غزة إلى أين؟

غزة إلى أين؟
Spread the love

بقلم: د. موشيه إلعاد – محاضر في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي ورئيس سابق لجهاز التنسيق الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية —

•انتخاب يحيى السنوار قائداً لحركة “حماس” في غزة رافقه تحليل وحيد تقريباً يدعي أن القطاع يسير نحو تعاظم القوة العسكرية، وتصعيد في العلاقات مع السلطة الفلسطينية، ومواجهة جديدة مع إسرائيل. إن هذه التوقعات الكارثية التي وصفت كيف سيجر “المخرب الكاريزماتي” القطاع إلى جولة عنف قاسية، استندت إلى تقديرات لشخصيته وتغريداته على تويتر وتصريحاته في الماضي. وهي تتجاهل حقيقة أساسية، هي أن زعماء زمننا، حتى الطغاة والمتشددين منهم، ليسوا أقوى من شعوبهم ومن بيئتهم.

•لقد مضى زمن “الزعيم القوي” القادر على كل شيء. فالطاغية صدام حسين، ومعمر القذافي، وعلي صالح في اليمن، خسروا مناصبهم منذ زمن. وخلال زمن قصير جداً فهم الأصولي الإسلامي محمد مرسي المصري قواعد اللعبة. وحتى كرسي بشار الأسد السوري لم يتوقف عن الاهتزاز. وتعلم زعماء المنظمات الإرهابية الدرس، فقد اغتيل بن لادن، ومنذ ذلك الوقت أصبحت القاعدة أقل فاعلية، والبغدادي، زعيم داعش، يلفظ تنظيمه الأنفاس الأخيرة، وزعيم حزب الله حسن نصر الله يغرد منذ عشر سنوات “سأردّ على إسرائيل رداً عنيفاً”، ويهرب للاختباء في مخبئه.

•زعيم “حماس” يحيى السنوار لا يتحرك هو أيضاً في فراغ. ومن أجل أن يتخذ قراراً بمهاجمة إسرائيل، يجب أن تحدث تطورات خطيرة تبين بصورة قاطعة أنه “ليس لديه، ولا لدى غزة، ما يخسرانه”. لكن في الوقت الراهن هناك الكثير مما يمكن أن يخسره ويخسره الغزاويون. عندما أخبره أنصاره أن 613 مليون دولار فقط من أصل 3.875 مليار دولار من الأموال المخصصة لإعادة إعمار القطاع بعد عملية “الجرف الصامد” وصلت إلى غزة، فهم السنوار أن الدول المانحة ليست مستعدة للمساعدة من دون أن تحصل على ضمانات بأن سلطة “حماس” ستركز فقط على البناء والإعمار. وحتى البنك الدولي الذي تعهد بتطوير القطاع قدم أقل من نصف المبلغ الذي وعد به، وهو 3.5 مليارات دولار، لأنه يريد التأكد من أن أموال الإعمار لن توظف في زيادة القوة العسكرية، أو لا سمح الله، سيبتلعها دخان مواجهة جديدة.

•نعم، يوجد للغزاويين ما يمكن أن يخسروه. صحيح أن البطالة ما تزال مرتفعة وتطال نحو 50% من السكان، وليس هناك مصدر دخل ثابت، وهناك 65000 عائلة لم ترمم منازلها منذ المواجهة سنة 2014. لكن على الرغم من ذلك فهناك حركة بناء وتطوير لم نشهد مثيلاً لهما منذ فترات طويلة. وتصل يومياً إلى معابر القطاع نحو 200 – 300 شاحنة إسرائيلية تفرغ كميات من الغذاء ومن مواد البناء والسلع الاستهلاكية.

•في حي الزيتون الراقي افتتح في الفترة الأخيرة مجمع تجاري انضم إلى عدد من مراكز الترفيه والمجمعات التجارية التي ظهرت أخيراً في القطاع، مما يشير إلى توجه لدى الناس: “نحن أيضاً نرغب أن نعيش حياة عاقلة”. إن عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل ويتقاضون ما بين 200 إلى 300 شيكل يومياً، بالمقارنة مع نصف المبلغ الذي يمكن أن يتقاضوه في القطاع هذا إن وجدوا عملاً، هم دليل بارز على التطلع إلى العودة إلى روتين الحياة العادية. إن الشعب الفلسطيني، حتى تحت حكم “حماس”، يفضل الخبز بدلاً من السلاح.

•لذا، قبل أن يحاول يحيى السنوار تقديم “خطة جديدة” من أجل تحديث القطاع، لنفترض أنها قائمة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، سيكون عليه التغلب على عدة عوائق ليست سهلة: متلازمة [Syndrom] نصر الله حين قال (“لو كنت أعرف ماذا سيكون حجم الضرر لما كنت بدأت بحرب 2006”) فهو بلمح البصر أعاد لبنان عشرات السنين إلى الوراء؛ كما على السنوار التغلب على تهديدات الدول المانحة والبنك الدولي بوقف تدفق الأموال إذا نشبت مواجهة مسلحة جديدة؛ وعلى تحذيرات مصر والأردن وقطر التي تقول له علناً إن جولة مسلحة إضافية ستقضي على حكمه. ويمثل هذا الكثير حتى بالنسبة إلى “زعيم كاريزماتي محبوب ويحب الانتقام” مثل يحيى السنوار.

المصدر: موقع Ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole