها على الردع في الشرق الأوسط، وفي مناطق أخرى من العالم.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 876، 13/12/2016، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole