إدلب بعد درعا: معركة أم تسوية؟

إدلب بعد درعا: معركة أم تسوية؟
Spread the love

بقلم ميادة سفر* — سبع سنوات وأكثر على انطلاقة ما سمي ” الثورة السورية” من مدينة درعا، والآن تعود المدينة آمنة إلى حضن الوطن. فصائل تسلّم أسلحتها والجيش السوري يرفع علم الدولة السورية على مؤسساتها وعلى الجامع العمري في درعا البلد هذا الجامع الذي ظل عالقاً في ذاكرة السوريين حتى الآن.
بعد جبهات متعددة ومعارك كبيرة وتسويات ومصالحات على امتداد الجغرافية السورية، أُعلن منذ أسابيع عن انطلاقة معركة تحرير الجنوب السوري، ليتمكن الجيش السوري مع حلفاؤه وبشكل دراماتيكي من بسط سيطرته على كامل الريف الشرقي للمدينة والوصول إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، هذا المعبر الذي كان تحريره أحد أهم أولويات هذه المعركة.
كان اللافت في هذه المعركة الأخيرة حجم التسويات والمصالحات التي تمت بين الجماعات المسلحة والدولة السورية في جبهة لطالما اعتبرت “خطاً أحمر” من قبل مختلف الأطراف الداعمة. ولكن يبدو أنها سارت على خطى جارتها الغوطة الشرقية، فقبلت مرغمة بالتسوية، بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري والحلفاء على مختلف الجبهات، فلم يبقَ أمام الجماعات المسلحة إلا خياران: إما القتال أو التسوية فأختار أكثرهم الثاني، في ظل تخلي كل الدول الداعمة لهم عنهم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
لم تنتهِ معركة الجنوب السوري بعد ولا يزال أمام الجيش السوري تحرير ريف درعا الغربي وريف القنيطرة. ولكن النتائج باتت واضحة لصالح الجيش السوري وحلفائه، في ظل غض النظر الإسرائيلي عن اقتراب الجيش السوري من حدود الجولان المحتل، والتصريحات الإسرائيلية الأخيرة بضرورة العودة إلى اتفاق فصل القوت لعام 1974، وزيارات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة إلى موسكو للحصول على ضمانات روسية بإبعاد قوات حزب الله والقوات الإيرانية عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع سوريا. وقد بات واضحاً أن كل آمال إسرائيل بسقوط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد وببقاء الجماعات المسلحة التي قدمت لها كل أشكال الدعم قد ذهب أدراج الريح، لدرجة أصبح أقصى هم الإسرائيلي العودة إلى ما قبل العام 2011.

ولكن السؤال الذي يطرح الآن: ماذا بعد درعا؟ هل ستكون إدلب الوجهة المقبلة؟ وأية سيناريوهات تنتظرها؟
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في حوار معه أن الدولة السورية ستستعيد السيطرة على جميع أراضيها، وأن الخيار الأول سيكون التسويات وإلا فالعمل العسكري هو الفيصل. وبطبيعة الحال لن تكون إدلب بمنأى عن ذلك، وهي التي باتت متخمة بالجماعات المسلحة و”الجهادية” المتطرفة بمختلف أطيافها وانتماءاتها.
وتتناقل المعلومات عن بدء الفصائل المتواجدة في المحافظة تحضيراتها للمعركة المقبلة مع الجيش السوري الذي بات قاب قوسين أو أدنى من إنهاء ملف الجنوب السوري. ولكن وفي المقابل تعلو أصوات تدعو إلى التسوية وإيجاد صيغة للتفاهم مع الدولة السورية في ظل التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري وحلفاؤه وبضغط من الأهالي الذين لا يرغبون بمعارك لن تسفر إلا مزيداً من الضحايا والدمار. وقد أشارت بعض المواقع المعارضة إلى أن الجانب الروسي نصح الجماعات المسلحة في درعا بعدم الذهاب إلى إدلب لأن المعركة فيها ستبدأ قريباً.

في إدلب يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً هو البدء بالعمل العسكري من قبل الجيش السوري وحلفائه، وصولاً إلى التسويات والمصالحات على غرار ما تم في غيرها من المناطق التي كانت خارج سلطة الدولة، ولكن يبقى لتركيا دور لا يمكن تجاهله في الشمال السوري. فلا بدّ من تفاهم روسي – تركي – إيراني يضمن لتركيا هواجسها تجاه التواجد الكردي، ولربما أيضاً ضمان دور للفصائل المدعومة تركياً في العملية السياسية المقبلة.
أما الولايات المتحدة الأميركية فمن المتوقع أن يفضي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في هالنسكي الإثنين المقبل إلى تسوية ما تحفظ للأميركي ماء وجهه وهو الذي أعلن في أكثر من مناسبة عزمه سحب قواته من سوريا.
بدأت الحرب السورية من الجنوب، وربما ستنتهي من الشمال، كل ذلك رهن بالتطورات الميدانية التي يميل ميزانها لصالح الدولة السورية وحلفائها، وليبدأ العمل بشكل جدي في العملية السياسية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

*كاتبة سورية

Optimized by Optimole