“الجهاد العنيف” كنتيجة “للجهاد الحضاري”

“الجهاد العنيف” كنتيجة “للجهاد الحضاري”
Spread the love

بقلم: محمد مختار قنديل* – التيارات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة، كل منهما يمارس الجهاد وفقا لمنظوره، ووفقاً للفيزياء السياسية فلا بد وأن يكون لكل فعل رد فعل فجراء تلك الممارسات تأتي ردود الأفعال من قبل المكافحين. ويمكن القول والتأكيد على أن المواجهة للجهاد العنيف هي الأكثر حظاً في سياسات الحكومات والفاعلين المعنيين بالمكافحة، ولكن الاستمرار في التوجه نحو الجهاد العنيف يدفع نحو التساؤل حول العلاقة ما بين الحضاري والعنيف، كما يدفع بالتساؤل نحو أي منهما أولى بالمحاربة أولاً، أم أنه من الأفضل محاربتهما بالتوازي؟

الجهاد الحضاري كبنية تحتية للدولة الإسلامية:
في الثاني والعشرون من أيار مايو 1991، أصدر “محمد أكرم” وثيقة بعنوان ” مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أميركا الشمالية” كوثيقة ملحقة بخطة تمكين طويلة الأجل أطلقها مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في العام 1987، وانطلقت تلك الوثيقة من طرح سؤال:
“كيف تحب أن ترى حركة الإسلام السياسي في أميركا الشمالية بعد عشرة أعوام؟” وبصورة عامة هدفت الوثيقة إلى:
– “إيجاد حركة إسلامية فعالة ومستقرة بقيادة الإخوان المسلمين.
– تبنّي قضايا المسلمين محلياً وعالمياً.
– توسيع القاعدة الإسلامية المتلزمة.
– توحيد وتوجيه جهود المسلمين.
– طرح الإسلام كبديل حضاري.
– دعم إقامة دولة الإسلام العالمية أينما كانت.”

وتعد تلك الوثيقة إحدى الوثائق الهامة المدللة على مفهوم “الجهاد الحضاري” إن لم تكن المؤسسة لإطلاق هذا المفهوم، وحقيقة الأمر ما وضعه محمد أكرم، وهو قيادي فلسطيني ومن المرجح أيضاً أن يكون هو محمد أكرم العدلوني، عضو مجلس شورى الإخوان المسلمين وأحد أبرز القيادات في الولايات المتحدة الأميركية، ما هو سوى محاولة للانتشار في أميركا. إلا أنها تعد إحدى صور انتشار ذلك النوع من الجهاد في مناطق شتى، سواء بتأسيس فروع لجماعة الإخوان المسلمين في مختلف الدول، أو تأسيس اتحادات إسلامية من دون رقابة فعالة على ما تقوم به من أنشطة، أو السماح بإنشاء مساجد يقوم عليها دعاة وهابيون، أو السماح بانتشار مواقع إسلامية “متطرفة فكرياً” تعمل على بناء شخصية إسلامية هادفة إلى إقامة الدولة الإسلامية وفقا لأفكار التيار الإسلامي، أو بانتشار الجماعات الخيرية التابعة لتنظيمات إسلامية ذات أهداف متطرفة غير معلنة.
وبصورة عامة يمكن تعريف الجهاد الحضاري بكونه “السعي لإقامة دولة إسلامية من خلال العمل على بناء قاعدة جماهيرية إسلامية عريضة بتكثيف جهود الدعوة والتوطين والتمكين للتيار الإسلامي في المجتمعات المراد إطلاق الدولة الإسلامية منها، نابذاً للعنف في مراحله الأولى”.

الجهاد العنيف كنتيجة للجهاد الحضاري:
المقصود بالجهاد العنيف هنا هو تلك المرحلة الأخيرة من مراحل الجهاد وفقاً للمنظور الإسلامي والمتمثلة في القتال من أجل إقامة الدولة الإسلامية وإعلاء كلمة الله والعمل وفقاً لشريعته وأحكامه إعمالاً لتطبيق الحاكمية وفقاً لقوله تعالى: “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ”.
استمرار الجهاد العنيف على الرغم من المواجهات المستمرة للتنظيمات الجهادية في شتى أنحاء العالم له تفسيرات عدة، أحد أهمها هو السماح بمساحة لا بأس بها لانتشار الجهاد الحضاري والتأسيس له، حيث أن الثاني “الحضاري” يعمل على غرس بذور التطرف داخل تابعيه. وما أن تسكب الماء على تلك البذور بتدخل أحد أطراف الجماعات الجهادية محاولاً تجنيد هؤلاء، فينمو الفكر المتطرف ويتحول الفرد مباشرة نحو الجهاد العنيف.

الملامح العامة لكل منهما:
لكل منهما ملامح ومميزات، فمن ناحية الجهاد العنيف يمكن القول إنه عبارة عن مواجهة مباشرة مع الحكومات والمجتمعات الرافضة لتمثيل الشريعة الإسلامية وقيام دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإلهية بوصف الإسلام المخلّص للبشرية من الجاهلية من دون الوقوف على ترسيخ قاعدة جماهيرية تخدم تلك الأهداف.
أما الجهاد الحضاري فهو الأكثر عقلانية والأكثر رشادة والأدق في وضع الاستراتيجيات فهو بمثابة البنية التحتية وحجر الأساس المؤسس لبناء دولة إسلامية قائمة على تطبيق الشريعة والاحتكام للإسلام بوصفه المناهض للجاهلية المتفشية في المجتمعات، وفقاً لمنظور مفكري تلك الجماعات، وذلك عن طريق الارتقاء من أسفل إلى أعلى بإعداد قاعدة جماهيرية مترسخة فيها القيم والأفكار الإسلامية المرتبة بقيام الدولة.
وإذا ما أردنا الوقوف على نماذج للجهاد العنيف والجهاد الحضاري، فلك في “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” نموذج حي وفعال على النوع الأول، إما فيما يتعلق بـ”الجهاد الحضاري” فالنموذج الأكثر وضوحاً وفعالية به هو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وفروعه المختلفة ومؤسساته التابعة له في مختلف أنحاء العالم. وبين هذا وذاك، تأتي بعض التنظيمات التي تعتمد النموذجين ويمكن القول إن تنظيم القاعدة في مراحله التاريخية المختلفة قد جمع ما بين الجهاد الحضاري والجهاد العنيف.

أيهما أكثر خطورة؟
“الجهاد العنيف” على الرغم مما يتبعه من نتائج وخسائر، إلا أن خطورته لا تقارن بخطورة “الجهاد الحضاري” ويمكن القول إن الجهاد الحضاري هو الأخطر بل وهو المؤسس للجهاد العنيف، حيث أنه يعد مرحلة تحضيرية لجهاد عنيف ناجح، وذك لكون متبنّي “الجهاد الحضاري” يعملون منذ البداية على غرس فكرة ضرورة إقامة الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكام الدين الإسلامي المظللة بخطاب تسامحي يظهروا فيه المسلمون من أتباعهم كمظلميون مضطهدين لا بدّ وأن يحصلوا على حقوقهم في إطار احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية المنظمة لذلك، وغيرها من الآليات التي تسمح بناء مجتمع موازٍ يقوم على أفكار الجماعات الإسلامية، والذي من الممكن أن يتحول مع الوقت إلى جيش من المتطرفين. ولا يعني هنا بالطبع أننا نتحدث عن سائر الجماعات الإسلامية في الدول وإنما نتحدث عن هؤلاء الذين يحملون أفكاراً متطرفة.
ومن ناحية أخرى توضح الأرقام أن التابعين لمنظمات تتبع أسلوب الجهاد الحضاري يصل أضعاف المنضمين إلى الجماعات الجهادية المنتمية إلى الجهاد العنيف، حيث يقدر عدد المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين عالمياً نحو 100 مليون فرد وفقاً لإحصائية في العام 2013، أما المنتمون لتنظيم داعش مثلاً في أقصى تقديراته فيبلغون 200 ألف مقاتل كأكبر تنظيم يمثّل للجهاد العنيف.

كيفية المواجهة:
مواجهة الجهاد العنيف أسهل بكثير من مواجهة الجهاد الحضاري، حيث أن الثاني يدفع بالدول نحو الوقوع تحت طائلة انتهاك حقوق الإنسان واضطهاد المسلمين، فيظهر الدولة المعنية بذلك كدولة منتهكة لحقوق الإنسان وفي حالة عداء ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يزيد من احتمالية تعرض تلك الدولة لهجمات من قبل متبنّي “الجهاد العنيف”.
ولكي تتجنب الدول المعنية ذلك والمتضررة من تفشّي “الجهاد الحضاري” بها، لا بدّ من العمل على التوازي في محاربة “الجهاد العنيف” بالمشاركة في العمليات المسلحة المعنية بضرب معاقل الجهاد العنيف بشرط عدم الوقوع في خطأ إصابة مدنيين في تلك المواقع، إلى جانب تشديد الرقابة غير المقيّدة لنشاط أتباع “الجهاد الحضاري”، سواء بتعديل القوانين المنظمة لعملهم وتواجدهم على غرار القوانين المتعلقة بالتجنيس بالميلاد، والمواد التي تُلقى بالخطب في المساجد التابعة لهؤلاء والتي تغذّي تكوين متطرفين، أو القوانين المنظّمة للجمعيات الأهلية التابعة لهم وتفعيل رقابة عليها. كما يتوجب أن تعتمد الدول التي تعاني من خطر انتشار الجهاد العنيف على تفعيل مراكز إسلامية دعوية توضح حقيقة مفهوم الشريعة الإسلامية وكيفية تطبيقها ومدى صلاحية ذلك للأوقات والظروف التي يفرضها الواقع حالياً.
خاتماً، يمكن القول إن الجهاد العنيف والجهاد الحضاري يقومان على أساس إخضاع الدول على تطبيق الشريعة الإسلامية والتخلّص من مخلفات مجتمع الجاهلية، وفقاً لمنظورهم. ولكن الفارق هو أن “الجهاد العنيف” يسعى لإخضاع الدول بالقوة المسلحة، أما “الجهاد الحضاري” فيسعى لإخضاع الدول بالقواعد الجماهيرية المؤسسة على فهم خاطئ للإسلام والتي تعاني من صراع داخلي وحالة من الاغتراب وفقدان للهوية.
*باحث مصري.
المصدر: موقع مركز أبحاث كاتيخون
http://katehon.com/article/violent-jihad-result-civilization-jihad

Optimized by Optimole