“هآرتس”: الدول العظمى تقسّم سوريا، وحزب الله نُحّي جانباً

“هآرتس”: الدول العظمى تقسّم سوريا، وحزب الله نُحّي جانباً
Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – معلق سياسي إسرائيلي —

•انتهت الجولة الخامسة من اجتماع “الدول الضامنة”، روسيا وإيران وتركيا، الذي بدأ أول من أمس في أستانة عاصمة كازاخستان، لمناقشة إنشاء “مناطق منخفضة التوتر” في سورية، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي. واتفقت الأطراف في الاجتماع مجدداً في الأسبوع الأول من آب/أغسطس. لكن صورة السيطرة على هذه المناطق أخذت تتضح. ووفقاً للتقارير الأولية، ستشرف روسيا وتركيا على المنطقة في شمال سورية، وإيران وروسيا على المناطق التي ستنشأ في وسط الدولة، وستشرف روسيا وحدها على المنطقة الأمنية في الجنوب القريبة من حدود هضبة الجولان وعلى محافظة درعا القريبة من حدود الأردن.
•بالنسبة إلى إسرائيل يوجد في هذا التقسيم قدر من الاطمئنان، فروسيا التي تعهدت في آذار/مارس لإسرائيل بأنها ستحرص على عدم تمركز قوات إيرانية ومقاتلين من حزب الله بالقرب من حدودها، تقدم حالياً ضمانة عملية لهذا التعهد، خاصة بعد أن حرصت سابقاً على تحقيق انسحاب أغلبية القوات التابعة لحزب الله من منطقة هضبة الجولان. في الاجتماع الذي عُقد في أستانة في آذار/مارس الماضي، جرى البحث بإسهاب في وضع حزب الله ودوره في القتال في سورية. وفي ضوء مطالبة تركيا بطرد حزب الله من الحدود الشمالية، وإبعاد الحزب عن منطقة الجنوب السوري، نقل حزب الله الجزء الأساسي من قواته إلى المنطقة الجنوبية – الشرقية من سورية لمساعدة النظام السوري في السيطرة على مثلث التنف، الواقع على حدود سورية- الأردن – العراق، والذي توجد بالقرب منه قواعد أميركية هدفها منع سيطرة الميليشيات الشيعية العراقية.
•نجحت إسرائيل التي شاركت في النقاش الأخير الذي جرى في الأردن بين روسيا والولايات المتحدة والأردن بشأن إدارة المنطقة الأمنية في الجنوب في التوصل إلى اتفاق على إنشاء منطقة “نقية من إيران”، أي خالية من حزب الله وميليشيات شيعية في الجنوب، لكن حتى الآن ليس هناك اتفاق على حجم المنطقة وصلاحيات قوات المراقبة. لقد طالبت إسرائيل بمنطقة أمنية عمقها 30 كيلومتراً شرقي هضبة الجولان، لكن روسيا تؤيد تقليص حجم المنطقة الأمنية.
•حزب الله ليس فقط في مقام يتيح له إملاء أو وترسيم المناطق الأمنية فقط، بل هو أيضاً خاضع للاتفاقات التي سيجري التوصل إليها بين إيران وروسيا وبين روسيا وتركيا. ويبدو أن مهماته في سورية آخذة في التقلص، وكذلك المناطق التي يستطيع مواصلة نشاطه فيها. إن الانسحاب التدريجي لحزب الله وإعادة انتشار قواته أعادا جزءاً من وحداته إلى الحدود السورية- اللبنانية، المنطقة التي يمكن أن يحظى فيها بسيطرة معترف بها، طالما أنه لا يعرقل تطبيق الخطوات العسكرية والسياسية التي تخطط لها الدول العظمى.
•وإلى أن تتضح طبيعة تحرك الحزب في غربي سورية، يحاول حزب الله استخدام رافعة سياسية لصالح سورية من خلال استغلال وجود اللاجئين السوريين في مخيمات اللاجئين في منطقة بلدة عرسال الواقعة شرقي لبنان. فالأسد الذي يسعى إلى اعتراف دولي بأنه الطرف الشرعي الوحيد في سورية، يقول إنه معه فقط يجب أن تجري المفاوضات بشأن وضع اللاجئين السوريين، وأن على مواطني سورية العودة إلى منازلهم والمساهمة في الجهد الحربي ضد “تنظيمات الإرهاب”. وإزاء الصعوبات التي يلاقيها في تجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف جيشه، يطلب الأسد من حزب الله تشجيع اللاجئين في لبنان على العودة إلى منازلهم في سورية مع ضمان عدم تعرضهم لأي أذى، وبالأساس لن يجندوا في الجيش ويجبروا على القتال إلى جانب جنوده.
•اللاجئون في لبنان تعلموا الدرس. فقسم منهم استجابوا إلى “دعوة” الأسد، واكتشفوا فوراً أن أوامر التجنيد كانت تنتظرهم. وبهدف “تشجيعهم” قام حزب الله، ومعه بصورة غير مسبوقة الجيش اللبناني، باقتحام مخيمات اللاجئين بالقرب من عرسال بذريعة البحث عن إرهابيين تسللوا إلى المخيمات، فدمروا خيماً وبنى تحتية، وضربوا مواطنين وقتلوا نحو سبعة أشخاص. وفي الوقت عينه تحدثت تقارير عن مقتل أربعة لاجئين أثناء التحقيق معهم في منشآت تابعة للجيش اللبناني بسبب “إصابتهم بأمراض مزمنة”، وفقاً لكلام الجيش، أو بسبب التعذيب وفقاً لبيان المعارضة السورية. وكاستمرار للاعتداء المخطط له (وهو ليس الأول) ضد مخيمات عرسال، سارع حزب الله إلى عرض مساعيه الحميدة لإدارة الاتصالات مع النظام السوري بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وبذلك هو لا يحل فقط مشكلة اللاجئين الذين يعيشون في ظروف مريعة في لبنان، بل وأيضاً يمنح الأسد مكانة صاحب البيت وشريك في المفاوضات بين لبنان وسورية.
•هذا الأمر يعارضه رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الذي قال إن لبنان هو المسوؤل حالياً عن اللاجئين الموجودين في أرضه، وإنه لا ينوي اعادة مواطنين فروا من الجحيم السوري إلى يد النظام الذي دفع بهم إلى الهرب وقتلهم ودمر منازلهم. وأضاف أنه إذا كانت هناك جهة يجب أن تعالج مشكلات اللاجئين السوريين فإنها الأمم المتحدة أو المؤسسات الدولية وليس مرتكب المجازر. يوجد قرابة 1.750.000 لاجئ سوري في لبنان، ويعيش مئات الآلاف منهم في الجزء الشرقي من الدولة بالقرب من الحدود السورية.
•لا خلاف على أن وجود هؤلاء اللاجئين في لبنان يلقي على كاهل لبنان عبئاً مالياً هائلاً لا تغطيه كل التبرعات والمساعدات الأخرى من الخارج. ولبنان سيكون مسروراً بالتخلص منهم، لكن ليس مقابل منح الأسد مكانة سياسية. علاوة على ذلك، فإن الحريري ملتزم بتنسيق سياسته مع السعودية التي تشكل دعامته المالية والسياسية، ولذلك فهو غير مخول باتخاذ خطوة يمكن أن تُفسر كأنها تعزز مكانة الأسد وإيران أو حزب الله. والنتيجة هي أن معالجة مشكلة اللاجئين تحولت أيضاً إلى جزء لا يتجزأ من المواجهة السياسية الدولية التي تميز الحرب السورية.
•لكن الصراع السياسي بين حزب الله وخصومه في الحكم اللبناني على إبعاد اللاجئين هو تهديد ثانوي بالمقارنة مع الخطر الذي يحوم حول لبنان من جانب الإدارة الأميركية. فمن المتوقع أن يقرر الكونغرس الأميركي في الفترة المقبلة فرض عقوبات أكثر قساوة من تلك التي فرضت سابقاً على حزب الله في القانون الذي أُقرّ في كانون الأول/ديسمبر 2015. وبالاستناد إلى مسودة القانون الجديد، فإن هذه العقوبات يمكن أن تضر بعدد أكبر من هيئات مالية وشخصيات لبنانية على علاقة بحزب الله، والأخطر من ذلك، قد تدفع المصارف في الولايات المتحدة إلى وقف التعاون مع المصارف اللبنانية.
•ونتيجة لذلك سيتضرر التحويل الكثيف للأموال الذي يقوم به المواطنون اللبنانيون في الخارج، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نفض مستثمرين أجانب ولبنانيين أيديهم من الاقتصاد اللبناني الذي يعاني هو أيضاً من أزمة حادة. وفي محاولة للتخفيف من القانون الجديد تدفق رجال أعمال لبنانيون ووفود سياسية ومصرفية إلى واشنطن، ووفقاً للتقارير نجحوا في إقناع أعضاء الكونغرس بتخفيف اقتراح القانون. والسؤال المطروح هو: إلى أي حد يستطيع القانون الأميركي كبح تدفق الأموال إلى حزب الله، الذي أعلن أنه لا يملك حسابات مصرفية في لبنان، ولا يدير أمواله عبر القناة اللبنانية؟
•لم تمنع العقوبات [الأميركية] المفروضة دفع رواتب أعضاء في البرلمان ووزراء في الحكومة ينتمون إلى حزب الله من خزينة الدولة، وسمحت الإدارة الأميركية آنذاك للمصارف اللبنانية بالتمييز بين الوضع الرسمي للحزب كجزء من الحكومة اللبنانية، ونشاطه الحزبي سواء كصاحب مشاريع أو كحزب مقاتل.
•والمفارقة اللبنانية – الأميركية هي أن الإدارة الأميركية تواصل تمويل شراء الجيش اللبناني للسلاح بمبلغ 150 مليون دولار، بينما يواصل هذا الجيش خدمة أهداف حزب الله، على الأقل في الحدود الشرقية من لبنان؛ وهي تفرض على لبنان عقوبات بينما مصادر تمويل حزب الله موجودة في معظمها في أميركا الوسطى والجنوبية، وفي غربي أفريقيا، وهي غير خاضعة للعقوبات الأميركية. ويبدو أنه من المستحيل محاربة تنظيم ارهابي يشكل جزءاً من البرلمان والحكومة الشرعيين، طالما أن الحكومة اللبنانية تعتبر حزب الله جزءاً من النسيج السياسي والعسكري والاجتماعي في الدولة.
•تخوض الإدارة الأميركية الحرب على مصادر تمويل حزب الله من خارج لبنان بصورة مركزة وفردية وليس من خلال الدول التي يقيم فيها مؤيدو الحزب ويديرون منها شبكة تمويله. وعلى سبيل المثال اعتُقل في آذار/مارس الماضي في المغرب رجل أعمال لبنانياً يدعي قاسم تاج الدين، تتوزع أعماله المختلفة في عدة دول أفريقية، وهو مطلوب منذ سنوات من الإنتربول بتهمة تبييض اموال وتمويل عمليات حزب الله.
•في الشهر الماضي جرى تسليم تاج الدين إلى الولايات المتحدة. وأغلقت بعض الشركات التي يملكها هو أو يملكها شقيقه في أنغولا، لكن من المبالغ فيه الحديث عن تجفيف المصادر المالية للحزب، ما دام عملاؤه يستطيعون استخدام الخدمات المصرفية في عدد كبير من دول العالم، وما دام الاتحاد الأوروبي يميز بين الذراع العسكرية للحزب التي يعتبرها تنظيماً إرهابياً، وهيئاته المدنية التي يعتبرها سياسية.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole