إذا كانت إسرائيل قد قصفت سوريا رغم الوجود الروسي، فهذه خطوة استثنائية

إذا كانت إسرائيل قد قصفت سوريا رغم الوجود الروسي، فهذه خطوة استثنائية
Spread the love

مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط – بقلم: عاموس هرئيل — يُعتبَر الخبر يوم أمس، الأربعاء، عن هجوم منسوب لسلاح الجوّ الإسرائيلي في سوريا، نقلته وسائل إعلام عربية، أنه كان موجّهًا ضدّ قافلة ومخازن سلاح لحزب الله، استثنائيا نسبيًّا في السنة الأخيرة. لا تؤكّد إسرائيل ولا تنفي الأخبار عن غارات جوية تُنسَب لها ضدّ تهريب السلاح في سوريا، لذا يصعب التيقّن من أية غارات نفّذها حقًّا سلاح الجوّ الإسرائيلي وأية حالات تُنسَب إليه عمليات نفّذتها قوى أخرى ناشطة في الحرب الأهلية السورية. مع ذلك، طرأ في السنة الأخيرة انخفاض حادّ ملحوظ في مقدار الأنباء عن غارات إسرائيلية في الأراضي السورية.

يرتبط هذا التغيير كما يبدو باللاعب الجديد نسبيًّا في الميدان – روسيا، التي نشرت في أيلول 2015 سربَي طائرات في منطقة اللاذقية – طرطوس شمال غربيّ سوريا، كما كثّفت الرادارات وبطاريات اعتراض الطائرات في سوريا. ساهمت الخطوات الروسية، التي تبلغ ذروتها حاليًّا في القصف اليومي على شرقيّ حلب، في وقف نزيف نظام الأسد، وأنقذته فعليًّا من الانهيار.

فور نصب الطائرات الروسية في سوريا، انطلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى موسكو لعقد لقاء عاجل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. التقى الرجلان مذّاك 3 مرات أخرى، واتفقت الدولتان على طريقة لتجنّب الاحتكاكات الجوية، بهدف تقليص خطر معارك جوية بين طائرات إسرائيلية وروسية في سماء سوريا، أو إسقاط طائرة لإحدى الدولتَين من قِبل صواريخ أرض – جوّ تابعة للأخرى.

منذ ذلك الحين، نُشر أنّ بطاريات سورية مضادّة للطائرات، تعمل بتنسيق معيّن مع الروس، فشلت في إسقاط طائرات إسرائيلية. في إحدى الحالات، قبل بضعة أشهر، تسلّلت طائرة دون طيّار روسية سهوًا إلى الأجواء الإسرائيلية في هضبة الجولان، وحاول سلاح الجوّ اعتراضها، لكنه لم يمسّها.

يؤدي التواجد الروسي المكثّف إلى تقييد عمل سلاح الجوّ الإسرائيلي بطريقة ما. فوفق البيانات العلنية المنشورة حول الرادارات الروسية، يبلغ مداها 400 كيلومتر، بحيث يُفترَض تمييز كلّ طلعة جوية إسرائيلية من معظم ثكنات سلاح الجوّ الإسرائيلي (على الأقل حتى شمالي النقب). وبما أنّ حزب الله هو جزء من تحالف المصالح الروسي – الإيراني حاليًّا لإنقاذ نظام الأسد، فلا يمكن لإسرائيل أن تستبعد إمكانية وصول جزء من هذه المعلومات إلى التنظيم اللبناني أيضًا.

إذا كانت إسرائيل قد أغارت حقّا على سوريا في الليلة الماضية، يبدو أنّ الأمر يشير إلى حاجة عملياتية ملحّة. ففي خطابه أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة في أيلول من العام الماضي، أكّد نتنياهو أنّ إسرائيل ستواصل العمل لمنع تهريب أنظمة أسلحة متقدّمة من سوريا إلى حزب الله. ومن خلال الكلام، تبيّن أنّ حزب الله قد نجح في الحصول على صواريخ جديدة مضادّة للطائرات من طراز إس-اي 22، وكذلك صواريخ ساحلية دقيقة من طراز “ياخونت”. أمّا التطور الآخر الذي يثير قلَق المسؤولين الإسرائيليين منذ مدّة فهو متعلّق بالتقارير حول تهريب صواريخ تحسّن بشكل ملحوظ دقّة حزب الله على المدى المتوسّط. فهل تتفهم روسيا الحاجات الملحّة لإسرائيل وتغضّ الطرف عن غارات كهذه منسوبة إليها، إذا كانت على جرعات مخفضة؟ لا تصرّح الدولتان بذلك بشكل مباشر.

مع ذلك، يجب النظر إلى أحداث الليلة الماضية في سياق أوسع أيضًا. فإدارة أوباما، كما يبدو بوضوح، لا تعتزم استغلال الأيام ال50 الأخيرة المتبقية لها للتدخّل بشكل فاعل لوقف تقدّم نظام الأسد والروس. بالمقابل، يبدو أنّ بوتين يستغلّ هذه الفسحة بين غروب شمس الإدارة القادمة وبدء عهد ترامب، الذي سبق له التعبير عن تأييد استثنائي لمصالح موسكو، من أجل زيادة الضغط على الثوّار في سوريا وتقديم انتصار للأسد، في حلب على أقلّ تقدير.

في توازنات القوى الحالية، وإثر الدعم الاقتصادي الهائل الذي تقدّمه دول كالسعودية وقطر للمعارضة، يُستبعَد أن يكون الزخم الحالي للنظام كافيًا ليُعيد للأسد السلطة على معظم الأراضي السورية. رغم ذلك، يمكن للانتصار المدوي في حلب (ينهار في الأيام الأخيرة عدد من معاقل الثوار شمال شرقي المدينة تحت وطأة الغارات) أن يحسّن مكانة الأسد، وربما يساعده لاحقًا على فرض شروط أفضل، إذا – ويبدو ذلك مستبعدًا حاليًّا – تمّ التوصل إلى وقف إطلاق نار ثابت.

من ناحية إسرائيل، لا يُبشّر هذا السيناريو بالخير. فرغم أنّ نتنياهو لن يصرّح بذلك، كانت 5 سنوات ونصف من الحرب الأهلية السورية تطوّرًا استراتيجيا جيّدا (رغم أنه ليس خاليا من المخاطر) بالنسبة لإسرائيل. فالجيش السوري انهار وفقد جزءًا هائلًا من قدراته، التي بُنيت بالأساس ضدّ الجيش الإسرائيلي. والحرب تؤدي إلى إنهاك وشلَل متبادلَين بين معسكرَين معاديَين لإسرائيل: إيران، سوريا، وحزب الله من جهة، والتنظيمات السنية المتطرفة من جهة أخرى. كلاهما ليس متفرّغًا الآن لمواجهة إسرائيل.

استنادًا إلى ذلك، فإنّ النجاح الملحوظ للمحور الداعم للأسد هو نذير شؤم لإسرائيل. وهذا صحيح في ما يتعلق بالحدود في الجولان أيضًا. ففي السنوات الماضية، طرد الثوّارُ الجيشَ السوري من معظم الأراضي القريبة من الحدود. أمّا الانتصارات الإضافية للأسد في الجولان (رغم أنه ليس جبهة تحتل أولوية بالنسبة له) أو الاتفاق الموقت على وقف إطلاق النار فقد تُتيح للنظام، وبالتالي لإيران وحزب الله أيضًا، التحكّم من جديد بالمنطقة المحاذية للحدود. إنه سيناريو مقلق بالنسبة لرئيس الحكومة نتنياهو، حتى حين يستصعب إخفاء غبطته بانتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

المصدر: موقع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، نقلاً عن موقع “المصدر” الإسرائيلي

Optimized by Optimole