الاستراتيجية الأميركية في سورية

الاستراتيجية الأميركية في سورية
Spread the love

بقلم: عبدالله أحمد* — في السياسة كل شيء ممكن ….الا أن للممكن شروطاً ومقدمات …فالتحولات والمواقف السياسة ما هي الا تجلٍ لضرورات ومصالح …فالعشوائية والفوضى توظف وتسخر في سباق النفوذ والمصالح وميزان القوة في الميدان هو المقدمة لإعادة الحسابات والتحولات التي لا يمكن التنبؤ بها، إلا من خلال القراءة الموضوعية للمقدمات والنتائج .
في ساحة الصراعات الكبرى، كما يحدث الآن في الشرق الأوسط تختلف المقدمات والتحولات ويصبح اصطياد النتائج كما في لعبة الروليت الروسية. فإما الربح أو النهاية …الا أن الرابح الأساسي هو من يدير اللعبة ويدفع الآخرين الى سلسلة من النهايات المأسوية ….فهل يتمكن السوريون والروس الذين يتقنون لعبة الروليت من إدارتها؟
انهيار داعش في سورية والعراق حدث مهم ونجاح يحسب لسورية وحلفائها، الا أن الحرب لم تنتهِ بعد، فالولايات المتحدة لا تزال تلعب في المسرحين السوري والعراقي، وتراهن على ما تبقى لديها من أوراق لتعقيد المشهد السوري، وتحاول إقفال مسار الحل السياسي من خلال تعطيل مسار جنيف وتعقيد مسار أستانة – سوتشي، والتشكيك في هذه المسارات التي تسعى روسيا وحلفاؤها من خلالها الى إحداث خرق يكون مقدمة لتسوية إقليمية متكاملة.
المواقف والتصريحات الأميركية المتناقضة فيما يخص الأزمة السورية والأزمات الإقليمية ما هي الا استمرار للعبة تبادل الأدوار على المستوى الإقليمي والدولي، ريثما تنضج صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطنية، التي بدأت مؤشراتها ومقدماتها مع تنازل مصر عن جزر تيران وصنافير للسعودية، وصولاً الى الاعتراف الاميركي بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني، بالتوازي مع تطور العلاقات السعودية والبحرينية والإماراتية مع إسرائيل، لتمكين إسرائيل والسعودية كي تصبحا الركيزتين الأساسيتين للاستراتيجية الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط.
من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالقلق إزاء المكاسب التي تحققها سورية على الأرض، فالمسار السياسي الذي فتح بعد تحرير البوكمال لا يعجب واشنطن، والممر الاستراتيجي ما بين دمشق وبغداد وطهران قد اأصبح يقلقها ويهدد بقاءها في المنطقة.
على الأرض تقوم واشنطن بتخريج دفعات جديدة من الإرهابيين تحت اسم “جيش سورية الجديد” وتخطط للبقاء طويل في الشرق والشمال السوريين، وقد نشهد تصعيداً خطيراً في الجنوب السوري في محاولة لخلط الأوراق من جديد، فالاستراتيجية الأميركية في سورية تهدف الى استمرار الأزمة وإعادة إحياء مشروع الفيدرالية ومحاولات واشنطن إنشاء مجالس محلية بالتحالف المرحلي مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) والاستثمار في المجموعات الإرهابية من جديد يفسّر ذلك.
في ظل هذه التطورات الخطيرة من التحالفات والمواقف المتقلبة والغامضة تنتهج سورية وحلفاؤها سياسة متوازنة وحذرة في نفس الوقت، فمسار سوتشي من جهة ليكون مرجعية يبنى عليها ويؤسس للحل السياسي، والتحرك لإنهاء بؤرة إدلب من جبهة النصرة، الأمر الذي سيقوض النفوذ التركي ويظهر وجه أنقرة الحقيقي الذي يلعب على تناقضات واشنطن موسكو لتحقيق مكاسب إقليمية من دون التخلي عن دور الوكيل الإقليمي لواشنطن.
التواجد الأميركي غير المشروع هو التحدي الحقيقي لسورية وحلفائها، فالمقدمات تشير الى أن الولايات المتحدة تخطط لبقاء طويل في المنطقة، وإن طرد الأميركيين من سورية يستدعي مواجهة عسكرية قد تكون واسعة لكنها مؤجلة الى حين، والرهان على تفاهم سياسي ينتج عنه انسحاب القوات الأميركية الدخيلة من سورية يبدو في غير محله.
التوازن الإقليمي والدولي لم يتبلور بعد والتفاهمات الروسية الأميركية تبدو بعيدة المنال، والمسارات السياسة ما زالت متعرجة لتنافر المصالح على المستوى الدولي والإقليمي.
قد تمضي سنوات لتوطيد الاستقرار والتوزان الإقليمي، وهذا يتطلب من محور سورية وحلفائها مراكمة المكاسب على الأرض وفي السياسة من خلال التخطيط الاستراتيجي المحكم، آخذين بعين الاعتبار مواجهة المخاطر العسكرية والسياسة، ومواجهة الهجوم الجيوسياسي الأميركي الجديد في المنطقة.
المقدمات تشير الى أن العالم يفهم لغة القوة فقط، وللقوة مقومات لا بد لسورية من امتلاكها كبوابة عبور للنتائج التي نريد، لتعود من خلالها قوة إقليمية مؤثرة في رسم المسارات الجيوسياسة الإقليمية.

*كاتب سوري.

Optimized by Optimole