“الخوذ البيضاء” بين الغطاء الإنساني والسلاح الكيميائي

“الخوذ البيضاء” بين الغطاء الإنساني والسلاح الكيميائي
Spread the love

بقلم ميادة سفر* —

تعود مجدداُ منظمة الخوذ البيضاء إلى الواجهة الإعلامية، لكن هذه المرة ليس عن طريق المجازر ومزاعم استخدام السلاح الكيمايي التي ما برحت تتناوله وتلوح به خلال الحرب السورية. هذه المرة تتصدر الأخبار بإجلاء عناصرها من جنوب سوريا وعن طريق “إسرائيل” إلى الأردن ليتم ترحيلهم إلى عدد من الدول الأوروبية والأمبركية التي رحبت باستقبال أعداد منهم.
كان اللافت في هذا الخبر هو التعاون الإسرائيلي الواضح والمباشر في عملية الإجلاء هذه وبطلب من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفق ما صرّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمهيداً لإعادة توطينهم في بعض هذه الدول، فيما زعمت مصادر لقناة الميادين أن عدداً ممن تم إجلاؤهم ليسوا من جماعة “الخوذ البيضاء”، بل كان بينهم ضباط وعناصر استخبارات أجنبية وخليجية.
إن هذا الأمر يجيب على تساؤل لماذا لم يتم ترحيلهم إلى إدلب إسوة بباقي المجموعات المسلحة؟
من الواضح أن من بينهم أسماء وشخصيات لا ترغب الدول الداعمة لهم بانكشافها.
ويأتي إجلاء هذا العدد الكبير من الجنوب السوري في الوقت الذي يتقدم فيه الجيش السوري وحلفاؤه عسكرياً وفي ظل انهيار متتالي للجماعات المسلحة المعارضة، فهل انتهت مهمة هذه المنظمة في سوريا ولماذا إسراع عدد من الدول على قبول دخول أعضائها إلى بلدانها. وبالنظر إلى الأعداد التي تم الإفصاح عنها والعدد الذي تعهدت ألمانيا وكندا وغيرهما إدخاله إلى أراضيها ثمة شكوك بوجود عدد لا بأس به يؤكد انتماء هؤلاء إلى بلدان أجنبية وعربية وبالتالي يعودون كمواطنين إلى بلدانهم.
لجماعة “الخوذ البيضاء” تاريخ حافل في الحرب السورية، فلم يغب أصحابها عن أي “مجزرة” ترتكب وشكّلت التقارير التي كانوا يعدونها مرتكزاً أساسياً للتحريض ضد الحكومة السورية ومحاولة استصدار قرارات من مجلس الأمن لضرب سوريا.

فمن هم جماعة الخوذ البيضاء؟ هل كانوا منقذين حقاً؟ أم أذرع للتنظيمات المسلحة؟

نشأة مشبوهة
تأسست منظمة “الخوذ البيضاء” كمنظمة تطوعية في العام 2012 في مدينة غازي عينتاب التركية، على يد الخبير الأمني جيمس لو موزييه، الموظف السابق في استخبارات الجيش البريطاني. عمل لو موزييه عضواً في بعثات الأمم المتحدة ومستشاراً أمنياً لعدد من الشركات الخاصة ووزارة الخارجية البريطانية، وعمل ممثلاً أمنياً في كوسوفو والقدس وبغداد ولبنان أثناء حرب تموز -يوليو 2006.
أعلن عن المنظمة كمنظمة إنسانية “الدفاع المدني السوري”، وكانت تضم أكثر من ثلاثة آلاف متطوع من جنسيات مختلفة وفق شهادات العديد من المواطنين في المناطق التي كانت خاضعة للتنظيمات المسلحة وتم تحريرها من قبل الجيش السوري سواء في حلب أو الغوطة الشرقية لمدينة دمشق وغيرها من المناطق.
لطالما ارتبط اسم هذه المنظمة باستخدام السلاح الكيمايي خلال الحرب السورية والذي اتهمت به حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، من خان شيخون في شمال سوريا إلى مدينة دوما في الغوطة الشرقية. وفي الحالتين وعلى أثر نشر جماعة “الخوذ البيضاء” فيديوهات توحي باستخدام مواد سامة على حد زعمها، قامت الولايات المتحدة الأميركية باستهداف مواقع للجيش السوري، حتى قبل التأكد من صحة تلك الادعاءات.
إن المتمعن في هذه المنظمة يلاحظ أنها دائماً ما تتواجد وتنشط في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة، وحاول الإعلام إظهار أعضاء هذه المنظمة كمنقذين يقومون بالأعمال الإنسانية. ولكن أية إنسانية هذه وهم يتفرجون على جندي سوري يذبح على أيدي التنظيمات المسلحة كما ظهر في أحد الفيديوهات. إن كل ما تم الإيحاء به حول أعمال هذه المنظمة لا يلبث أن يدحض إن بشهادات من السكان القاطنين في المناطق التي تواجدت فيها المنظمة كشهادات أطباء مشفى دوما، والطفل حسين دياب الذي قيل إنه تعرض للقصف بالسلاح الكيميائي وظهر في الفيديو الذي نشرته المنظمة في مدينة دوما، إضافة إلى استقصاءات العديد من الصحافيين ومنهم مراسلون أجانب من الدول التي قامت بالاعتداء على سوريا.
ولعل من أبرز هؤلاء الصحافية المستقلة فانيسا بييلي التي كشفت في تصريحاتها عن دعم منظمة “الخوذ البيضاء” للتنظيمات المسلحة، فقد تمكنت بييلي من توثيق العديد من المعلومات بعد زياراتها لمدينة حلب، وفندت ادعاءات المنظمة وفبركتها لمزاعم استخدام الكيميائي من جانب الجيش السوري، ومحاولتها خلق الذرائع لتسهيل التدخل الأجنبي وإقامة مناطق عازلة ضمن الجغرافية السورية، وقد زعمت بييلي وجود عناصر استخبارات بريطانية ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع أعضاء المنظمة.
كما فند الصحافي الشهير في صحيفة الاندبندنت روبرت فيسك كذب ومزاعم منظمة “الخوذ البيضاء”، بعد زيارته لمدينة دوما في الغوطة الشرقية، بعد القصف المزعوم بالكيميائي الذي ادعته المنظمة. وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا بقصف مواقع سورية رداً على القصف الكيميائي المزعزم، حتى قبل وصول أعضاء منظمة حظر السلاح الكيميائي للكشف على المواقع التي زعم أنها تعرضت للقصف سلاح كيمائي. فقد نقل فيسك شهادات من أطباء كانوا متواجدين أثناء الهجوم المفبرك تظهر زيف ما تدعيه المنظمة، ولفت إلى أنه أطلع على مكاتب هذه المجموعة في دوما ورأى داخلها أقنعة للغاز ولباساً عسكرياً إضافة إلى كبسولات ومعدات طبية مكسورة.
بدوره ذكر الصحافي الأميركي بيرسون شارب أنه لم يعثر على أي آثار للهجوم المزعوم عند زيارته لمدينة دوما.

تمويل المنظمة وداعميها
تتلقى منظمة “الخوذ البيضاء” الدعم المادي من العديد من الدول المعروفة بعدائها للحكومة السورية، والتي دعمت التنظيمات المسلحة المعارضة و”الجهادية” الإرهابية، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا والدنمارك وألمانيا واليابان وغيرها من الدول. ويشار إلى أن الولايات المتحدة كانت قد أوقفت تمويلها لهذه المنظمة بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة.
ومما لا شك فيه أن مصادر تمويل أي جهة أو منظمة أو جماعة تعكس إلى حد ما تبعية هذه الأطراف، وربما في أحيان كثيرة تلقيهم أوامر وتعليمات من الجهات الممولة.
وبالإضافة إلى التمويل الذي تقوم به هذه الدول لمنظمة الخوذ البيضاء، فإنها قامت بتدريب أعضائها وتعليمهم وقد تم ذلك في الأراضي التركية ومن قبل أجهزة إسرائيلية وفقاً لما جاء في تقرير للتلفزيون الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا كانت قد دفعت منذ عام 2013 أكثر من 23 مليون جنيه استرليني لمنظمة “الخوذ البيضاء” منها 12.5 مليون باوند فقط في عام 2016، وفقاً لما ورد في كتاب “حلب الحرب والدبلوماسية” للدبلوماسية الروسية ماريا خودينسكايا.

حقيقة الخوذ البيضاء
– إن منظمة الخوذ البيضاء تتواجد وتنشط حيث تنتشر وتسيطر التنظيمات المسلحة، ومنها جبهة النصرة وتنظيم داعش وجيش الإسلام وغيرها.
– لم تعمل المنظمة المذكورة على توثيق الجرائم التي تقوم بها تلك التنظيمات، من قتل وتنكيل بالجنود السوريين والمدنيين الذين يوالون الحكومة السورية، من قبيل الأفعال التي قام به تنظيم داعش والتي لا تخفى على أحد، وما قام به تنظيم جيش الإسلام في تعامله مع الأسرى الذين قضى الكثير منهم أثناء حفر الأنفاق التي كان يقوم بها التنظيم وبشهادة الناجين وأهالي مدينة دوما أنفسهم.
– ظهرت منظمة الخوذ البيضاء بشكل لافت في كل مرة بعد كل تقدم للجيش السوري وحلفائه، لتقوم بفبركة المجازر حيناً والزعم باستخدام السلاح الكيميائي حيناً أخرى.
– ما ظهر من مقاطع فديو يظهر أن عدداً لا بأس به من أعضاء هذه المنظمة كانوا يحملون السلاح ويقاتلون ضد الجيش السوري وحلفائه وبعد حين تراهم يرتدون الخوذ البيضاء ويتحولون إلى “متطوعين إنسانيين” على حد زعمهم. كما ظهرت العشرات من الصور التي تظهر أعضاء الخوذ البيضاء يتفرجون على الإرهابيين وهم يقومون بذبح المدنيين أو جنود الجيش السوري.
لطالما حاول الغرب وبعض العرب تلميع صورة منظمة الخوذ البيضاء، فحصل الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عنهم على جائزة الأوسكار، وتم ترشيحهم لنيل جائزة نوبل للسلام، ولكن طالما أن عملهم كان إنسانياً لماذا يتم إجلاؤهم بهذه الطريقة وتوطينهم في بلدان أخرى؟
من الواضح أن الدول التي شاركت في تأسيس هذه الجماعة تخشى من تمكن الحكومتين السورية والروسية من الحصول على معلومات من عناصر الخوذ البيضاء في حال تم إلقاء القبض عليهم، الأمر الذي قد يفضح الكثير من الأسرار والمعلومات والأعمال التي نفذتها الاستخبارات الغربية.
*كاتبة ومحامية سورية.

Optimized by Optimole