الحريديم يلعبون بالنار

Spread the love

بقلم: ألوف بن – رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية —

نشوة النصر التي أظهرتها الأحزاب الحريدية في أعقاب نجاحها في الانتخابات هي لعب بالنار. زعماء حزبي “يهدوت هتوراه” وشاس” يدركون ضعف نتنياهو الذي سيعطيهم الآن القمر والكواكب من أجل الحصول على حصانة وكي ينقذ نفسه من المحاكمة وإعفائه من منصبه. لكن هذه هي نظرة قصيرة الأمد. ففي اليوم الذي سيتغير فيه اتجاه الريح وتجد إسرائيل نفسها في مواجهة أزمة اقتصادية أو أمنية حادة، سيكون الحريديم الهدف المباشر للحرمان من الحقوق، وللتقليصات في الميزانية وتهديد نمط حياتهم المنفصل.
الحريديم غير قادرين، ولا يسعون فعلاً ليشرحوا للعلمانيين لماذا على هؤلاء أن يمولوا أقلية ترفض التعليم الأساسي، والخدمة في الجيش الإسرائيلي، وتفضل العيش على مخصصات وتحويلات مالية. الجواب البسيط على هذا السؤال هو لأنهم قادرون. لأن تحالفهم السياسي مع الليكود جعل اليمين يحتفظ بالسلطة منذ 42 عاماً، ولأن معدل الولادات والتصويت المرتفع في جماعاتهم يترجمان بنفوذ سياسي. العشر الأول والثاني من السكان الذين أغلبيتهم يصوتون للوسط واليسار، يدفعون 92% من ضريبة الدخل في إسرائيل، لكن وضعهم في الكنيست متدن.
كل ذلك جيد وجميل، ويمكن أن يستمر ما دامت السماء صافية، والوضع الأمني هادئاً نسبياً والاقتصاد مزدهراً في نظر أغلبية الجمهور. لكن ماذا يجري عندما تصبح السماء غائمة؟ من سيكون حينها كبش فداء؟ الحريديم سيكونون الهدف الأسهل. عددهم الكبير – خمس الولادات حالياً، ونصف الولادات في سنة 2065 بحسب التوقعات الديمغرافية – سيزيد إلى حد كبير من العبء على خزينة الدولة، إلى أن يأتي يوم سيتمرد فيه دافعو الضرائب ويثورون ضد الذين يضطهدونهم.
البحث الجديد للبروفسور دان بن ديفيد من مؤسسة شوريش للأبحاث الاقتصادية – الاجتماعية، الذي يعرض النتائج الاقتصادية الناجمة عن التغير الديمغرافي، من شأنه أن يصدم كل إسرائيلي يريد الاستمرار في العيش هنا. وقبل وقت طويل من تضييع نصف الأولاد هنا وقتهم في تعليم ديني لا قيمة له، سيقف دافعو الضرائب في البلد أمام خيار: إما الهجرة من الدولة، أو الثورة. يوضح بن ديفيد أن الرد السائد الذي يقول إن المجتمع الحريدي يشهد عمليات تغيير وأن الآلاف من أبنائه يرغبون بالحصول على دراسة أكاديمية هو هراء. التلميذ الذي لم يدرس لغات ومادة الحساب في طفولته، سيكون من الصعب عليه جداً أن يردم الفجوة في سن العشرين. إسرائيل تربي جيلاً كاملاً من الجهلة غير المتعلمين، الذين يطيعون وصايا الحاخامين. لا توجد وصفة أكثر وضوحاً للانتحار الاقتصادي والسياسي.
عندما يتقوض الاطمئنان الداخلي، بسبب انهيار اقتصادي أو زيادة جنازات جنود، ستقوم شعبوية علمانية ستصعد إلى السلطة على موجة كراهية للحريديم. هذه الكراهية كانت كامنة طوال الوقت، وحتى الآن حققت على الأكثر نجاحات تكتيكية في الانتخابات – مع ميريتس بزعامة شولاميت ألوني (1992)، ومع شينوي في أيام تومي لبيد (2003)، ومع يوجد مستقبل مع إبنه يائير (2013). لكن كلما زاد العبء، ولم تعد هناك أموال، يمكن أن يظهر سياسي أكثر كاريزماتية من لبيد ويقنع الجمهور بأن حل الضائقة يكمن في قمع عنيف للحريديم، ورمي المتهربين من الخدمة العسكرية في السجن، وفرض التعليم الأساسي بمساعدة جنود مسلحين.
معظم الروايات المتشائمة التي كتبت عن إسرائيل منذ أيام رواية “الأمس الماضي” التي كتبها شموئيل عجنون وحتى أيامنا هذه، توقعت أن يهزم المتدينون العلمانيين في المواجهة التاريخية التي بدأت منذ فجر الصهيونية. الواقع يمكن أن يسير في اتجاه معاكس: السلاح والمال موجودان في أغلبيتهما في الجانب العلماني، وعند لحظة الحقيقة، المتدينون القوميون الذين يخدمون في الجيش ويدفعون ضرائب يمكن أن يخونوا الحريديم. من الأجدى لموشيه غفني ويعقوب ليتسمان وآرييه درعي أن يأخذوا في حسابهم هذا الخطر على مستقبل جماعاتهم عندما يفرضون على نتنياهو المزيد من المطالب.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole