نيويورك تايمز: بايدن وشي يسعيان لتنظيم الخلافات في عصر المواجهة

نيويورك تايمز: بايدن وشي يسعيان لتنظيم الخلافات في عصر المواجهة
Spread the love

شؤون آسيوية-  قالت صحيفة “نيويورك تايمز”  الأميركية إنه بعد أسابيع قليلة من وضع كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، رؤى متنافسة حول كيفية تنافس الولايات المتحدة والصين على التفوق العسكري والتكنولوجي والسياسي، سيختبر أول اجتماع لهما وجهاً لوجه مع كبار القادة ما إذا كان يمكنهم وقف دوامة الهبوط التي أوصلت العلاقات إلى أدنى مستوى منذ أن بدأ الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون الانفتاح على بكين قبل نصف قرن.

عقد اجتماعهم اليوم الاثنين في إندونيسيا بعد أشهر من تلويح الصين بإمكاناتها العسكرية لخنق تايوان، وفرضت الولايات المتحدة سلسلة من ضوابط التصدير الموضوعة لتعطيل قدرة الصين على إنتاج رقائق الكمبيوتر الأكثر تقدماً، اللازمة لأحدث معداتها العسكرية، والحاسمة للمنافسة في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.

وأضافت الصحيفة أنه مما يضاعف التوتر بين البلدين، “شراكة بكين مع موسكو، والتي ظلت صامدة حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة، التي نددت بها إدارة بايدن، غامضة جداً إلى درجة أن المسؤولين الأميركيين يختلفون حول طبيعتها الحقيقية”. وسواء كانت شراكة مصلحة أو تحالفاً قوياً، فإن بكين وموسكو تشتركان في مصلحة متزايدة في إحباط الأجندة الأميركية، كما يعتقد الكثيرون في واشنطن. في المقابل، يرى كثيرون في الصين أن الجمع بين ضوابط التصدير الأميركية ودعم حلف الناتو لأوكرانيا بمثابة نذير لكيفية محاولة واشنطن احتواء الصين، وإحباط مطالبها بتايوان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي.

وقال إيفان ميديروس، الأستاذ بجامعة جورجتاون والذي كان كبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لشؤون آسيا والمحيط الهادئ: “هذه القمة هي بمعنى ما أول قمة للقوى العظمى في النسخة الجديدة والمحسّنة للحرب الباردة. فهل سيناقش الزعيمان، ولو ضمناً، شروط التعايش وسط المنافسة؟ أو هل سيطلقون كلاب التنافس غير المقيد؟”.

وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأميركيين يخففون من التوقعات بشأن القمة مع الرئيس شي، وقد أبلغوا المراسلين مؤخراً أنهم لا يتوقعون ظهور بيان مشترك حول نقاط الاتفاق. ومع ذلك، ستحلل واشنطن ما يقوله الرئيس شي علناً وسراً، خاصة بشأن روسيا وأوكرانيا وتايوان.

في هذا الشهر، أخبر السيد شي المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارته بكين، أن الصين تعارض “التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها”، وهو توبيخ ضمني ولكن علني على نحو غير عادي لرئيس روسيا فلاديمير بوتين، بحسب الصحيفة.

وأشار أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية إلى أنه إذا لم يستطع الرئيس الصيني قول شيء مماثل لرئيس أميركي بجانبه، فسيكون ذلك أمراً معبّراً. إذ تنظر الصين إلى روسيا كثقل موازن حيوي للقوة الغربية، وقد يتردد شي في انتقاد بوتين أمام بايدن.

وقال هو وي، الباحث في السياسة الخارجية في شنغهاي: “إذا استخدم بوتين الأسلحة النووية، فإنه سيصبح عدواً عاماً للبشرية، وتعارضه جميع الدول، بما في ذلك الصين”. لكنه أضاف: “إذا سقط بوتين، ستركز الولايات المتحدة والغرب بعد ذلك على الاحتواء الاستراتيجي للصين”.

بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، فإن العلاقة بين شي وبوتين هي موضوع نقاش داخلي أميركي. وقال كولين كال، المسؤول الثالث في البنتاغون، للصحافيين يوم الثلاثاء الماضي إن القادة الصينيين “كانوا أكثر استعداداً للإشارة إلى أن هذا الشيء يتجه نحو تحالف بدلاً من مجرد شراكة سطحية”. ويبدو أن بايدن يشكك بالأمر، فقد قال في اليوم التالي: “لا أعتقد أن هناك الكثير من الاحترام الذي تكنه الصين لروسيا أو لبوتين”.

وقالت “نيويورك تايمز” إن شي وبايدن تحدثا عبر الهاتف خمس مرات في الأشهر الثمانية عشر الماضية، لكن لقاء اليوم سيكون مختلفاً. وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، في البيت الأبيض الخميس، إنه للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة، سيجلس بايدن “في نفس الغرفة مع شي جين بينغ، وسيكون مباشراً وصريحاً معه كما هو دائماً، ويتوقع نفس الشيء في المقابل من شي”. وأضاف: لا يوجد بديل لهذا النوع من التواصل بين قائد وقائد وإدارة مثل هذه العلاقة التي تنتج عنها تبعات.

خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبحت رحلات الرؤساء الأميركيين إلى بكين والرؤساء الصينيين إلى واشنطن شائعة نسبياً. وكثيراً ما كان يتم موازنة التبادلات المتوترة بشأن النزاعات بوعود بالتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، سواء أكانت تغيّر المناخ أو احتواء البرنامج النووي لكوريا الشمالية. حالياً، من الصعب تخيّل اجتماع يعقد في أي من العاصمتين، خاصة وأن الصين لا تزال تحت القيود المشددة لوباء كوفيد.

وأشارت الصحيفة إلى أن للقمم على أرض محايدة، مثل القمة التي عُقدت في بالي قبل اجتماع زعماء مجموعة العشرين، شعوراً متزايداً بالحرب الباردة: يتعلق الأمر بإدارة الصراع المحتمل أكثر من إيجاد أرضية مشتركة. ويعني انعدام الثقة الشديد أنه حتى الاستقرار والتعاون على المدى القصير بشأن التحديات المشتركة، مثل وقف الأوبئة، يمكن أن يكون هشاً.

وقالت الصحيفة إن أياً من الجانبين لم يسمِّها الحرب الباردة، وهو مصطلح يستحضر عالماً منقسماً بين المعسكرين الغربي والسوفياتي المليئين بالترسانات النووية. والاختلافات حقيقية بين تلك الحقبة وهذا العصر، مع التدفقات التجارية الهائلة والتجارة التكنولوجية بين الصين والقوى الغربية. إذ يتم تجميع جهاز الأيفون من شركة آبل والعديد من العناصر الأساسية الأخرى في الحياة الأميركية بالكامل تقريباً في الصين. وبدلاً من محاولة بناء كتلة رسمية من الحلفاء كما فعل السوفيات، سعت بكين للتأثير على الدول من خلال المشاريع الكبرى التي تخلق التبعية، بما في ذلك توصيلها بشبكات اتصالات صينية الصنع. ومع ذلك، فإن التصريحات المحيطة بتعيين شي زعيماً لولاية ثالثة واستراتيجيات بايدن الجديدة للأمن القومي والدفاع والسياسة النووية قد وصفت حقبة من عدم اليقين العالمي المتزايد الذي زاد من حدة المنافسة – الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والسياسية – بين بلديهما.

وأضافت أن القلق تضاعف بسبب خطط الصين لتوسيع وتحديث ترسانتها النووية التي لا تزال محدودة نسبياً إلى واحدة يمكن أن تصل إلى 1000 رأس حربي على الأقل بحلول عام 2030، وفقاً للبنتاغون. بينما ترى الصين تهديدات في المبادرات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، بما في ذلك مقترحات للمساعدة في بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية لأستراليا.

وقال البروفيسور ميديروس: “قد لا تكون الحرب الباردة، .. كما في إعادة التجربة الأميركية السوفيتية.. بسبب القدرات الكبيرة للصين ونفوذها العالمي، ستكون هذه الحرب الباردة أكثر تحدياً من نواح كثيرة من السابقة”.

أصدرت إدارة بايدن الشهر الماضي قيوداً جديدة واسعة النطاق على بيع تكنولوجيا أشباه الموصلات إلى الصين، مع التركيز على الآلات التي تقدر بملايين الدولارات اللازمة لصنع الرقائق بأصغر الدوائر وأسرع السرعات. لقد كان جهداً واضحاً لإبطاء تقدم الصين في أحد المجالات التكنولوجية القليلة التي لا تزال الصين تحاول اللحاق بالركب فيها.

في وثيقة من 48 صفحة لاستراتيجية الأمن القومي، كتب بايدن أن الصين “هي الدولة الوحيدة التي لديها نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، ولديها بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف”. وبعد أسابيع، أعلنت ورقة “استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية” أن الصين “تظل المنافس الإستراتيجي الأكثر أهمية لنا خلال العقود المقبلة”.

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن مخاطر العلاقات الأميركية الصينية قد ارتفعت بعد أن حصل الرئيس شي، 69 عاماً، على فترة ثالثة مدتها خمس سنوات كزعيم للحزب الشيوعي في تشرين الأول / أكتوبر، وبعد وضعه تشكيلة قيادية مخلصة بشدة له، من المرجح أن تبقيه في السلطة لفترة أطول من ذلك. ففي مؤتمر الحزب الشيوعي الذي توّجه، حذر الزعيم شي من عالم محفوف بالمخاطر بشكل متزايد، حيث يحاول الأعداء المجهولون – ضمناً، الولايات المتحدة وحلفاؤها – “الابتزاز والاحتواء والحصار وممارسة أقصى قدر من الضغط على الصين”.

منذ ذلك الحين، كرر شي ومسؤولوه تحذيرات مماثلة. فخلال زيارته مركز قيادة جيش التحرير الشعبي، قال شي للجيش الصيني، وهو مرتدياً الزي العسكري، أن عليه أن يتصدى لمواجهة التحديات المتزايدة. وكتب دينغ زوكسيانغ، أحد كبار مساعدي الرئيس تشي، في صحيفة “الشعب”، الصحيفة الرئيسية للحزب، أن “القوى المعادية” عازمة على عرقلة صعود الصين.

وجاء في مقال في صحيفة “غوانغمينغ دايلي”، وهي صحيفة حزبية بارزة أخرى، أن “الولايات المتحدة تعتبر بلدنا منافسها الاستراتيجي الرئيسي وأخطر تحدٍ طويل الأمد، وهي تبذل قصارى جهدها لاحتوائنا وضربنا”.

أشار خطاب شي أمام مؤتمر الحزب الشهر الماضي إلى أن تقييمه للاتجاهات الدولية أصبح أكثر قتامة. قد يعكس هذا التحول مخاوف بشأن تداعيات الحرب في أوكرانيا، وتلاشي الآمال في أن يتخذ بايدن نهجاً أكثر اعتدالًا تجاه الصين مما فعلته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد أصبح دعم إدارة بايدن لتايوان نقطة حساسة. ففي أوائل آب / أغسطس الماضي، أطلقت الصين مناورات عسكرية حول تايوان بعد أن زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الجزيرة كإظهار للدعم لها. وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستدعم تايوان عسكرياً إذا حاولت الصين أخذها بالقوة، وبصياغة أقوى من الموقف الرسمي لواشنطن. ففي كل مرة تحدث فيها بايدن عن التدخل المباشر في الدفاع عن تايوان، سارع مساعدوه إلى التأكيد على أن السياسة الأميركية لم تتغير، في حين أن عدم إظهارهم الخلاف مع بايدن جعلها أقل غموضاً.

وقال هو، الباحث في السياسة الخارجية: “الفرق بين بايدن وترامب هو أن ترامب أراد محاربة الصين بمفرده. على النقيض من ذلك، فإن بايدن يولي أهمية خاصة للتحالفات في المنافسة الاستراتيجية مع الصين”.

وأشار سوليفان، مستشار الأمن القومي، إلى أن إدارة بايدن ستطلع تايوان على نتائج الاجتماع مع الرئيس شي.

وعلى الرغم من الاختلافات بينهما، يريد بايدن وشي تجنب التوترات المكبوتة التي تنفجر في أزمة يمكن أن تعيث فوضى اقتصادية.

وقال بايدن للصحافيين في البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي بشأن علاقته بالرئيس شي: “لقد قلت له: إنني أبحث عن المنافسة وليس عن الصراع”.

تعود علاقاتهما إلى أكثر من عقد من الزمان، عندما كان كلاهما نائباً للرئيس.

قال بايدن إنه وشي قد يناقشان “ما يعتقد أنه يصب في المصالح الوطنية الحاسمة للصين، وما أعرف أنه المصالح الحاسمة للولايات المتحدة، ولتحديد ما إذا كانتا تتعارضان مع بعضهما البعض أم لا. وإذا كانت كذلك، فكيف يتم حلها.

وأوضحت الصحيفة أنه قبل الاجتماع، اتخذ الزعيم شي أيضاً سلوكاً أكثر ودية إلى حد ما. وأخبر اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين أنه يريد “إيجاد الطريق الصحيح للتوافق”. وكرر تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هذه النقطة في إحاطة دورية يوم الجمعة الماضي، وقال إن بكين ستدافع عن “سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية”، بينما أضاف أن الولايات المتحدة والصين يجب أن تتحركا لإدارة الخلافات والسيطرة عليها بطريقة مناسبة وتعزيز التعاون متبادل المنفعة.

ورأت “نيويورك تايمز” أن شي يريد إعادة نمو الصين إلى المسار الصحيح بعد الضربات الشديدة من قيود كوفيد والمشاكل في سوق الإسكان. كما أنه يريد منع القواعد الأكثر صرامة على مشتريات التكنولوجيا المتطورة، والتي يمكن أن تخيف المستثمرين وتبطئ خططه لتطوير الاقتصاد.

وقال أندرو سمول، مؤلف كتاب “بلا حدود: القصة الداخلية لحرب الصين مع الغرب”: إن شي يستعد لمجموعة من التوترات والصراعات، لكن الصين لن تصلح جميع نقاط الضعف في نظامها – في القطاع المالي، والتعرض الهش لنظام الدولار الأميركي، والتعرض الهش بسبب الاعتماد على التكنولوجيا – في غضون سنوات قليلة فقط. وأضاف: “إنهم يريدون منع هذا من الانزلاق بعيداً وبسرعة كبيرة جداً، وقد تكون هذه لحظة لاستكشاف ما إذا كان بإمكانهم تحقيق الاستقرار في الأمور”.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole