نيويوركر: الطائفية ليست سبب مشاكل الشرق الأوسط

نيويوركر: الطائفية ليست سبب مشاكل الشرق الأوسط
Spread the love

إعداد: إبراهيم درويش -”القدس العربي” — ناقش كل من حسين أغا وروبرت مالي مشكلة الشرق الأوسط في مقال مشترك نشره موقع “نيويوركر” وقالا فيه إن الانقسام العظيم في المنطقة ليس طائفيا. ويستخدم البعد الطائفي لتبرير خطوط الصدع الأخرى في الشرق الأوسط، سواء كانت بين السنة أنفسهم أو الشيعة.

ويقول الكاتبان إن منظور الطائفية يلاحق الشرق الأوسط حيث تحمل مسؤولية الفوضى والنزاع والتطرف. ومن خلالها يتم النظر إلى خطوط الصدع التي باتت تعلم المنطقة: السنة ضد الشيعة. وبات من خلال هذا البعد تفسير كل شيء، السنة المحاصرون والمظلومون على يد الشيعة الطامحين، والتي أدت لميل الكثير نحو التشدد والانضمام إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم “الدولة”. وفي الوقت نفسه يحاول الشيعة الذين يسكنهم هواجس الأقليات تجاوزوا حجمهم العددي وحاولوا توسيع سلطاتهم.

العنف في الشرق الأوسط لا صلة له بالخلاف السني-الشيعي. فالصراع الاعنف والأكثر دموية هو ما يجري داخل الإسلام السني.

ولا يستبعد الكاتبان الدور الذي يلعبه الصدع الطائفي بين السنة والشيعة سواء اليوم ام في الماضي لكن فوضى الحاضر واليباب والعنف لا صلة لها بالخلاف السني-الشيعي. فالصراع الاعنف والأكثر دموية هو ما يجري داخل الإسلام السني.

والطائفية ما هي إلا خرافة مفيدة وتستخدم بطريقة مقنعة للتغطية على النزاع حول السلطة أو طريقة معاملة الأقليات والممارسات القمعية. ويعد تنظيم “الدولة “من اللاعبين الأشد شراسة، ورغم ما يحمله خطابه من عداء للشيعة إلا أن غالبية ضحاياه هم من أبناء السنة. وفي معارك تحرير الموصل أو الرقة كانت القوى السنية التي واجهت بعضها البعض. وفي كل العمليات التي نفذتها فروع التنظيم في الصومال ومصر وليبيا ونيجيريا ومناطق أخرى، فالضحايا كانوا في الأعم الأغلب هم من السنة. كما أن الربيع العربي الذي يعد الاضطراب السياسي الأكثر زخما، فقد وضع قوى سنية ضد أخرى، في تونس حيث بدأ الربيع العربي وفي مصر حيث تطورت وليبيا حيث يستمر.

ويمكن سحب نفس الكلام على الجزائر الذي شهد حربا دموية في تسعينات القرن الماضي. وفي كل حالة أم مواجهة فقد دخلت فيها عناصر وتحالفات متغيرة، سواء كانت القوة من الإخوان المسلمين أو العثمانيين الجدد أو السلفيين الوهابيين أو الجهاديين. وتراقب القوى المعتدلة من الأزهر في القاهرة والهاشميين في الأردن وغالبية السنة المسلميين بعجز على أمل أن تنتهي الأزمة وينتظرون الفرصة لإسماع أصواتهم. وفي سوريا يتم تفسير المأساة فيها من خلال الانقسام السني- العلوي كمواجهة فرعية للمواجهة السنية- الشيعية كنقطة مركزية مهمة لفهم العنف. إلا أن نظام الأسد ليس علويا بالكامل وبني حول أبناء الطائفة ومن أبناء الطبقة السنية المتوسطة وطيف من الأقليات الدينية الأخرى.

ولم يكن النظام لينجو بدون دعم الغالبية السنية، واعتمد النظام في معظمه على الدعم المالي والسياسي من الدول السنية وملكيات الخليج، خاصة السعودية. وفي المراحل الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق سهل النظام السوري دخول المتشددين السنة لمحاربة الأمريكيين والميليشيات الشيعية الأخرى. ويعلق الكاتبان ان مسارعة حزب الله لمساعدة النظام كان خطوة سياسية واستراتيجية وليس دعما لهوية النظام الطائفية.

وابتعدت مؤسسات النظام الدينية عن الجمهورية الإسلامية الشيعية. وهو ما يشي بأن الحرب في سوريا كانت في معظمهما بين جماعات سنية ذات أهداف وهويات مختلفة والنظام. ويعتقد الكاتبان أن التركيز على النزاع السني-العلوي يخفي حقيقة أن الجماعات المعارضة للنظام استهدفت سنة أكثر من علويين. وقام تنظيم الدولة بمحاصرة القرى المسيحية وتدمير كنائسها وطرد سكانها. وعندما تدخل الروس إلى جانب النظام السوري قتل طيرانه معارضين سنة أكثر من علويين. ولم يمنع هذا قادة الدول السنية من الحج إلى موسكو بحثا عن تحالفات استراتيجية وصفقات تجارية. واحتفظت مصر، أكبر دولة سنية تعدادا للسكان ومركز أهم جامعة دينية في العالم الإسلامي بعلاقات مع نظام الأسد.

وتعامل النظام المصري مع التهديد القادم من الجماعات السنية كونه أخطر من التهديد الشيعي والعلوي. وتصرفت الجزائر التي تعتبر أكبر دولة في شمال أفريقيا بنفس الطريقة مع النظام في دمشق. ولم يكن مستغربا استئناف كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقاتها مع النظام السوري مع خفوت وتيرة الحرب. وكلاهما تشترك مع النظام الخوف من التشدد السني ومن قطر وتركيا، وربما تنضم السعودية إليهما قريبا. وربما عقد اليمن الصورة في مسألة النزاع الطائفي، وبالتأكيد للحرب فيه ملمح طائفي، ولكن تفسيرها عبر هذا البعد يظل مضللا.

ويشعر المتمردون الحوثيون أن هويتهم تتعرض للتهديد ورأوا في إيران نموذجا يحتذى وحليفا قادر على تقديم المساعدة. وتظل المسألة الحوثية في اليمن مرتبط بالمظالم الاجتماعية وخسارتهم للموقع واستمرار إهمال الحكومة المركزية لمناطقهم. وتحول النزاع إلى حرب سعودية – إيرانية لا لعلاقتها بالهويات الطائفية القديمة بل لمحاولة الحوثيين الحصول على دعم الإيرانيين بعد الحملة التي شنتها السعودية عليهم. وكانت فرصة لإيران في التنافس الجيوسياسي لا الطائفي مع السعودية.

وتظل الحرب بين الحوثيين والتحالف السعودي واحدة من النزاعات التي تمزق البلد وتشترك فيها القاعدة وتنظيم الدولة والسلفيين وكلها جماعات سنية والتي تفاقمت بسبب تزايد الطموحات والتباين والتنافس السعودي-الإماراتي. وحتى جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي الأخيرة فهي تحمل بعد الصراع في داخل الإسلام السني، فالدولة المتهمة هي السعودية والبلد الذي قتل فيه تركيا التي لعبت دورا مهما في تسريب المعلومات وكشفت عن تورط الرياض فيها. وفي الخلفية للجريمة لعبة شد الحبل بين تنوعات الإسلام السني-الوهابية والنموذج الإخواني والعثمانية الجديدة وكلها تتنافس على القيادة. والغائب عن القائمة هي إيران.

والقائمة تطول وتضم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي اختطف لفترة أسبوعين في الرياض عام 2017. وحزب الله الذي زاد من أنصاره السنة في البرلمان خاصة في مرحلة تدخله في سوريا. والشيعة ليست لهم علاقة بكل النزاعات الداخلية بين الجزائر والمغرب والأردن والسعودية وبين الفصائل الفلسطينية ولا التنافس على القرن الإفريقي. وحتى النزاع التركي-الكردي هو سني الطابع. وبنفس السياق فالنزاع الليبي لا علاقة له بالبعد الطائفي ولكنها حرب أثنية قبلية وجهوية بين السنة أنفسهم. وكما أن النزاع الشيعي-الشيعي قد يلعب دورا في تشكيل السياسة المستقبلية. فإيران الشيعية كانت أول دولة تقدم السلاح للأكراد لمواجهة تنظيم الدولة، وقبل تركيا أو السعودية أو أي دولة خليجية أخرى. ولا تتساوق محاولات السعودية بناء علاقات مع القوى الشيعية في العراق أو علاقات إيران مع الدول السنية مع البعد الطائفي.

ولا رفض باكستان التي تعد الدولة السنية الأكبر في جنوب أسيا المساهمة في حرب السعودية في اليمن. طبعا هناك انقسام سني-شيعي ولكنه استخدم لتقوية طرفي التنافس وهما إيران والسعودية. يستهدف تنظيم “الدولة” والقاعدة الشيعة في الباكستان وأفغانستان لمفاقمة الصراع الطائفي، وهذه تكتيكات وليس مسببات. ويرى الكاتبان ان السبب الذي يجعل غالبية النزاعات هي سنية-سنية لأنهم يشكلون غالبية سكان المنطقة ويعتقدون أن الشيعة لا قدرة لهم على التغلب عليهم. فيما رضي الشيعة بوضع الأقلية. ومن هنا فتصوير النزاعات في المنطقة بالطائفية يؤدي في الغالب إلى علاج غير صحيح. وحديث الولايات المتحدة عن دول الاعتدال السني لا معنى له.

ومن دعموا تزويد الجماعات السورية بالسلاح قالوا إنهم لا يريدون تهميش العالم الإسلامي. وكان خيارا غير صحيح قام على افتراض أن السنة في سوريا سيدعمون الجماعات المعارضة للنظام. ولم يفهم الغرب مثلا السبب الذي تعاونت فيه تركيا السنية وإيران الشيعية، كل هذا بسبب المواقف والافتراضات الخاطئة. وهي نفس الأخطاء التي يواصل الغرب ارتكابها عندما يتحدث عن “ناتو عربي” لمواجهة إيران. فدول الخليج تعتبر إيران تهديدا عليها لكنها لن تسارع وتدعم الخطاب الأمريكي الداعم للحرب معها. فهذه الدولة منشغلة بما تمثله تركيا من تهديد عليها. فالعثمانيون الجدد يمثل منافسا لها بقدر أكبر من تهديد إيران.

المصدر: نيويوركر

Optimized by Optimole