هآرتس: لا تقاطعوا، انتخبوا القائمة المشتركة

هآرتس: لا تقاطعوا، انتخبوا القائمة المشتركة
Spread the love

عميره هاس – مراسل المناطق المحتلة/

هذا توسّل موجه إلى أصدقائي الفلسطينيين، من مواليد إسرائيل، وحَمَلة الجنسية الإسرائيلية على الرغم منهم، الذين ينوون عدم المشاركة في الانتخابات القادمة: أرجوكم أن تصوتوا، صوتوا مع القائمة المشتركة. إنه الحزب الوحيد الذي بمجرّد وجوده، وعلى الرغم من تناقضاته الداخلية ونزاعاته وضعفه، يقف في مواجهة أوهام الطرد النهائي الخطرة والمختلّة التي تنضج في المجتمع الإسرائيلي – اليهودي. إن أهمية القائمة المشتركة وقيمتها في المنعطف السياسي – التاريخي الحالي أهم بكثير من كل الصفات والعيوب والإخفاقات البشرية لممثليها وممثلاتها.
التصويت في الانتخابات ليس خطوة اعتراف بالدولة التي فُرضت عليكم، بل على العكس؛ فمن خلال تصويتكم أنتم تفرضون عليها وعلى مؤسساتها الاعتراف بكم كمواليد هذا البلد. أنتم تفرضون على مواطنيها اليهود، الذين ينكرون التاريخ، الاعتراف، ولو ضمناً، بأن حقوقكم فيها لا تنبع من جوهر وجودها ومن قانون العودة، بل من جذوركم العميقة في البلد. اليمين، الذي هو حالياً يمثل أغلبية الشعب الإسرائيلي – اليهودي، يرغب في كنيست خال من الممثلين الحقيقيين للسكان الفلسطينيين. لماذا نفعل ما يريده، لماذا نكون ألعوبة بيديه؟ لماذا لا تقرروا: هذه المرة سنواجه هذا اليمين الخطر من خلال نسبة تصويت أعلى من المعتاد.
التحريض ضد الفلسطينيين الذي يشعله بنيامين نتنياهو وأداوته بمهارة، لا يهدف إلى ضمان أغلبية برلمانية من أجل حصانته القانونية فحسب، بل هو تحريض أصيل ويأتي مباشرة من قلوبهم. في نظرهم، الفلسطينيون في طرفي الخط الأخضر هم سكان لا لزوم لهم. ويثير تمثيل مواطنين فلسطينيين في الكنيست جنونهم. والغرض من التحريض ضدهم والأكاذيب بشأنهم هو طردهم من الشأن العام ومن السياسة. فمثل هذا الغياب عن الساحة السياسية سيمهد لطرق أُخرى للتخلص منهم، حتى لو كانت غير مخطط لها.
لكن الواقع أقوى من عواطف اليمين الإسرائيلي وأوهامه. المواطنون والمواطنات الفلسطينيون والفلسطينيات، وبخلاف إخوانهم وأخواتهم وراء الخط الأخضر، هم جزء من الشأن العام في إسرائيل. وعلى الرغم من كل المحاولات، غير صحيح أنه لا لزوم لهم في اقتصادها ومجتمعها، بل على العكس هم ضروريون جداً. ومن دون إنكار التمييز البنيوي في الأجر وفي فرص العمل، أنتم تعملون وتكسبون رزقكم في إسرائيل، على الرغم من أن الأكثرية بينكم تشعر بغربة عميقة في كل مؤسساتها. ولقد تجلت الأهمية الفلسطينية في وعي الأغلبية الإسرائيلية من خلال العدد الكبير من عمال البناء الذين قُتلوا أو جُرحوا في حوادث عمل – أغلبيتهم من الفلسطينيين. أنتم تدفعون الضرائب، وهذه تمول استمرار أعمال القمع والنهب على طرفي الخط الأخضر. أنتم تعلمتم في مؤسسات تعليم هذه الدولة، ولديكم حضور مهم وبارز في مهن حيوية، مثل الطب والتمريض والمحاماة والفنون التشكيلية والمسرح والسينما. أنتم تدفعون للضمان الصحي وتحصلون عند الحاجة على علاج طبي في مستوصفات عامة تثير إشكالية لكنها لا تزال تعمل.
باختصار، الواقع مليء بالتناقضات، والإنسان يتعايش معها. وهنا بعض الأمثلة: أنتم تسافرون إلى الخارج بجوازاتكم الإسرائيلية، ووضعكم كمواطنين يمنع إسرائيل من مصادرة هذا الجواز – كما تستطيع أن تفعل في أي لحظة مع الفلسطينيين في القدس، وكما فعلت مع مئات آلاف السكان في قطاع غزة والضفة الذي سافروا إلى الخارج، وكما تريد أن تفعل معكم، لكنها لا تستطيع. الجنسية الإسرائيلية لا تتيح لكم تحقيق حقكم في حرية التنقل بين البحر والنهر (الممنوعة على سكان الضفة والقطاع) فحسب، بل أيضاً حرية الذهاب إلى ما وراء البحار. أنتم تعرفون الصعوبات التي يواجهها فلسطينيون آخرون من أجل الحصول على فيزا للسفر إلى دول أوروبية، وإلى الولايات المتحدة وكندا، وأيضاً إلى دول آسيا. كثيرون منكم يحصلون على هذه الفيزا.
يتعين على الطرفين التغاضي عن التناقضات. الدولة لا تعتبر أن هذه المواطنية مساوية وتتمنى أن تختفوا، وهي مضطرة إلى القبول بوجودكم المغيَّب فيها. مع كثير من الأدلة التي تشير إلى أنها غير معنية بكم (طريقة التعامل المهين في مطار بن – غوريون مثلاً)، ومع أدلة على عدم نجاحها. أنتم هنا. وأنتم أيضاً عليكم أن تتغاضوا عن أمور مثل أن الدولة لا تمثلكم، وقد تشعرون بالرضا جرّاء عدم التصويت، لكنكم أنتم هنا جزء من المجتمع. وأي بادرة رمزية لن تغير هذا.
لست أوهم نفسي. إن وجود قائمة عربية قوية في الكنسيت لا يستطيع أن يلجم وحده أوهام الطرد التي ينمّيها إسرائيليون – يهود، كما أظهر قانون القومية، لكن من دون وجود قوي للقائمة في الكنيست، ستصبح عمليات الطرد بشتى أنواعها أسهل بكثير.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole