الحقيقة الوحشية للحرب العالمية الأولى

الحقيقة الوحشية للحرب العالمية الأولى
Spread the love

 بقلم: روبرت فرانس. أستاذ العلوم البيئية في جامعة دالهوزي. كندا – ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو –

إنتهى كل شيء مع توقيع  الهدنة يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1918: إحدى أعظم النزاعات التي شهدها العالم وفاتورة الذبح الكبرى التي تجاوزت 6000 قتيل كل يوم على مدى أربعة أعوام طويلة من الأسى. قمت بعد مضي قرن على تلك المذبحة  خلال فصول الصيف الأربعة الماضية بالحج إلى جبهات القتال الغربية من الحدود السويسرية إلى القنال الإنكليزي لأشهد على هذا الفقد المريع. تجاوزت  المسافة  900 كيلومتر ورحلات جانبية تتراوح ما بين حقول القتل الكبرى وشرقاً إلى مواقع أول وآخر المعارك في مونس.

وطوال ذلك الوقت كنت مدركاً للعدد الهائل من القتلى الذي يفطر القلب كمداً وعبرت المشاهد ببطء على قدمي بدلاً من السفر بالسيارة كي أتمكن من تكوين نظرة خاصة وحميمية آسرة مع الأرض وما تكشفه وطريقة استثارة الذاكرة.

أكوام من العظام

إنتهى مسيري في السنة الأولى عند فيردن وهي الموقع الذي وضع الأساس بمعايير الخسارة غير المبررة التي ستاتي فيما بعد. هنا قذف الألمان كل ما لديهم وتبنى الفرنسيون شعار”لن يمروا” وكانت النتيجة أكثر من 700000 قتيل من الجانبين. ولا تزال بقايا كثير من أولئك الضحايا ظاهرة للعيان اليوم كأكوام من العظام عبر نوافذ المراقبة في المدفن العظيم هناك.

بوابة مينين

عندما تقف إزاء الصرح التذكاري ثيبفال أو بوابة مينين تشعر بالعجزعن إشاحة الراس عن أسماء عشرات آلاف الأسماء المحفورة لأولئك” المفقودين” والذين لم تعرف لهم مقابر تضم رفاتهم. ويسهل فهم تلك الجسامة عندما يستطيع المرء شهود علامة لفردانية الفقد. حدث ذلك لي أثناء عبوري لحقل في سوم ورأيت عظام فك بشري تبزع من التربة الربيعية المفلوحة حديثاً.

لم أستطع فعل شيء وبدافع الإحترام لم ألتقط أي صورة. نزعت حقيبة الظهر خاصتي ووضعتها على الأرض وتشاركت بعض اللحظات مع ذلك القتيل قبل أن أعيد عظامه برفق إلى حضن الأرض الذي تلقاها بكل حنان.

“ضحايا المغالطة القائلة أن الحرب ستنهي الحرب”

تبدو النصب التذكارية الوطنية الأساسية  صروحاً مهيبة مثل النصب التذكاري لضحايا الحرب  الكنديين في فيمي ريدج ولكن المدافن البسيطة الخاصة المتناثرة على الطرقات الريفية تثير الشعور بجسامة الفقد. شاهدت النصب المخلد للضحايا الكنديين الذين سقطوا ضحية أول إستخدام لغاز الأعصاب في سانت جوليان وتأثرت كثيراً بنصب آخر بسيط وخاص على مقربة منه.

هناك وضعت أسرة بريطانية صورة لقريبها المقتول ووصف لما حصل. رقد وهو يعاني من جراحات خطيرة لمدة ستة أيام في أرض المعركة قرب المكان الذي وقفت أمامه قبل أن ينقل إلى مشفى في الخطوط الخلفية ولكنه قضى نحبه هناك. لم أستطع تخيل المعاناة المزرية لهذا الجريح العاجز عن الحركة مستلقياً بين زملائه الموتى بدون ماء وبلا شك بألم مستديم طوال تلك الأيام.

ومن بين عشرات الآلاف من المقابر التي شاهدتها رأيت من الأمثل ذكر ثلاثة أفراد.

كانت المقبرة الأخيرة التي زرتها في مونس ببلجيكا. هنا وبفاصل 30 متراً يوجد قبر جون بار أول جندي من الكومنولث البريطاني يقتل يوم 21 آب(أوغسطس) عام 1914 و قبر الكندي جورج برايس آخر من قتل في الساعة 10:58 صباحاً يوم 11 تشرين الثاني(نوفمبر) عام 1918 قبل دقيقتين من إنتهاء المعارك.

ولكنهما فصلا بالوقت وموت أكثر من 953000 من زملائهم المحاربين. يكشف تمرين حسابي رهيب الحجم الحقيقي للإحصائيات المرعبة: إذا وضعت كل تلك الأجساد بين موقعي المقبرتين(30 متر) فوق بعضها البعض لأرتفع الجدار إلى 32 كيلومتر. يا للهول.

وهذا مجموع قتلى الكومنولث البريطاني وخسر الفرنسيون والألمان رجالاً أكثر. وهناك بقية الضحايا من شتى أنحاء العالم.

توجد مقبرة وحيدة تتمايز عن البقية بشدة. كانت لا تحمل العبارة التقليدية”من أجل الملك والبلاد” وتقع قرب إبرس وتخص آرثر يونج. كتب عليها والده-الذي كان دبلوماسياً- إتهام مرير لضياع جيل من الشباب بلا معنى:

“ضحية المغالطة القائلة أن الحرب قد تنهي الحرب”.

لم أجد دليلاً أكثر مرارة يلخص الكارثة برمتها.

لم تنهِ الحرب كل الحروب

كان أكثر ما أثار في من الأسى أثناء تطوافي سلسلة من اللافتات البيضاء والحمراء المعلقة على مخرج متحف الحرب في إبرس. وكتب على كل واحدة منها إثر أخرى أسماء الحروب التي جرت في السنوات منذ إنتهاء “الحرب التي جرت لتنهي كل الحروب”عام 1918. ويشهد كل إسم على فشلنا الجماعي المخزي في إنهاء الحروب.

عددت 101 صراع خلال سنوات عمري الستين ويا لشدة حرجي رأيت اسماءً لصراعات مسلحة لم أسمع بها من ذي قبل. والأسوأ من ذلك كله كان محتوى اللوحة الأخيرة التي ذكرت …..الفضاء التي ستكتب فصولها في المستقبل.

التذكر مهم ولكنه لا يكفي. فقد أكثر من 100000 شخص حياتهم عام 2018 في نزاعات مسلحة.

عندما نتذكر نهاية الحرب العالمية الأولى يوم 11 تشرين الثاني وأيام ذكرى تالية ونفكر بإبرس  يجب أن نتذكر اليمن وعندما ننوح على القتلى في سوم يجب أن نتأسف على الموتى في سوريا ويجب أن ننتقل بطريقة ما من التأمل إلى العمل.

ومع فظاعة صعود الشعبوية اليمينية في الغرب يتعين على أمريكا ومعظم باقي دول العالم أن تعيش مع سنتين أو ستة سنوات من حكم دونالد ترامب. وأقول بعض وليس كل دول العالم. ولا يمكننا قول الشيء ذاته عن مئات الالآف الذين سيخرون صرعى في حروب بعيدة عن أمريكا الشمالية وأوروبا والتي لا تحظى بتغطية إعلامية ملائمة خلال الفترة ذاتها.

المصدر:

https://theconversation.com/an-infinity-of-waste-the-brutal-reality-of-the-first-world-war-106593?utm_medium=email&utm_campaign=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20November%2010-11%202018&utm_content=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20November%2010-11%202018+CID_6629cb6ea52e1a1d593bf6f378273fc8&utm_source=campaign_monitor_ca&utm_term=An%20infinity%20of%20waste%20%20the%20brutal%20reality%20of%20the%20First%20World%20War

Optimized by Optimole