اجتماع تونس وحل الأزمة الليبية

اجتماع تونس وحل الأزمة الليبية
Spread the love

بقلم: توفيق المديني — يزداد المشهد الليبي تعقيدًا من يوم إلى آخر ومعه تتضاعف الأخطار المحدقة بالمنطقة والعالم انطلاقًا من ليبيا، التي أصبحت اليوم دولة فاشلة ومنهارة ،ومرتعًا للميليشيات المسلحة التي لاتؤمن بإعادة بناء الدولة الوطنية التوافقية، وفي ظل فشل جلسات الحوار وعدم التوصل لحلول توحد الأطراف المتنازعة أمام تضارب المصالح الداخلية والخارجية. فبعد ست سنوات مرّت على «ثورة» 17 فبراير/شباط2011 في ليبيا، التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي ،لكن لم تلبث أن أدخلت البلاد في أتون حرب وصراعات مسلحة ما زالت متواصلة حتى اليوم،
فشلت الحكومات التي تعاقبت على الحكم في معالجة ملف الانفلات الأمني وانتشار الجماعات المسلحة وغرقت في الفساد، ما وضع البلاد على حافة الإفلاس.
وتتنازع على السلطة في ليبيا اليوم، ثلاث حكومات هي «الوفاق» برئاسة فايز السراج التي تلقى دعماً دولياً، و«المؤقتة» المنبثقة عن مجلس النواب ويرأسها عبد الله الثني، و«الإنقاذ» التي شكلها المؤتمر الوطني العام ويرأسها خليفة الغويل.أما الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والذي لا يعترف بالحكومة في طرابلس فقد تمكن من السيطرة على 4 موانئ نفط رئيسية، سمحت باستئناف صادرات النفط لكن أفضى في المحصلة كذلك إلى رفع وتيرة الصراع.وما زالت تفاعلات الأزمة الحادة متواصلة في ليبيا رغم مرور أكثر من عام على توقيع اتفاق «الصخيرات»، للتوصل إلى تسوية، فقد وصل قطار الحراك السياسي إلى محطة «اتفاق القاهرة» ، حيث كان أعضاء اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا برئاسة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمود حجازي وبحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري ،استقبلوا يومي 13 و 14 فبراير الجاري عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، لبحث سبل تسوية الأزمة الليبية في إطار توافقي.
واتفق القادة على معالجة عدد محدود من القضايا المعلقة في الاتفاق السياسي الليبي للخروج من الأزمة الحالية، من بينها مراجعة تشكيل وصلاحيات المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني بزعامة السراج ومنصب القائد الأعلى للجيش الليبي واختصاصاته وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة، الذي يُعد أعلى هيئةاستشارية في البلاد.و أكد البيان الصادر عقب اجتماعات القاهرة أن اللقاءات بين القادة الليبيين أسفرت عن توافق حول عدد من الثوابت الوطنية «غير القابلة للتبديل أو التصرف» في مقدمتها الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسلامتها الإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تأسيس هيكل مستقر للدولة ودعم مؤسساتها ولحمة شعبها والحفاظ على الجيش الليبي وممارسته لدوره.كما اتفق الزعماء الليبيون أيضًا على رفض وإدانة كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، والتأكيد على حرمة الدم الليبي، والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمى للسلطة والتوافق وقبول الآخر ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف من الأطراف الليبية وتعزيز المصالحة الوطنية ومكافحة كل أشكال التطرف والإرهاب.وقرر القادة الليبيون المجتمعون العمل على «إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه شهر فبراير/شباط2018، اتساقاً مع ما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي»، مع استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، لحين انتهاء الفترة الانتقالية وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018.
وكانت اجتماعات القاهرة أفرزت اختلافات علنية بين الأطراف السياسية الليبية القريبة من القاهرة،وأغلبها في المنطقة الشرقية الليبية، والقوى المعارضة لها،وأغلبها في مصراته وطرابلس والمنطقة الغربية،الأمر الذي حال دون حصول لقاء مباشر بين رئيس حكومة الوفاق الليبية،بزعامة فائز السراج، من جهة، وقائد القوات التابعة لمجلس النواب في طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر ، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، من جهة أخرى.
رفض الحل العسكري
جاء اجتماع تونس الوزاري الثلاثي الذي ضم وزراء الخارجية التونسية و الجزائرية والمصرية ،وعقد يومي 19و20فبراير/شباط 2017، تجسيدًا لمبادرة رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي، التي أطلقها في زيارته الأخيرة إلى الجزائر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2016 ، ولقائه بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وتكليفه بمقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2016. وهي كمباردة تترجم ما يحظى به الرئيس من تقدير واحترام من قبل الليبيين، نظرًا للدور الذي لعبه منذ 2011 عندما كان وزيرا أولا، في الوقوف إلى جانب الشعب الليبي منذ إندلاع ثورتهم في 17 فيفري/شباط 2011.وعندما تولى منصب رئاسة الجمهورية، حرص الباجي قائد السبسي على استقبال كل الليبيين دون إقصاء أو انحياز لطرف دون آخر، مما ولّد قناعة لدى الليبيين بأن تونس هي البلد المؤهل أكثر من غيره لمساعدتهم على التوصل إلى حل سلمي توافقي للأزمة التي تمر بها بلادهم.وترتكز مبادرة الرئيس التونسي على المحاور التالية:
الأول: عودة الأطراف الليبية على اختلاف توجهاتها الفكرية و الأديولوجية و السياسية إلى الحوار لمعالجة المسائل الخلافية التي أعاقت دون تنفيذ الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في 17ديسمبر/كانون الأول 2015.
الثاني:التأكيد على احترام مبادىء الشرعية الدولية في الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين، و لا سيما ما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بالمسألة الليبية ، ومنها القرار 2259 المؤرخ في 23ديسمبر/كانون الأول 2015، و المتعلق بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي، باعتباره المرجعية القانونية الدولية للتسوية السياسية في ليبيا ، والإطار التوافقي للخروج من الأزمة الليبية، مع التأكيد على دور ومسؤولية منظمة الأمم المتحدة الراعي للحوار السياسي و المهني بمتابعة تنفيذ بنوده و تطبيق مخرجاته، و اعتبار الدور المحوري للآلية دول جوار ليبيا و الأمم المتحدة و الهيئات الدولية و الإقليمية.
الثالث:تداعيات الأزمة الليبية على دول الجوار، و خاصة تونس ومصر و الجزائر، ونظرًا لما لحق ليبيا من أضرار جسيمة بسبب الانفلات الأمني و الاحتراب الداخلي، تحركت كل من مصر والجزائر وتونس، من أجل تجاوزحالة الترقب و الجمود التي لا يجوز أن تظل مستمرة ،ودفع الأطراف الليبية لتخطي هذا الانسداد ، وفتح آفاق جديدة للتسوية السياسية والمصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا، دون إقصاء، في إطار الحوار الليبي-الليبي، بمساعدة من الدول الثلاث،وبرعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى تعديلات توافقية للاتفاق السياسي بما يضمن تنفيذه وفقًا للآجال المتضمنة في إطاره.
الرابع:رفض أي حل عسكري للأزمة الليبية، وأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الليبية، باعتبار أن التسوية لن تكون إلا بين الليبيين أنفسهم، والتأكيد على أن يضم الحوار كافة الأطراف الليبية، مهما كانت توجهاتهم ز انتماءاتهم السياسية.
الخامس:العمل على ضمان وحدة مؤسسات الدولة الليبية المدنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، المجلس الأعلى للدولة) بما في ذلك الحفاظ على وحدة الجيش الليبي، وفقًا لبنود الاتفاق السياسي للقيام بدوره الوطني في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب و الجريمة العابرة للحدود و الهجرة السورية.
لقد مثل اجتماع تونس الثلاثي،ردًّا على دعوات صدرت عن أطراف دولية و ليبية تبرر التدخل العسكري الأميركي أو الروسي أو الأوروبي المباشر مجددًا في ليبيا تحت يافطات مكافحة الإرهاب أو فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2259 الصادر في 23 ديسمبر 2015، و الذي دعا إلى تطبيق كامل للاتفاق السياسي الليبي-الليبي الموقع عليه في مدينة الصخيرات المغربية بعد مشاورات ماراتونية رعتها الأمم المتحدة و أطراف سياسية تونسية وعربية و إفريقية في عدة عواصم وداخل ليبيا.
غير أن اجتماع تونس على قيمته، لم يتطرق إلى العوائق الموجودة في اتفاق الصخيرات، وقد أوصى بمتابعة هذا الأمر إلى القمة الرئاسية الثلاثية التي ستعقد حول ليبيا في العاصمة الجزائرية و التي سيشارك فيها الرؤساء الباجي قائد السبسي و عبد العزيز بوتفليقة وعبد الفتاح السيسي، لبحث تطوير اتفاق الصخيرات ، علمًا أن تاريخ انعقاد هذه القمة وجدول أعمالها التفصيلي سييحددان على ضوء نتائج الحوارات و المشاورات مع الأطراف السياسية الليبية من دون إقصاء أي طرف.
من الجدير بالذكر أن الفصل الثامن من اتفاق الصخيرات أقصى ضمنيًا اللواء خليفة حفترو سياسيين من الصف الأول من مختلف التيارات بحجة مشاركتهم في المسؤوليات العليا خلال الأعوام الماضية.و أمام اعتراضات حفتر و أنصاره و عدد من رموز النظام السابق ومن حكومات ما بعد ثورة 17فبراير/شباط 2011 على هذا الفصل ، فإن من بين النتائج المتوقعة لقمة الجزائر الثلاثية الإعلان عن مبدأ«تطوير» اتفاق الصخيرات أو تعديله «بما يتضمن مشاركة كل الأطراف و يستبعد هيمنة أي طرف على اللعبة السياسية القادمة» .
وتؤكد مصادر الديبلوماسية التونسية على لسان وزير الخارجية السيد خميس الجهيناوي أن الدولة التونسية وخلافًا لبعض الشائعات و الانتقادات، ليست منحازة لأي محور عربي أو دولي ،وهي تسعى لإنجاح مسار التسوية الليبية-الليبية، خدمة لمصلحة الشعب الليبي أولاً، و مصالح دول جوار ليبيا ثانيًا.
ويبدو أن تونس كانت بالنسبة لطرفي النزاع المكان الملائم للجلوس المشترك لفض أزمة الاقتتال الداخلي ،فتونس التزمت بالحياد تجاه الطرفين رغم كل الضغوطات وفضلت في أوقات عصيبة التعامل مع طرفي النزاع وافتتاح تمثيلية ديبلوماسية للتعامل مع طرفي النزاع شرقا وغربا. ورغم كل ما حدث من ذلك اختطاف الطاقم الديبلوماسي من السفارة التونسية في طرابلس احتفظت تونس بحيادها تجاه الأزمة الداخلية في ليبيا وهو ما سمح لها بان تكون أرضا محايدة لكي يجلس الفرقاءالليبيين لإيجاد حل للأزمة سياسيا ،وتققيق مصالحة وطنية.
الحاجة إلى العقلانية السياسية
الأزمة في ليبيا اليوم أمام منعرج حاسم وليس أمام الأطراف الليبية ترف مزيد إضاعة الوقت بل ليس أمامها غير الانتصار للمصلحة الوطنية وتجنيب الأجيال القادمة كل مخاطر الضياع، و التحلي بروح العقلانية السياسية.فسيادة ليبيا تبقى اليوم الخطر الأكبر وهي مسؤولة الأطراف الليبية قبل أي طرف اخر. وفي نهاية المطاف ما يهم القوى الخارجية المعنية بمسار الأزمة الليبية لا يتجاوز حدود ضمان مصالحها الجيوستراتيجة وضمان تدفق النفط بأقل التكاليف والتخلص من تداعيات سفن الموت واللاجئين، ومتى توفر لها ذلك سواء بقيت ليبيا موحدة أو انقسمت، فإنها لن تهتم بشكل الخارطة الليبية…
هناك عقبات بنيوية تحول دون بلورة مرجعية وطنية ليبية تنجدل تحتها كل المكونات الليبية السياسية والقبلية والعسكرية، ومنها:
أولاً: تعقيد الأزمة الليبية منذ انطلاقتها في سنة 2011، بعد التدخل العسكري لحلف الأطلسي لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، إضافة إلى عسكرة «الانتفاضة» ، لأنها كانت تخدم مصلحة المجموعات الإسلاموية لكن الإنقلاب في المواقف حصل بصورة أكثر جذرية عندما وصلت حركات الإسلام السياسي المتحدرة من «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في كل من تونس ومصر والمغرب، التي باتت تدعو بحماس التدخل الأطلسي في ليبيا الداعم لما بات يعرف في ذلك الوقت بـ«الثوار الليبيين». وازداد هذا الموقف وضوحاً في ضوء زيادة الانفتاح الأميركي الكبير في عهد إدارة أوباما السابقة على حركات الإسلام السياسي في زمن ما عرف بـ «الربيع العربي»، الذي كان يدخل في سيرورة عملية استبدال النخب العربية في علاقات تبعيتها للغرب .فقد استند هذا «التحالف» الجديد بين الولايات المتحدة الأميركية وحركات الإسلام السياسي في العالم العربي إلى مرجعية «التحالف» الأميركي- التركي، ولاسيما أن النموذج التركي بات يستهوي تقريباً حركات الإسلام السياسي .فالغرب ليس مع الديموقراطية الحقيقية التي تقود إلى بناء دولة عربية وطنية قادرة على أن تتعامل معه من موقع النديّة والشراكة المتكافئة. الغرب يهدف إلى إبقاء سيطرته على ليبيا من أجل تدفق النفط والغاز، وهو لا يبحث في إيجاد تسوية سياسية حقيقية للأزمة الليبية.
ثانياً: إن من تداعيات التدخل العسكري الغربي في ليبيا، أنه خلّف بعد إسقاط نظام العقيد القذافي ميليشيات إسلاموية مسلحة مستعدة لتقسيم البلاد بين قبائل الشرق وقبائل الغرب، إضافة إلى حرب أهلية متواصلة تغذّيها الخلافات القبلية، وارتباط القوى السياسية الليبية بالمحاور الإقليمية والدولية، التي عادة ما تتعارض مصالحها.فالتدخل العسكري الأطلسي قاد إلى انهيار مؤسسات الدولة والتي بانهيارها تحولت ليبيا إلى مرتع للميليشيات، وانتشار 42 مليون قطعة من السلاح لا زالت تحت سيطرة ميليشيات مسلحة خارج سيطرة الدولة،في بلد هو أحوج إلى توافر الدواء والغذاء، حيث وصلت كمية كبيرة من هذه الأسلحة إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي »، ووزع عبر عدة بؤر توتر. وفضلاً عن ذلك، اعتمدت القوى الدولية والإقليمية تقديم الدعم لطرف ليبي على حساب طرف آخر، فأغرقت المتناحرين بالسلاح وهو خيار وجدت فيه دول مصدرة للسلاح ضالتها لترويج ما تنتجه مصانعها من أدوات الخراب والدمار والاستفادة بالتالي من مآسي الشعوب بينما كان التحديان الأكبر أمام دولة ليبيا المقبلة، ولا يزالان، يتمثلان في فرض الأمن وإعادة بناء الدولة الوطنية، وتخطي الصعوبات الاقتصادية.
إضافة لخطورة السلاح الليبي المنتشر داخل بلدان دول الجوار لليبيا، هناك الخطورة الأخرى التي لا يزال تنظيم «داعش» الإرهابي يمثلها، إذ كشف الخبير الجزائري الدكتورأحمد ميزاب رئيس اللجنة الإفريقية للسلم و المصالحة، لصحيفة «الفجر » الجزائرية، عن وجود 8آلاف إرهابي في ليبيا،يهددون أمن دول الجوار، في تعليقه على حديث «أفريكوم» عن أن عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي المتبقين في ليبيا الذي لا يتعدى بضع مئات بعد تراجع أعدادهم من 5آلاف ، بأنه يرمي «لإثبات نجاعة التدخل العسكري الأميركي الجوي في سرت، التيى نفذتها قوات تابعة لحكومة الوفاق الليبية بدعم من القوات الأميركية». وفي مقابل ارتفاع عدد الإرهابيين المنضويين في تنظيم «داعش»، سجل الخبير الأمني الجزائري تراجعًا مهمًافي عدد المقاتلين التونسيين في التنظيمات الإرهابية،مرجعًا أسباب هذا التراجع إلى أن معظم المقاتلين تم القضاء عليهم في بؤر التوتر، أما جزء آخر فقد عاد من حيث أتى.
ثالثأً: إن اتفاق الصخيرات لم يشكل مرجعية وطنية لجميع الأطراف الليبية، بل إن المخولين بالتوقيع من الجسمين «المؤتمر الوطني العام» (أو برلمان طرابلس)، و«البرلمان» (برلمان طبرق) أعلنا في وقتها أنهما في حِلّ من هذا الاتفاق، لِيوقَّع بعدها بأعضاء من كليهما بمخالفةٍ للجسم الأم، معتمدين على مبدأ المغالبة والأمر الواقع، وليس التوافق، ليصير بعدها أمراً واقعاً، تتعامل بمقتضاه الدول الداعمة له، والتي غضّت النظر، ولو جزئياً عن الاختلاف الناشئ عنه، وبدأت تتعامل مع المجلس الرئاسي المنبثق عنه، كسلطة تنفيذية وحيدة في البلاد فالأطراف السياسية التي لها دور فاعل في المشهد السياسي لم تنظر للأزمة الليبية من زاوية الابتعاد عن المصالح الضيقة، وجعل المصلحة الوطنية العليا أمراً استراتيجياً حقيقياً، ورفض ارتهان ليبيا وزمام أمرها في أشخاص معينين والعمل على جعل روح التوافق والبعد عن الجدل ركيزة العمل الوطني للخروج من الأزمة.
رابعاً: لا يخفى على أحد الدور الإيجابي الذي تلعبه تونس حكومة وشعباً من أجل ضمان حلّ حقيقي للأزمة الليبية واحتضان تونس للعديد من المؤتمرات المتعلقة بالحوار السياسي الليبي والمؤتمرات والملتقيات المتعلقة بالمصالحة الوطنية هو دليل واضح على حسن نيات الدولة التونسية الرافضة للتدخل العسكري الغربي في ليبيا، والحريصة على توحيد القوى السياسية الليبية حول مرجعية وطنية واحدة .
إنّ الحل في ليبيا لا بد أن يكون داخلياً، وعن طريق التوافق بين جميع الليبيين، وأن حكومة الوفاق الوطني الحالية يجب أن تضع في حسبانها أن التشكيلة الحكومية لن تنجح إن لم تكن متوازنة، وعليها أن تحتكم إلى الكفاءات، وليس إلى الجهويات أو إلى اعتبارات أخرى، وأن تعتمد على مبدأ المواطنة، لأن ليبيا لجميع الليبيين، وبالنسبة لمختلف القوى السياسية الليبية فينبغي عليها أن تقاوم أي تدخل أجنبي في ليبيا، وتقحم مجلس القبائل في أي تسوية سياسية، لأن الصراع في ليبيا ليس صراعاً سياسياً، بقدر ما هو صراع جهوي أيديولوجي قبلي، وهو ما يستدعي حواراً شاملاً، ومصالحة اجتماعية تتبناها القبائل، ويتبناها كذلك المجلس الأعلى للقبائل الذي يبقى له دور هام في التنسيق بين المدن، وكذلك مع دول الجوار، في محاربة الإرهاب، وحماية الحدود، ودعم حكومة الوفاق الوطني، والمطالبة بعودة المهجّرين، والاحتكام إلى الصندوق، ورفع الغطاء عن جميع الميليشيات المسلحة، ولابدّ من هذه التسوية التي باتت ضرورة لحل الأزمة في ليبيا حتى لا تكون عرضة للإنقسام ولمزيدٍ من الضياع.

المصدر: صحيفة العربي الجديد

Optimized by Optimole