قرار تجميد أموال السلطة يمكن أن يسرّع حدوث تصعيد في غزة

قرار تجميد أموال السلطة يمكن أن يسرّع حدوث تصعيد في غزة
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

قرار المجلس الوزاري المصغر أول أمس (الأحد) بحسم نحو نصف مليار شيكل من عائدات أموال الضرائب العائدة للسلطة الفلسطينية عقاباً لدعمها الأسرى الأمنيين، هو في الأساس نتيجة سبب سياسي. لقد سبق أن اتُخذ قانون تجميد الأموال في الكنيست في تموز/يوليو السنة الماضية. لكن لم يسارع أحد في المستوى السياسي إلى تطبيقه. مقتل الشابة أوري أنسبخار في القدس في مطلع هذا الشهر، أدى إلى تجدد النقاش بشأن المساعدة الاقتصادية التي تمنحها السلطة للمخربين. الازدحام في المربع السياسي في اليمين، على خلفية المعركة الانتخابية، فعل ما تبقى. عندما يوجّه نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان اللكمات إلى بنيامين نتنياهو بشأن مسألة العلاقات مع الفلسطينيين، ورئيس الحكومة نفسه منشغل في وصف نفسه كيمين قوي في مواجهة يسار ضعيف يمثله بني غانتس، لم يبق أمام نتنياهو من خيار سوى العودة إلى الدفع قدماً بتطبيق القانون.
بين تموز/يوليو العام الماضي وشباط/فبراير، لم يَجرِ شيء بشأن حسم الأموال. أيضاً في جلسة المجلس الوزاري المصغر، تلكّأ رئيس الشاباك نداف أرغمان في تقديم الأرقام الكاملة بشأن دعم السلطة للأسرى، وتعرّض لهجوم مباشر من الوزير بينت. لكن حتى الآن، حسم الأموال يتعلق فقط بمساعدة الأسرى المعتقلين وليس بالمساعدة السنوية الأكبر التي تمنحها السلطة الفلسطينية لعائلات الفلسطينيين الذين قُتلوا في مواجهات مع إسرائيل. البند الثاني يتضمن أيضاً مساعدة أقرباء المخربين الانتحاريين. حتى بعد قرار المجلس الوزاري المصغر والإعلان الاحتفالي في أعقابه، ما يزال من غيرالواضح تماماً متى ستُقلَّص فعلاً أموال عائدات الضرائب التي تحوّلها إسرائيل إلى السلطة.
هناك قدر من العدل في الادعاء الإسرائيلي، المدعوم أيضاً من الإدارة الأميركية، بأن المساعدة الاقتصادية المستمرة للسلطة التي تقدمها إلى الأسرى وعائلات المخربين القتلى، تشجع بصورة غير مباشرة الإرهاب وتتعارض مع التصريحات العلنية للزعامة الفلسطينية بشأن ضرورة السلام. لكنهم في إسرائيل يعرفون جيداً روحية النضال الفلسطيني، وأي تراجع من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الدفع للأسرى سيعرّضه لأزمة داخلية واسعة النطاق. هذا هو السبب الأساسي الذي أدى إلى تحفظ رؤساء المنظومة الأمنية على الخطوة ومطالبتهم بالتأجيل بقدر ما يمكنهم.
في الخلفية لا يمكن أيضاً تجاهُل وجود شيء من التناقض في ادعاء نتنياهو والوزراء: من جهة يتباهون بأنهم سيلجمون مساعدة الإرهاب من خلال تجميدهم أموال السلطة التي ما تزال تحبط الإرهاب في الضفة الغربية بالتنسيق مع إسرائيل. ومن جهة ثانية، يوافقون على تحويل المال من قطر ومن مصادر أُخرى إلى سلطة “حماس” في قطاع غزة، التي تواصل علناً مواجهتها مع إسرائيل واستخدام العنف ضدها.
يثير القرار الإسرائيلي الأخير ضغطاً على القيادة الفلسطينية أكثر من عدة خطوات سابقة اتخذتها الإدارة الأميركية لتقليص المساعدة المالية التي تحوّل إلى المناطق [المحتلة]. تهدد السلطة الفلسطينية بوقف كامل لعملية تحويل الأموال بينها وبين إسرائيل. لقد سبق أن نُقل عن عباس قوله إن أموال السلطة ستحوَّل إلى السجناء حتى القرش الأخير، وقبل أي هدف آخر. التنسيق الأمني لن يتوقف لأن استمراره هو أيضاً مصلحة فلسطينية، لكن من المحتمل أن تتخذ السلطة خطوات أُخرى، مثل وقف اللقاءات عبر القنوات غير الأمنية.
الخطر الأساسي هنا هو المنحدر الزلق. في نظر عباس الأولوية الأولى هي تحويل المساعدة إلى أسرى “فتح” من الضفة المعتقلين في إسرائيل. ومن أجل الاستمرار في ذلك من المحتمل أيضاً ، كما سبق أن لمّح، أن يقرر زيادة تقليص الأموال التي يحولها إلى القطاع. بهذه الطريقة يمكن لإسرائيل أن تساعد بصورة غير مباشرة في مفاقمة الوضع في غزة وتسريع تصعيد آخر هناك، بخلاف ما تهدف إليه.
“حماس” ليست مستعدة للاكتفاء بما حققته في الأشهر الأخيرة- زيادة التزود بالكهرباء والأموال المرسلة من قطر، إلى جانب قرار مصر تمديد أوقات فتح معبر رفح. يبدو أن قيادة الحركة تعتقد أن نتنياهو اليوم هو أكثر عرضة للابتزاز على خلفية رغبته في منع وقوع صدام عنيف في القطاع قبل الانتخابات. هذا مزيج متفجر، والعقوبات التي تفرضها إسرائيل حالياً ضد السلطة، وبصورة غير مباشرة ضد “حماس”، يمكن أن تساعد في إشعال هذا المزيج.
يأمل دبلوماسيون أجانب لهم علاقة بالاتصالات مع الفلسطينيين بأن يجد رئيس الحكومة وسيلة لتأجيل تطبيق التقليص، أيضاً بعد القرار الرسمي للمجلس الوزاري المصغر. في هذه الأثناء الوضع على طول السياج في القطاع لا يبشر بالخير. صحيح أن تظاهرات يوم الجمعة الماضية مرت من دون وقوع قتلى، لكن “حماس” تواصل اللعب بالنار. لقد عادت التظاهرات الليلية في القطاع حالياً وهي تتقرر كل يوم بيومه. الحوادث التي تقع خلالها أكثر عنفاً من الأحداث التي تقع يوم الجمعة، وتحت جنح الظلام يجري رشق عبوات ناسفة وزجاجات حارقة كثيرة على الجنود.
أصوات التفجيرات على طول السياج تُسمع جيداً في مستوطنات غلاف غزة وتعيد مجدداً الأجواء المشحونة التي عُرفت خلال فترة البالونات والطائرات الورقية الحارقة التي استمرت طوال أشهر الصيف. ووفقاً لتحذير شعبة الاستخبارات في رئاسة الأركان في الأسبوع الماضي، يمكن أن تتدهور غزة مجدداً بسرعة نحو تصعيد واسع جداً

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole