الخطاب الانتخابي الحربي يمكن أن يؤدي إلى توتر لا لزوم له

الخطاب الانتخابي الحربي يمكن أن يؤدي إلى توتر لا لزوم له
Spread the love

بقلم رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

توصل رؤساء المؤسسة الأمنية والمجلس الوزاري المصغر إلى خلاصة مفادها أن المناوشات مع “حماس” على السياج الحدودي في صيغتها الحالية هي الخيار الأفضل من أي عملية عسكرية أُخرى في إمكان إسرائيل والجيش الإسرائيلي القيام بها في السياق الغزاوي. هذا الموقف الذي أوصى به الجيش والشاباك وقيادة الأمن القومي، تبناه المجلس الوزاري المصغر. ولهذا السبب، الذي على الرغم من عدم توقف”حماس” عن تصعيد استفزازاتها على السياج، ومواصلتها حفر أنفاق، تقرر عدة مرات في الفترة الأخيرة الامتناع من القيام بعمليات وخطوات عسكرية “جباية ثمن” خطط لها الجيش ومستعد لتنفيذها. وهذا ما حدث أيضاً في جلسة المجلس الوزاري المصغر أول أمس.
بيد أن حكومة إسرائيل الحالية، وبالأساس لاعتبارات تتعلق بالانتخابات، التي هي كما يبدو، على الأبواب، لا تجرؤ على أن تقول للجمهور الإسرائيلي بوضوح أن هذا هو موقفها، ولذلك فرضت على نفسها ضبط نفس محبط. وبدلاً من قول الحقيقة، ففي كل مرة تبالغ “حماس” في استفزازاتها يقوم نتنياهو وليبرمان بتقديم عرض يعبّران فيه عن غضبهما ويقولان إن صبرهما نفذ، أو يوشك على النفاذ، لكنهما يتحفظان فوراً ويضيفان أنهما سيعطيان “فرصة أُخرى” لـ”حماس”.
في مقابلهما هناك وزير آخر في المجلس، نفتالي بينت، يقصد فعلاً ما يقوله عندما يطالب بسحق الغزاويين من الجو؛ لكن في نقاشات المجلس الوزاري المصغر، وبعد أن يستمع إلى رؤساء المؤسسة الأمنية يصبح هو أيضاً أقل حربية مما هو عليه في اشتباكه العلني مع ليبرمان. المشكلة هي أن هذا الخطاب الحربي قبيل الانتخابات، والذي يسود ساحة السياسة الإسرائيلية اليوم له دينامية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد لا ضرورة له، قد يكلفنا ثمناً دموياً باهظاً أكبر من الثمن الذي ندفعه حالياً في مقابل الصدامات على السياج.
حتى بالنسبة إلى السياسي الأشد ميلاً للقتال، من الواضح أن وضعاً يخسر فيه الفلسطينيون أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى نتيجة الصدامات على السياج، ولإسرائيل قتيل واحد وجريح واحد، هو أفضل من وضع يسقط فيه عشرات المصابين بيننا نتيجة عملية عسكرية – برية يقوم بها الجيش في قطاع غزة، ويهرع خلالها جميع سكان جنوب إسرائيل ووسطها إلى الملاجئ عدة ساعات. وبالإضافة إلى ذلك، يكبح الجيش الاشتباكات على الجدار حالياً بواسطة طواقم صغيرة من القناصة، وعدد من كتائب المقاتلين، وعدد قليل من الدبابات ومن الطائرات من دون طيار، وبتكلفة مالية غير استثنائية، وهي عادية في مجال الأمن الجاري.
في مقابل ذلك، في أي عملية عسكرية، حتى لو استمرت أقل من 50 يوماً (مثلما استمرت عملية “الجرف الصامد”) سيضطر الجيش إلى تعبئة الاحتياطيين، واستخدام مدرعات واستهلاك مخازن الذخيرة وقطع الغيار. وكل ذلك من شأنه أن يكلف مليارات الشيكلات.
علاوة على ذلك، يستمر العمل حالياً في بناء العائق على الحدود مع القطاع من دون إزعاج، ومن المعقول الافتراض أنه بعد الانتهاء من العائق بعد نصف سنة، فإنه سيقدّم رداً جيداً أيضاً على مشكلة الأنفاق الهجومية. وعملية عسكرية ستعرقل الجدول الزمني لتطبيق هذا المكوّن الدفاعي – الاستراتيجي. وأيضاً لم نتحدث عن إمكان نشوء اضطرابات عنيفة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] نتيجة صرخات الاستغاثة التي ستأتي بالتأكيد من القطاع، وبصورة خاصة يجب أن نأخذ في الحسبان إمكان أن يحاول الإيرانيون وحزب الله ونظام الأسد في جبهتي سورية ولبنان استغلال انشغال الجيش في القطاع لتعظيم قوتهم العسكرية، أو حتى للقيام بعملية هجومية.
ماذا ستحقق عملية عسكرية في غزة؟

أيضاً على المستوى الدولي، ستضطر إسرائيل إلى خوض مواجهة غير سهلة على عدة جبهات، قانونية، إعلامية – دبلوماسية وتوعوية، إذا شنّت عملية كبيرة على القطاع. والسؤال الكبير هو: ما الهدف؟ ماذا سنحقق عندما سندخل إلى هناك، ولم نحققه في العمليات السابقة؟ اذا كنا نريد بضع سنوات من الهدوء للمستوطنات في النقب، وخصوصاً في غلاف غزة، يمكننا أن نحقق ذلك من خلال الوساطة المصرية وموفد الأمم المتحدة.
تعتقد إسرائيل، ومن دون أي علاقة بما يجري على السياج، أن عليها أن تفعل كل ما في وسعها من أجل التخفيف من الضائقة المدنية في غزة والحؤول دون نشوء أزمة إنسانية في القطاع، وذلك بشرط ألاّ تستغل الذراع العسكرية في “حماس” فتح المعابر والتسهيلات لزيادة قوتها العسكرية.
عندما نقوم بهذا الحساب العقلاني وغير الانفعالي من السهل أكثر أن نتساهل تجاه الكرامة الجريحة وأن تسيطر على الغضب ونقرّ بأن الاشتباكات مع المشاغبين على السياج، وإطفاء الحرائق، واستيعاب الأضرار غير الكبيرة التي تتسبب بها البالونات الحارقة والمواد الناسفة، وتحمل دخان الإطارات المزعج في مستوطنات غلاف غزة، هي أفضل بكثير من الأثمان التي سيضطر الجيش إلى دفعها إذا خاض معركة كبيرة في القطاع في الوقت الحالي.
العيب الوحيد للامتناع من توجيه ضربة عسكرية قوية إلى “حماس” في الوقت الحالي هو تآكل الردع. وهناك مؤشرات واضحة تدل على حدوث ذلك. في الأيام الأخيرة تتجرأ “حماس” أكثر، وأصبحت أقل حذراً في استفزازاتها لإسرائيل، مفترضة أن الأخيرة لن تجرؤ على العمل ضدها. ومن المحتمل أن تستنتج “حماس” نتيجة هذا الوضع استنتاجات غير صحيحة، وأن تقوم بعملية خطف.
لذلك يجب الحرص على المحافظة على اليقظة كي لا يستغل المشاغبون على السياج الانتشار العسكري الضئيل نسبياً للجيش الإسرائيلي حالياً على السياج مع القطاع من أجل القيام بعملية تسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، وخطف جنود ومدنيين لاستخدامهم أوراق مقايضة، والقيام بهجمات على المستوطنات القريبة من السياج بواسطة الأنفاق التي ما زالت لديهم.
من المهم أن يتوقف وزراء المجلس الوزاري المصغر، وخصوصاً نتنياهو وليبرمان، عن إطلاق التهديدات لإرضاء قاعدتهما الانتخابية، وعليهما التركيز على الحوار العملي والمتواصل مع كبار المسؤولين في رئاسة الأركان والشاباك للتأكد من الاستعداد والجاهزية لحدوث تحوّل في الوضع.
إن الوقت الذي ستوجه إسرائيل فيه ضربة قاسية إلى “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي في القطاع سيأتي على ما يبدو، لكن ذلك يجب أن يجري فقط بعد أن يكون واضحاً أن جميع وسائل التسوية السياسية قد فشلت بصورة نهائية. في مثل هذا الوضع، الذي نحن قريبون منه جداً الآن، لن يبقى في جعبة “حماس” وإسرائيل سوى الخيار العسكري لاستخدامه كأداة للخروج من النفق المسدود والدموي والمرهق. حينها فقط عملية عسكرية للجيش في غزة ستكون فعلاً “حرباً لا مفر منها”.

عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole