العقوبات تخنق إيران لكن سقوط نظامها بعيد

العقوبات تخنق إيران لكن سقوط نظامها بعيد
Spread the love

بقلم رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

العقوبات الاقتصادية الموجعة هي سلاح فعال جداً، لكنها تحتاج إلى كثير من الصبر حتى تحقّق النتائج. وحريّ بواشنطن والقدس، اللتين تبثان التفاؤل الآن، تذكُّر النبوءات التي أطلقتاها قبل سبع سنوات بشأن انهيار نظام الأسد. لم تُستدعَ قوات الباسيج لمعالجة التظاهرات بعد، ونحتاج إلى ما بين ستة أشهر وسنة واحدة كي تتضح الصورة

يواجه الاقتصاد الإيراني وضعاً قاسياً وتتفاقم ضائقة سكان الجمهورية الإسلامية. وما من شك في أن العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الإيرانيين ستعمق أزمة الاقتصاد الإيراني وستزيد أوضاع المواطنين سوءاً.
لكن المسافة تبقى طويلة بين هذه وبين انهيار نظام الملالي في إيران، وأصلاً ليس من المضمون سقوط النظام. صحيح أن العقوبات الاقتصادية الموجعة هي سلاح فعال جداً، غير أنها تحتاج إلى كثير من الصبر حتى تحقق النتائج. يمكننا رؤية هذا في غزة، كما في إيران أيضاً.
يجدر بواضعي السياسات في واشنطن والقدس، الذين يبثون في فضاء الإعلام الآن رسائل متفائلة بشأن سقوط حكام إيران قريباً، أن يتذكروا نبوءاتهم بشأن “الانهيار القريب لنظام الأسد” مع اندلاع التمرد السنّي في سورية في سنة 2011.
لا يزال بشار الأسد، الذي كان في وضع أشدّ صعوبة بكثير من وضع الملالي في إيران، على كرسيّه. بل أكثر من هذا، إنه يستعيد السيطرة على بلاده بالتدريج ويواصل ذبح أعدائه بواسطة الروس والإيرانيين. ومن هنا، يتعين علينا اعتماد الحذر الشديد لدى تقويمنا الوضع الناشئ في إيران الآن، وهو وضع حاسم ليس فيما يتعلق بأمن دولة إسرائيل فقط، بل بالاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة.
يمر الاقتصاد الإيراني الآن بوضع قاس وخطر حقاً، لم تستطع حتى العقوبات التي فرضها الرئيس باراك أوباما في الفترة 2010 – 2015 تحقيق ما يماثله. السبب الأول والرئيسي لذلك هو الفساد، والفشل الإداري، وسيطرة “الحرس الثوري” على قطاعات كاملة واسعة من الاقتصاد بما يخدم مصالح أعضائه ومؤيديه. أمّا السبب الثاني فهو أسعار النفط التي هبطت بصورة حادة خلال السنوات الأخيرة، فلم تتح للخزانة الإيرانية الامتلاء من جديد بالوتيرة التي توقّعها الرئيس حسن روحاني. والآن فقط تعود أسعار النفط إلى الارتفاع، بينما سيدخل الحظر الذي فرضه الرئيس ترامب على تصدير النفط الإيراني في حيز التنفيذ في تشرين الأول/أكتوبر القريب.
ثمة سبب ثالث لهذه الضائقة الاقتصادية الإيرانية هو أن رفع العقوبات في إثر توقيع الاتفاق النووي في سنة 2015 لم يؤد إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، مثلما كان الرئيس روحاني وأنصاره يأملون. فالشركات الأوروبية والصينية التي أوفدت ممثلين عنها إلى طهران، زرافات زرافات، لم تبد حماسة لما قُدّم لها من عروض واقتراحات، بل أبدت تخوفاً من الاستثمار في دولة متورطة في حروب ومشاريع تآمرية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كله تقريباً.

الشرطة وحدها تتصدى للمتظاهرين، حتى الآن

تتطلب التوظيفات الاقتصادية حالة من الاستقرار السلطوي والأمني، بينما لا يشجع ضلوع قائد “قوة القدس”، قاسم سليماني، في أعمال إرهابية وفي القتال في سورية المستثمرين الذين لا يحبون المخاطرة ولا يودون وضع أموالهم في مهب الريح.
وثمة سبب رابع أخير أشد خطورة، يتعلق بالجفاف المستمر في إيران منذ بضع سنوات، والذي سبّب نقصاً حاداً جداً في المياه. وقد أدى هذا النقص، مثلاً، إلى تقليص كبير في مساحات الأراضي الزراعية المفلوحة. تقلصت زراعة الفستق الإيراني بنسبة عشرات بالمئة، وهذا انعكس على تدني مداخيل المزارعين ومداخيل الدولة من العملات الأجنبية.
وبالمناسبة، أزمة نقص المياه في إيران ليست ناجمة عن عدم هطول الأمطار وتساقط الثلوج فقط، بل عن تقادم وتهالك البنى التحتية المستخدمة لنقل المياه وتصريفها في إيران، جرّاء قصورات الحكم المحلي. ونتيجة ذلك، ارتفعت معدلات البطالة بصورة حادة، وخصوصاً بين الشباب، فوصلت إلى أكثر من 30%. والأمر الأساسي – على خلفية التوقعات بوقف التداول التجاري بالدولار، هبط سعر صرف الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق. كما تقلصت، في موازاة ذلك، مداخيل ملايين العائلات الإيرانية، إلى النصف أو ما دونه.
التظاهرات لا تشكل خطراً على النظام، حتى الآن

التظاهرات التي يجري تنظيمها خلال الفترة الحالية في مناطق متعددة من البلاد، وبصورة يومية تقريباً، هي نتيجة مباشرة للضائقة الاقتصادية التي أدى هبوط الريال الحاد والفجائي إلى تعميقها على نحو واضح. لكن هذه التظاهرات، كما أشرنا، لا تزال بعيدة عن تشكيل خطر على النظام. فنظام الملالي المحافظ، وعلى رأسه المرشد الأعلى علي خامنئي، يتربع على مواقعه في طهران بأمان واطمئنان.
كيف نعرف ذلك؟ ببساطة متناهية: لم يُقدم النظام بعد على استخدام قوات “الحرس الثوري” أو “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”(“الباسيج”) من أجل قمع الاضطرابات وإخمادها. والباسيج يضم المليشيات المسلحة التي تعمل تحت إمرة “الحرس الثوري” وفي خدمته، علماً بأن قواته هي التي تولت قمع الاضطرابات التي اندلعت في إيران في سنة 2009. تلك الاضطرابات التي عرّضت نظام الملالي المحافظ إلى الخطر آنذاك.
على الرغم من استمرار التظاهرات ضد النظام وسياساته الاقتصادية منذ بضعة أسابيع وانتشارها في العديد من المدن الإيرانية، إلاّ إن النظام لا يزال يكتفي بقمعها، حتى الآن، بواسطة قوات الشرطة فقط، بينما يُبقي “الحرس الثوري” قوات الباسيج في حالة تأهب واستعداد.
ومع ذلك، من الواضح أن النظام يشعر بأنه مهدَّد، وهذا ما يدفعه إلى إطلاق تهديد مضاد. فهو يهدد بإغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب في البحر الأحمر. وهذا ينطوي على تهديد من جانبه بمنع دول الخليج العربية من تصدير نفطها بواسطة الحاويات العملاقة التي يجب أن تعبر هذين المضيقين.
هذا التهديد تسبّب منذ الآن بارتفاع حاد في أسعار النفط في العالم، وهو ما يستغله الإيرانيون بصورة واعية، مدركين أن تهديد مصادر الطاقة في الصين، والهند، والدول الأفريقية والأوروبية هو السلاح الأقوى الموجود في حوزتهم والأكثر مضاء. لكن الإيرانيين لا يستطيعون تهديد الولايات المتحدة، لأن أميركا الشمالية قد حققت استقلالاً في مجال الطاقة منذ وقت غير بعيد. وعلاوة على ذلك، فإن إغلاق مضيقيْ هرمز وباب المندب، بواسطة المتمردين الحوثيين، سيشعل حرباً تكون الولايات المتحدة طرفاً مباشراً فيها، ومن شبه المؤكد أن تنتهي بهزيمة الإيرانيين.
يطلق الإيرانيون تهديداً آخر يتمثل في استئناف مشروعهم النووي، بأقصى الوتائر والزخم. هذا ليس تهديداً فارغاً، إذ إنهم قادرون على فعل ذلك والوصول في مدة زمنية غير طويلة إلى بُعد شهراً – شهرين عن حيازة منشأة أولى للتفجير النووي. لكن، إذا ما فعل الإيرانيون ذلك فسيعرّضون أنفسهم لخطر تنصُّل أوروبا وروسيا أيضاً والصين، وتوقيف هذه الأطراف محاولاتها تقديم العون والمساعدة لهم.
يطلق الإيرانيون تهديدات نحو أوروبا أيضاً ويطالبونها، كما يطالبون روسيا والصين، بتعويضهم عن الخسائر التي سيتكبدونها جرّاء العقوبات الأميركية. وقد خطا الأوروبيون مؤخراً خطوة ونصف الخطوة في اتجاه الاستجابة للمطالبة الإيرانية وتعهدوا بتعويض الشركات الأوروبية التي ستتضرر إذا فرضت عليها الولايات المتحدة غرامات بسبب علاقاتها بإيران. أمّا روسيا والصين فلا تزالان تمتنعان من تقديم مثل هذه التعهدات.
لكن، يبدو أن الإيرانيين لا يثقون بأن الأوروبيين سيقومون بالمهمة نيابة عنهم، على الرغم من أن ثمة مصلحة كبرى الآن لأوروبا – وللصين وروسيا أيضاً – في توجيه ضربة قاسية لترامب. فقد أعلن الرئيس الأميركي، كما هو معلوم، حرباً تجارية على الصين وعلى أوروبا، وهو يفرض عقوبات على روسيا جرّاء اقتطاعها مساحات من الأراضي الأوكرانية، ولهذا فثمة مصلحة لتلك الدول في تقديم العون لإيران، غير أن الشركات الاقتصادية الخاصة – الروسية، الأوروبية والصينية – لا تسارع إلى خوض منازلة مع الاقتصاد الأميركي لمصلحة اقتصاد فاشل كالاقتصاد الإيراني.
يحافظون على صورة متشددة

على الرغم من كل ما ذُكر، لا يزال الإيرانيون يعرضون نحو الخارج، حتى الآن، صورة متشددة، إذ يرفضون قبول العرض الذي قدّمه الرئيس الأميركي ترامب بشأن عقد لقاء ثنائي بينه وبين الرئيس روحاني، لأن أي مفاوضات مع الولايات المتحدة، في إثر انسحابها من الاتفاق النووي وفرض العقوبات، تشكل – من وجهة نظرهم – خطوة استسلامية انهزامية مهينة. عوض ذلك، يعمد نظام الملالي الإيراني إلى استخدام لغة التحدي والتهديد الرامية، بالأساس، إلى إثبات قوة النظام الإيراني أمام مواطنيه وقدرته على مواجهة تهديدات الولايات المتحدة، التي هي “الشيطان الأكبر”.
تثبت التجربة أن الضغط الخارجي يؤدي، أحياناً كثيرة، إلى رص الصفوف الداخلية والتفاف المواطنين حول النظام، على الرغم مما يسببه هذا الضغط لهم من معاناة وآلام. هذا ما يمكننا مشاهدة أدلة عليه في مختلف أنحاء العالم، من قطاع غزة حتى روسيا، من الصعب التكهن الآن بنتائج هذا الضغط النهائية.
تعيش إيران، كما أسلفنا، في وضع اقتصادي قاس وحرج، سيزداد تفاقماً بالتأكيد مع حلول الموجة الثانية من العقوبات في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر القريب. لكن بضعة أمور قد تحدث في هذه الأثناء سيكون من شأنها تعقيد صورة الوضع من أساسها: مثلاً، إذا قام الأوروبيون، الروس أو الصينيون، موقّعو الاتفاق النووي، بوساطة بين إيران والولايات المتحدة تقود إلى توقيع اتفاق جديد يشكّل ما يمكن اعتباره إضافة أو تعديلاً للاتفاق الأصلي الذي جرى توقيعه في تموز/يوليو 2015، وبحيث يتضمن – التعديل/الإضافة – استجابة للمطالب الأميركية، لكن من دون اعتبار ذلك خنوعاً إيرانياً تاماً. يعرف الأوروبيون وفلاديمير بوتين كيف يتوصلون إلى نتائج خلاقة حين يتطلب الأمر ذلك وحين يخدم مصالحهم.
وثمة إمكانات أُخرى هي أن ينفذ الإيرانيون تهديداتهم فيغلقون، فعلياً، المعابر المائية أمام النفط و/أو يستأنفون مشروعهم النووي. لا تزال الاحتمالات كلها مفتوحة، ولذا ستنقضي فترة من الزمن – نصف سنة على الأقل – حتى تظهر تأثيرات العقوبات الخطرة في الاقتصاد الإيراني. لا مكان للتفاؤل السابق لأوانه، إذ إن تغيير نظام الحكم في إيران لا يزال بعيداً.

المصدر: موقع Ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole