روسيا تحاول الاستحواذ على عملية السلام في الشرق الأوسط

روسيا تحاول الاستحواذ على عملية السلام في الشرق الأوسط
Spread the love

بقلم: ميكي أهرونسون – رئيسة شعبة السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، وباحثة في معهد القدس للاستراتيجيا والأمن —

في أول تصريحاته كرئيس للحكومة الفلسطينية أشار محمد اشتية إلى أن دولاً أُخرى وعلى رأسها روسيا ستؤيد معارضة الفلسطينيين إدارة ترامب بشأن “صفقة القرن”. ولم يكن صدفة أن اشتية ذكر روسيا قبل كل الدول الأُخرى.
على مر السنين كررت روسيا الإعراب عن اهتمامها بالتدخل في تسوية النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني لاعتبارات إقليمية وعالمية، بينها رغبتها في استعادة مكانتها كدولة عظمى. هذا هو السبب الذي دفع وزير الخارجية الروسي لافروف إلى طرح فكرة إجراء مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في موسكو. وخلال سنوات اقترحت موسكو أكثر من مرة الدفع قدماً بتسوية من خلال عقد مؤتمر في موسكو، لكن إسرائيل فضلت أن تظل قيادة العملية السياسية في يد الولايات المتحدة. ويكشف تجدُّد الاهتمام الروسي الحالي بالنزاع سعي موسكو للتموضع في الشرق الأوسط، كوسيط على خلفية تراجُع مكانة الولايات المتحدة في العالم العربي. مثل هذا التحرك هو في نظر روسيا بمثابة ربح صاف: تكلفته تكاد لا تُذكر بينما فوائده المتوقعة من أجل الدفع قدماً بمكانة روسيا في العالمين العربي والإسلامي، واضحة بالنسبة إلى الكرملين.
يتجلى سعي روسيا لتحقيق وضع الوسيط الدولي في مبادرات وكلام بهدف تصوير نفسها كعنصر ضروري في أي عملية تسوية. يظهر هذا الأمر دائماً في آن معاً وفور نشر مبادرات أميركية. ففي سنة 2017 مثلاً، ومع تقدم المباحثات بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أعلنت روسيا رغبتها، كعضو في اللجنة الرباعية، في الدفع قدماً باتفاق. وفاجأت موسكو العالم بإعلان اعترافها بالقدس الغربية كعاصمة رسمية لإسرائيل، من دون اشتراط ذلك بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ترافق ذلك مع تأييد روسيا المفاوضات المباشرة والإعراب عن اهتمامها بتقديم المساعدة للتوصل إلى اتفاق. وشدد الإعلان على أهمية دور روسيا بسبب عضويتها في اللجنة الرباعية وفي مجلس الأمن.َ وانتقد لافروف أيضاً “صفقة القرن”، مشدداً على التزام روسيا بحل سلمي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية.
في الأشهر الأخيرة، ومع تكاثر الكلام عن “صفقة القرن”، كثفت موسكو مساعيها من أجل الدفع قدماً بمصالحة فلسطينية داخلية، عبر تكرار دعوتها الفصائل الفلسطينية إلى إجراء محادثات في موسكو. “حماس” المستبعَدة بدرجات متعددة من جانب وسطاء كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تريد روسيا أن تلمح لها إلى أنها مستعدة لإجراء حوار، سواء مع السلطة الفلسطينية في الضفة أو مع الحكم في غزة.
على سبيل المثال في الشهر الماضي، ذهب مندوبو “حماس” إلى موسكو حيث تسنت لهم فرصة لعرض خطة بديلة لحل النزاع، بين مبادئها الأساسية معارضة “صفقة القرن” ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه المبادىء ليست مهمة لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، فإن طرحها في موسكو يعزز سردية أن موسكو تحتل الصدارة لأداء دور الوسيط الوحيد القادر على التحاور مع كل الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً عندما تكون هذه الفصائل المختلفة موحدة في معارضتها “صفقة القرن”.
يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل الافتراض، بالاستناد إلى تجربة الماضي، أنه عندما سيقترب موعد تقديم “صفقة القرن” سيجري مساران: الأول، من المحتمل أن يؤدي تجاهل روسيا إلى محاولة روسية لتجنيد لوبي عربي ودولي معارض لاقتراح الولايات المتحدة. ثانياً، من المحتمل أن تدفع روسيا قدماً ببدائل خاصة بها لحل النزاع، يمكن أن يرى فيها الفلسطينيون أساساً للمفاوضات، مثل عقد مؤتمر في موسكو، أو عبر مسار اللجنة الرباعية أو منصة أُخرى تضم روسيا كعضو في “نادٍ” دولي.
في مثل هذا الوضع، هناك احتمال حدوث سيناريو تبدو فيه إسرائيل، وليس الفلسطينيون، هي الطرف الذي يرفض الدفع قدماً بالحل، وخصوصاً في ضوء حقيقة أن الخطة التي عرضتها “حماس” في موسكو غير مجدية من وجهة نظر إسرائيل. على ما يبدو، لو أُتيح تشكيل إطار دولي للحل يشمل روسيا، مثل اللجنة الرباعية، قد ينجح ذلك. لأن روسيا تملك حالياً نفوذاً كبيراً في الشارع العربي، وترغب بشدة في الانضمام إلى “نادي” الدول المرموقة.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هَيوم”، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole