الحركات السياسية الأيديولوجية بين النظرية والتطبيق

الحركات السياسية الأيديولوجية بين النظرية والتطبيق
Spread the love

خاص بمجلة شجون عربية — د.عقل صلاح* —

تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على الحركات السياسية الأيديولوجية من حيث مفهومها النظري، وأنواعها، وأبرز سماتها، إضافة إلى تناولها من زاوية النظرية والتطبيق. فالحركات والأحزاب السياسية التي تتبنى أيديولوجية معينة تعاني من صراع ناشئ عن محاولتها الالتزام بأفكارها الأيديولوجية في ظل التغيرات الحاصلة على الساحة السياسية.

أولًا: الأحزاب السياسية الأيديولوجية
من تتبع الأحزاب السياسية نجد أن هناك نوعين من الأحزاب، أحزاب براغماتية أو عملية مرنة تركز على البرامج والأهداف العملية في المجالات السياسية والاجتماعية أي أنها تغير من أيديولوجيتها وفقًا لتغير الظروف. أما النوع الثاني، فهو أحزاب تعتنق أيديولوجيا كاملة وشاملة ومبادئها لا تتعارض مع سياسة حزبها.
يعرف الحزب السياسي وفقا للمدارس التي تركز على الهدف، بأنه جماعة منظمة ذات استقلال ذاتي تقوم بتقديم مرشحيها للوظائف العامة والدخول في الانتخابات العامة على أمل الوصول إلى السلطة، والهيمنة على خطط الحكومة وتنفيذ هذه السياسة عن طريق هيئة موظفيها. نلاحظ من هذا المفهوم أن الهدف الرئيسي الذي يسعى له الحزب هو الوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات، إلا أن هذا التعريف قد استثنى الأحزاب التي لا تسعى للتنافس الانتخابي.
بينما المدرسة التي تركز على الأيديولوجيا فإنها لا تغفل الهدف من قيام الحزب في تعريفها، إلا أن الهدف ليس هو المحور الذي اعتمدت عليه وإنما الأيديولوجيا، ومن أشهر التعاريف تعريف كلسن الذي عرف الحزب السياسي بأنه جماعة منظمة تقوم على بعض المبادئ أو السياسات وتعمل بالوسائل الدستورية للوصول للسلطة. إن الفرق بين المدرستين وفقًا لجاد الجباعي يكمن بأن حزب البرنامج يستمد قيمته ومشروعيته ومصداقيته من الجدوى والانجاز على عكس الحزب الأيديولوجي الذي هو عقيدة ثابتة يستمد قيمته ومشروعيته ومصداقيته من ذاته.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك تصنيف آخر للأحزاب السياسية يقسمها إلى اتجاهين؛ الأول ليبرالي يؤمن بالحرية الفردية ويعتبر الفرد هو حجر الزاوية في المجتمع والنظام السياسي، وأن نشاة الحزب مرتبطة بالإطار البرلماني، فالحزب يهتم بالتنظيم من أجل المشاركة بفعالية في التنافس على المناصب الانتخابية، وهذا الاتجاه يركز على برنامج وأفكار الحزب السياسي، وقد كان المفكر الفرنسي بنيامين كونستانت (1816) أول من أشار إلى هذا الاتجاه عندما عرفه بأنه جماعة من الناس تعتنق مذهبًا سياسيًا واحدًا.
أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الاشتركي أو كما يسميه البعض بالماركسي، والذي يرى بأن الحزب السياسي عبارة عن أداة في يد الطبقة وهو قطاعها الطليعي. فينظر هنا إلى الحزب من منظور الطبقات الاجتماعية التي يعبر عنها، كأن يكون ممثلًا لطبقة العمال أو الطبقة الرأسمالية، ويسعى الحزب الماركسي للوصول إلى السلطة إما عن طريق التغيير أو الثورة.
لقد ظهر الاتجاهان السابقان في القرن التاسع عشر، ولكن مع بداية القرن العشرين بدأت الأحزاب السياسية بالتطور وأخذ الطابع الأكاديمي مما أدى إلى ظهور تعريفات حديثة تتجاوز كلا الاتجاهين من أبرزها تعريف عالم الاجتماع موريس ديفرجيه للحزب بأنه جماعة من الناس منظمة في بناء معين وملتزمة بأفكار وبرنامج سياسي محدد، تنتمي بشكل عام إلى طبقة بذاتها إما انتماءً اقتصاديًا اجتماعيًا مباشرًا أو انتماء فكريًا غير مباشر. وضمن هذا السياق قدم ديفرجيه عدة تصنيفات لأحزاب السياسية بناء على أسس محددة، إلا أن ما يهمنا في هذه الدراسة هو تصنيفه للأحزاب السياسية، فقد صنفها حسب ديمقراطيتها ودرجة مرونتها إلى نوعين؛ أحزاب ديمقراطية مرنة لأعضائها الحرية في اختيار القادة والبرامج، ويتمتع نوابها بقدر من الديمقراطية والاستقلالية في حل القضايا. وأحزاب استبدادية جامدة، تقوم القيادة المركزية باختيار القادة وتعيينهم دون وجود هامش من الحرية في وضع البرامج بسبب النظام الجامد الذي يفرضه هذا النوع من الأحزاب.
يلاحظ مما سبق أن هدف جميع الأحزاب السياسية باختلاف أنواعها هو الوصول إلى السلطة، ولكن طريقة الوصول إلى هذا الهدف تختلف باختلاف نوع الحزب السياسي. فنجد أن الأحزاب الليبرالية أو أحزاب البرامج تسعى لتحقيق هدفها عبر المشاركة السلمية في الانتخابات، بينما الأحزاب الأيديولوجية أو الماركسية تسعى لنفس الهدف ولكن بطريقة مغايرة ألا وهي الثورة وهذا ما بينه ماركس.

ثانيًا: الأيديولوجية
وبما أننا بصدد دراسة الأحزاب الأيديولوجية تحديدًا فلا بد من تناول مفهوم الأيديولوجيا، تعرف الأيديولوجيا وفقًا لمعجم العلوم الاجتماعية والفلسفية بأنها مجمل التصورات والأفكار والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة، أمة أو طبقة أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو حزب سياسي وتكون الأيديولوجيات عادة مشروطة ومحددة بالظروف المناخية والعادات. وتعرف أيضًا بأنها مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي يعتنقها عدد من الناس فهي تحدد ما هو القيم وما هو ليس كذلك، وما يجب الاحتفاظ به وما يجب تغييره، وهي تشكل توجهات أولئك الذين يتشاركوها. على نقيض كل من الفلسفة والنظرية اللتان تعنيان بالمعرفة والفهم، فالأيديولوجيات ترتبط بالعمل والسلوك الاجتماعي والسياسي، فهي تحرض الناس على العمل السياسي وتوفر الإطار الأساسي لمثل هذا العمل فهي تغرس العاطفة وتدعو إلى التضحية.
إلا أن معظم الأيديولوجيات السياسية تدين للتكهنات السياسية والفلسفية ويتجلى ذلك من خلال بعض المواضيع الرئيسية التي تطرحها الأيديولوجيات السياسية وهي:
• دور وطبيعة الفرد (الطبيعة البشرية)
• طبيعة الحقيقة وكيف يمكن اكتشافها
• العلاقة بين الفرد والجماعة، سواء أكان ذلك على مستوى القبيلة أو مدينة صغيرة – دولة، أو دولة معاصرة
• خصائص السلطة السياسية، مصدرها وحدودها إن وجدت
• أهداف وآليات التنظيم الاقتصادي والجدل الكبير حول قضايا المساواة المادية والاقتصادية من حيث صلتها بالحرية الفردية.
أما الأيديولوجيا في الأحزاب السياسية فهي تعني مجموعة من الأفكار والمبادئ السياسية والدينية والأخلاقية والقومية التي أسس عليها الحزب، فهي تختلف من حزب لآخر، إضافة إلى أن هذه الأفكار ستترجم إلى واقع حال أفراد التنظيم وتنظم سلوكياتهم كل حسب حزبه. فقد وضح مولينز (1972) بأن الأيديولوجيات السياسية تشتمل على برنامج العمل الجماعي لصيانة وتغيير أو تحويل المجتمع. بينما يعرف جيرينج الأيديولوجيات بأنها مجموعة من المعتقدات والقيم المترابطة وتصبح أيديولوجيات سياسية عندما تحدد برنامج عمل متماسك. أما جونز فيرى أن الأيديولوجيات السياسية لها نفس خصائص أشكال الأيديولوجيات الأخرى وهي؛ المعتقدات بشأن طبيعة العالم، والأهداف السياسية أيًا كان الهدف الذي صممت هذه المعتقدات لتحقيقه، والتعليمات حول كيفية تحقيق هذه المعتقدات، وأخيرًا مبررات تلك المعتقدات وحول تفوقها عند مقارنتها مع الأيديولوجيات الأخرى. ويبين غريكسون وتيدن بأن الأيديولوجية السياسية هي مجموعة من المعتقدات حول الترتيب المناسب للمجتمع وكيفية تحقيقه، بينما يعرفها دنزاي ونورث بأنها إطار مشترك من النماذج العقلية التي يمتلكها مجموعات من الأفراد، والتي توفر على حد السواء تفسيرًا للبيئة ووصفة حول كيفية تنظيم هذه البيئة.
لقد استخدم مصطلح الأيديولوجية السياسية من قبل علماء الاجتماع السياسي لوصف عدد من المفاهيم، فهي تجيب حول تساؤلات مثل من هم الذين سيصبحون حكامًا وكيف سيتم اختيارهم وما هي الميادين التي سيستندون إليها في ممارستهم للحكم، وتمثل نوعًا من الجدل أو الحوار بين وجهات النظر المتعارضة وتؤثر في قيم الحياة العامة، وتتبنى برامجًا للدفاع عن الأنظمة الاجتماعية أو اصلاحها أو هدمها، وتمثل تبريرات لصالح الجماعة وهي تعبر عن الطابع المعياري والأخلاقي على مستوى الشكل والمحتوى، وأخيرا تمثل جزءًا من سياق أشمل يتضمن نسق الاعتقاد بأكمله.
قد تستخدم الأيديولوجيا السياسية من أجل إضفاء الشرعية، والتضامن والتعبئة، والقيادة والاستغلال، والتواصل، والوفاء العاطفي، والنقد، اليوتوبيا والمحافظة. فبالنسبة لإضفاء الشرعية فإعطاء قيمة للنظام السياسي ومؤسساته يعتبر إحدى الوظائف المهمة للأيديولوجيا فهي تشكل الأفكار الفاعلة التي تجعل النظام السياسي، يعمل ومن أجل القيام بدورها يجب أن يتوافر لديها مجموعة من القواعد المتماسكة والواضحة. وأما بخصوص التضامن والتعبئة فالأفكار الشائعة تحدد الأشياء المقبولة والمهام التي يتعين إنجازها، فالأيديولوجيا تعرف ما هو مشترك أو شائع لأعضائها وما هو غريب عنهم. فالأيديولوجية الشيوعية على سبيل المثال عملت على توحيد أعضائها عبر وصف العالم الخارجي (الرأسمالي) بالعدو، والأمر نفسه ولكن على نحو متزايد عند الأصولية الإسلامية. فجميع الأيديولوجيات تعمل على التوحيد والدمج وإعطاء الشعور بالهوية لمعتنقيها ولكنها تنجح بدرجات متفاوته.
بينما القيادة والاستغلال توضح أن الأيديولوجيات تحرض الناس على العمل إلا أن نوع العمل والهدف منه يعتمد غلى حد كبير على محتوى ومضمون الأيديولوجيا، فغالبًا ما تستخدم بوصفها أداة قوية للاستغلال في أوقات الأزمات والتوتر الاجتماعي أو عند انقسام المجتمع إلى جماعات متحاربة ومتصارعة. وفيما يخص التواصل، فالمجموعة المتماسكة من الأفكار التي تتشاركها الأيديولوجيا مع عدد من الناس تجعل التواصل بينهم أسهل بكثير لتوفر لغة مشتركة وبسيطة وخاصة تجمعهم لأنهم ينظرون إلى العالم الخارجي بنفس التصورات المسبقة، فالكلمات لها معان خاصة مثل (الخلافة)، و(الاسلام هو الحل)، (شعار”رابعة”)، هذه المصطلحات يسهل فهمها من قبل من ينتمون إلى جماعة معينة.
إن الوظيفة الأساسية للأيديولوجيا هي حماية المصالح المادية أو توفير وسيلة قوية لإرضاء أعضائها؛ ولكن ليست المصلحة فقط هي التي تولد الأيديولوجيا بل إن المحركات العاطفية والسمات الشخصية يتم التعبير عنها من خلال أيديولوجيات مختلفة. فالأيديولوجيا تقدم الوفاء العاطفي، فالناس الذين يتشاركوها متماسكين معًا بشكل وثيق ويشتركون بنفس الطموحات والمصالح والأهداف ويعملون معا لتحقيقهم. فالشخص الذي لديه أيديولوجيا يتشاركها مع مجموعة من الناس من المرجح أن يكون آمن وسعيد. أما بخصوص الاستخدام الأخير للأيديولوجيا، فالأيديولوجيات غالبًا ما تجسد النقد الاجتماعي، فالدراسات النقدية للمعتقدات الاجتماعية والسياسية لعبت دورًا هامًا في تنمية أيديولوجيات جديدة ورفض أخرى. ففي بعض الأحيان النقد قد يدفعنا للتطرف، فبعض الأيديولوجيات هي بمثابة حلم مستحيل وغير قابل للتحقيق: مثل المساواة التامة، والقضاء على القوة، وإلغاء الحرب. فالعديد من الأيديولوجيات لديها نوع من التطرف ولكن تلك التي تبالغ في التطرف تسمى اليوتوبيا.

ثالثًا: أنواع الأيديولوجيات
تقسم الأيديولوجيات السياسية وفقًا لميكرايديس في كتابه بعنوان الأيديولوجيات السياسية المعاصرة إلى ثلاث مجموعات عريضة: الأولى أيديولوجيات الوضع الراهن وهي التي تدافع عن الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة في أي وقت وفي أي مجتمع، والثانية الأيديولوجيات المتطرفة أو الثورية وهي التي تنادي بالتغيرات بعيدة المدى في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة، والثالثة الأيديولوجيات الإصلاحية وهي المنطقة الرمادية التي تقع بين المجموعتين السابقتين وتفضل التغيير.
يعتبر هذا التصنيف رسميًا لأن الأيديولوجيات تتحول وتتغير ليس فقط في النصوص ولكن أيضًا في الوظائف والأدوار الخاصة التي تؤديها، فالثورية منها على سبيل المثال قد تتحول إلى أيديولوجية الوضع الراهن عند نجاحها في فرض قيمها ومعتقداتها، وبالمثل الأيديولوجية نفسها قد تكون أيديولوجية للوضع الراهن تحمي النظام القائم في مكان ووقت محدد وقد تكون ثورية في مكان وزمن مختلفين. فالشيوعية داخل الاتحاد السوفييتي سابقًا هي أيديولوجية الوضع الراهن، بينما في دول أخرى تعتبر أيديولوجية ثورية.
بالنظر إلى التقسيم السابق للأيديولوجيات نجد أن ماكرايديس قسمها حسب الهدف أو الوظيفة التي تؤديها الأيديولوجيا، إلا أن هناك من قسمها حسب البنية التي نشأت على أساسها إلى نوعين، أيديولوجيات فلسفية وأيديولوجيات دينية. فالأيديولوجيات الفلسفية تشكل الفلسفة بأنواعها المختلفة بنيتها الأساسية سواء أكانت مادية كما في الفكر الماركسي أو مثالية كما في الفكر البرجوازي، ولهذا النوع من الأيديولوجيات أسس وضوابط للتعامل مع الواقع الاجتماعي ولكن من منظور فلسفي والذي يختلف من أيديولوجية فلسفية إلى أيديولوجية فلسفية أخرى. فمن أبرز الأيديولوجيات الفلسفية وأشهرها الأيديولوجية الماركسية التي ارتبطت بالفيلسوف الألماني كارل ماركس، التي قامت أساسًا على معارضة التعددية السياسية، وما ارتبط بها من الاستيلاء على السلطة بالعنف الثوري ليحل محله الأسلوب البرلماني كطريق رئيسي للوصول للحكم، فيتضح لنا التناقض بين المقولات النظرية التى كان الماركسيون يعدونها حتى وقت قريب في عداد المسلمات، وبين الواقع السياسي ومقتضيات الحركة السياسية في اتجاه التأثير على سلوك الناخب في الانتخابات العامة.
أما فيما يتعلق بالأيديولوجيات الدينية فهي الأيديولوجيات التي يشكل الدين دعامتها الأساسية فهي تتعامل مع جميع أشكال الوعي الاجتماعي من منظور ديني بحت، ومن الأمثلة على هذه الأيديولوجيات البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلامية. وهذه الأحزاب تشترك برؤية واحدة ألا وهي وجود حزبين حزب الله وحزب الشيطان، أي كل من لا ينتمي لحزبهم هو كافر. فالأحزاب الدينية عندما تصل لهدفها المنشود وهو المشاركة في النظام السياسي سرعان ما نجدها تخلع عباءة الأيديولوجيا وتناقض مبادئها الأساسية التي أسست بناء عليها، أو تكيف أيديولوجيتها مع هدفها الجديد. ومن الأمثلة عليها بعض الحركات الإسلامية التي تسلمت زمام السلطة في بعض الدول مثل حركة حماس في فلسطين، والاخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة في تونس.

رابعًا: سمات الأحزاب
بالرغم من وجود عدد من الاختلافات بين الأحزاب الأيديولوجية إلا أنها تشترك جميعها بسمات معينة فهي تنظر إلى الحياة بجميع جوانبها من منظار أيديولوجي بحت، فهي منذ نشأتها تعتقد بأنها تدشن تاريخًا جديدًا وتلغي ما قبله وما حوله ومن حوله، فيغدو خط الحزب هو الحقيقة المطلقة ومن يخرج عنه أو يختلف معه هو خائن. فيتسم فكر هذه الأحزاب بالتصلب والجمود، وتقوم على مبدأ احتكار المشروعية والوطنية، واحتكار السلطة، وتحاول جاهدة الاقناع بصوابية أيديولوجيتها وفي حال نجاحها تستطيع الوصول إلى السلطة وإدارة شؤون الحكم وفقًا لعقيدتها، أي أن هذه الأحزاب منشؤها غير برلماني بل إن المشاركة في الانتخابات هي وسيلتها لتحقيق هدفها، وتتميز أيضا بالتنظيم الدقيق والتزام أعضائها بالمبادئ الأيديولوجية التي قام الحزب بناء عليها مما يجعل الحزب وحدة متكاملة ومنسجمة.
تختلف الأحزاب الأيديولوجية عن الأحزاب السياسية، بأن الأخيرة تقوم على مبدأ المشاركة في الدولة فيتحدد نصيبها من المشاركة في السلطة السياسية بنسبة المقترعين وعدد الناخبين. إلا أن الأحزاب الأيديولوجية تقوم على مبدأ مغاير وهو الاستيلاء على السلطة والتفرد بالحكم. فالأحزاب السياسية تقوم على مبدأ المشاركة السياسية، بينما يكون المجال السياسي أمام الأحزاب الأيديولوجية مجزأ ويتبين ذلك عند أول تماس بين الأحزاب الأيديولوجية المختلفة أو عند انشقاق أحدها، لأن الأحزاب هنا تقوم على مبدأ احتكار السلطة، وهذا ما تؤكده تجربة التنظيمات والحركات الفلسطينية.
وفي ضوء ماسبق، يتضح أن الأحزاب الأيديولوجية تلتزم بأيديولوجيتها ما دامت هذه الأيديولوجية المعتنقة تحقق مصالحها، ولكن إذا ما وجدت هذه الأحزاب أن أيديولوجيتها لم تعد تتوافق مع التطورات والتغيرات التي تجري على الساحة السياسية وتعارضت مع مصالحها سرعان ما تبدأ بالتنازل عنها أو بتكييفها بسهولة.

*كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية.

عقل صلاح
د.عقل صلاح

** هذه الدراسة المصغرة ستكون مقدمة لدراسة شاملة لنفس الموضوع.
المصادر:
1. Macridis, RC, Contemporary Political Ideologies: Movements and Regimes, New York: Harper Collins Publishers, fifth edition, 1992.
2. Livesey, C, Different political ideologies and their relationship to different political parties, 2006, http://www.sociology.org.uk/revgpp4.pdf.
3. Jost, JT, Federico CM, and Jaime LM, Political Ideology Its Structure, Functions, and Elective Affinities Annu. Rev. Psychol. 2009.
4. تاج السر عثمان، الايديولوجيا صورة حقيقية ام زائفة عن الواقع؟،http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-28778.htm
5. أحمد أنور، النظرية والمنهج في علم الاجتماع، جامعة عين شمس، http://faculty.ksu.edu.sa/75863/Publications/1.doc.
6. عبدال نوري عبدال، المسألة الأيديولوجية من منظور جديد، http://abdalnuri.com/content.
7. وحيد عبد المجيد، أزمة الماركسية بين الايديولوجية والتطبيق، السياسة الدولية، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=214195&eid=891.
8. سعود المولي ،علوم سياسية: 3- تصنيف الاحزاب السياسية ووظائفها،http://www.hiwarat-hurra.com/node/484.

Optimized by Optimole