انتخابات في ظل التهديد السيبراني والتحوّل الرقمي في الجيش الإسرائيلي

انتخابات في ظل التهديد السيبراني والتحوّل الرقمي في الجيش الإسرائيلي
Spread the love

بقلم: عمير رابابورت – محلل عسكري إسرائيلي —

كانت الانتخابات الإسرائيلية العامة الأخيرة [جرت يوم 9 نيسان/أبريل 2019] معركة أدّى فيها النشاط السيبراني دوراً أكبر مما كان في أي وقت سابق، وكان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير. وتبدو الوجهة واضحة منذ الآن: في الانتخابات المقبلة ستؤدي السيبرانية دوراً أكثر جدية وفاعلية بكثير.
أي تأثير كان للنشاط السيبراني على انتخابات 2019 حقاً؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب التمييز بصورة واضحة بين أحداث سيبرانية أساسها حدوث اختراقات غير مسموح بها لمنظومات حواسيب وسجلات معلومات، في محاولة لتشويش سير العملية الانتخابية أو التأثير فيها، وبين نشاطات غير “اختراقية” لكنها تحدث في الفضاء السيبراني حيث ملايين الأشخاص متصلون بعضهم ببعض وحيث يجري الجزء الأساسي من المعركة الانتخابية.
لنبدأ بأحداث سيبرانية في صلبها الاختراق: نظراً إلى كون الفضاء السيبراني مجالاً حديثاً نسبياً، ولم تجرِ في إسرائيل من قبل انتخابات عامة كانت تؤدي فيها السيبرانية دوراً بهذه الأهمية، فقد جرت عملية تنظيم الحماية السيبرانية بين الهيئات المتعددة “في أثناء الحركة” ولم تكن واضحة تماماً حتى النهاية.
كانت حماية المعركة الانتخابية، بصورة عامة، تحت مسؤولية وإشراف “الجهاز القومي للسيبرانية”، وهو عبارة عن جسم تابع لديوان رئاسة الحكومة ومسؤول عن تشغيل “المركز القومي للحماية السيبرانية”– CERT باللغة المهنية ـ ومقره في مدينة بئر السبع [جنوب إسرائيل].
قرر رئيس “الجهاز القومي للسيبرانية”، يغئال أونا (الرئيس السابق لقسم السيبرانية في جهاز الأمن العام- “الشاباك”)، منذ البداية، عدم تعامل “الجهاز” مع أي نشاط “رمادي” يجري في شبكات التواصل الاجتماعي، مثل تشغيل “بوتات” [ذباب إلكتروني] تحاول التأثير في الرأي العام بواسطة حسابات شخصية مفبركة، بل أن يركز جهوده في منع حدوث اختراقات لمنظومات المعركة الانتخابية المحوسبة ولمقرات الأحزاب المشاركة في الانتخابات.
جهاز “الشاباك” كما دائماً هو المسؤول عن توفير الحماية من أي عناصر أو جهات معادية، إذ إن أي تشويش للمعركة الانتخابية بواسطة جهة أجنبية قد يُعتبر “عملية عدائية” بكل معنى الكلمة. في المقابل تعاقدت لجنة الانتخابات المركزية التي تعمل كجسم مستقل، مع بوكي كرملي الذي كان مديراً لـ”السلطة القومية للسيبرانية” التي تم حلها سنة 2018 ودمجها ضمن “الجهاز القومي للسيبرانية”، ليكون مستشاراً خاصاً لها للشؤون السيبرانية. كان كرملي الشخص الوحيد الذي تطرق إلى موضوع السيبرانية والانتخابات بصورة علنية، وذلك حين قال: “بالتعاون مع المديرة العامة للجنة الانتخابات، قمنا بتشخيص وترسيم أربع منظومات مختلفة مرتبطة بعائلة السيبرانية ـ التخزين، المعلومات، الاتصال والتوزيع، وإن حمايتها لأمر حيوي جداً خلال التحضير للانتخابات، خلال الانتخابات نفسها وبعدها أيضاً”.
أخذت لجنة الانتخابات المركزية على عاتقها المسؤولية عن معالجة المجال الرمادي، فألزمت جميع الأحزاب بالكشف عن هويتها لدى نشر أي مادة دعائية من طرفها، بما في ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، في مسعى منها لمحاربة الـ”بوتات”.
هاتف بني غانتس

في وعي الجمهور الواسع احتل موضوع السيبرانية العناوين في سياق الحديث عن الانتخابات لأول مرة في كانون الثاني/ يناير، حين حذر رئيس “الشاباك” نداف أرغمان من خطر تدخل دولة أجنبية في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
كان أرغمان، على ما يبدو وكما كُشف لاحقاً، يقصد إيران واختراق الهاتف الشخصي لبني غانتس [الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة]. وحتى اللحظة التي كشف فيها الصحافي عميت سيغال عن هذا الاختراق، ضمن النشرة الإخبارية في قناة التلفزة الثانية سابقاً، كانت المعلومات عنه معروفة لدى عدد قليل جداً من الأشخاص، كمادة “سوداء” بالأساس ـ أي أن التقارير بشأنها قد تم تناقلها على درجة عالية جداً من السرية، بينما جرى “تسويد” اسم غانتس ولم يكن في الإمكان معرفة هوية الشخص المعني. وقد كان هناك، طبعاً، شركاء رفيعون جداً في هذا السر (بينهم، أيضاً وكما يبدو، رئيس الحكومة الذي لا يخفى عنه أي سر)، إضافة إلى غانتس نفسه.
في كل الأحوال، يمكن القول إن بداية معركة الانتخابات للكنيست الـ21 كانت، من وجهة نظر “الجهاز القومي للسيبرانية”، في آذار/مارس 2018. ولم يكن موعد إجراء الانتخابات معروفاً آنذاك، لكن كان من الواضح أنها ستجري خلال سنة 2019 في كل الأحوال (في الموعد الأصلي في تشرين الثاني/نوفمبر كحدّ أقصى). ولهذا جمع مسؤولو “الجهاز” ممثلي جميع الكتل البرلمانية المختلفة وقدموا لهم الإرشادات اللازمة بشأن كيفية الاستعداد للانتخابات. أحد السيناريوهات التي جرى عرضها أمام ممثلي الكتل البرلمانية تحدث عن احتمال حدوث اختراق تكون نتيجته الحصول على معلومات محرجة عن أحد المرشحين يجري نشرها على الملأ، كما حدث فعلاً في حالة المرشح بني غانتس لاحقاً تقريباً (كان هناك تخوف من نشر مثل هذه المعلومات على الأقل).
لم يكن تحالف “أزرق أبيض” قد أُسِّس آنذاك بعد. لكن ممثلي حزب “يوجد مستقبل”، الذي أصبح جزءاً من “أزرق أبيض” لاحقاً، شاركوا في ذلك اللقاء.
ماذا فعلت الأحزاب المختلفة بالنصائح والتوصيات التي قدمها مسؤولو “الجهاز القومي للسيبرانية” لممثليها؟ من الصعب معرفة ذلك. وقد فحص حزب “مناعة لإسرائيل”، الصيغة الأصلية من “أزرق أبيض”، إمكان استئجار خدمات الحماية السيبرانية، بعد حصوله على المعلومات عن اختراق هاتف رئيسه غانتس كما يبدو، لكنه عاد ورفض اقتراح البرنامج الذي حصل عليه، نظراً إلى تكلفته المرتفعة وسلم أولوياته. وحين قرر عدم قبول البرنامج ورفضه، لم يكن أمر اختراق هاتف غانتس معروفاً من الجمهور الواسع بعد.
أسبوع الانتخابات

أُخضعت البرمجيات المستخدمة لتجميع وتركيز ومعالجة نتائج فرز صناديق الاقتراع للفحص مرات عديدة وأُجريت محاولات متعمدة لاختراقها، في مسعى للكشف عن نقاط ضعف محتملة فيها. وحين حدث تشويش في تلخيص النتائج، ظهرت تخوفات من أن هجوماً سيبرانياً قد حدث فعلاً. وعلى الرغم من أن التقديرات النهائية دلت على أنه لم يحدث تشويش في عملية فرز الأصوات وعدّها، إلاّ إنه ليس هناك من هو مستعد للركون إلى هذا الوضع وضمانه إلى الأبد: سيكون هناك تخوف على الدوام، في كل مكان في العالم، من حدوث تدخل ذكي ومحنّك في الانتخابات، من دون ترك أي آثار أو بصمات. في الولايات المتحدة مثلاً هناك عدد غير قليل من الأشخاص الذين ما زالوا يعتقدون، حتى اليوم، أن نتائج الانتخابات الرئاسية هناك تعرضت للتلاعب وتم تحريفها لمصلحة دونالد ترامب، بواسطة إجراءات سيبرانية متعددة.
على أي حال، خلال الأسبوع الذي جرت فيه الانتخابات العامة في إسرائيل، عمل “الجهاز القومي للسيبرانية” كما لو أنه في خضم عملية أمنية بكل معنى الكلمة، وكما لو أنه في حالة تأهب قصوى. وليس أقل من 20 شخصاً في غرفة قيادة الطوارئ المركزية في مقر لجنة الانتخابات، في مبنى الكنيست، كانوا من مسؤولي “الجهاز القومي للسيبرانية”. هذه المعلومة لم تُذكر في بطاقات التعريف الخاصة التي علقوها على صدورهم، تلافياً لخلق انطباع عام بأن الانتخابات تجري في ظل هجوم سيبراني.
في كل ما يخص الجوانب السيبرانية الشرعية في المعركة الانتخابية، كانت انتخابات 2019 تجسيداً مدهشاً لتأثير الفضاء السيبراني على هذا المجال من حياتنا أيضاً.
تحوّل رقمي في الجيش الإسرائيلي

في هذه الأثناء بدأ الفضاء السيبراني يحتل مكاناً مركزياً أكثر فأكثر في الجيش الإسرائيلي أيضاً. ويتضح الآن أن هذه السيرورة تسارعت وتيرتها بصورة دراماتيكية منذ أن تسلم الجنرال أفيف كوخافي مهمات منصبه رئيساً لهيئة أركان الجيش.
كان الحدث المصمِّم، من وجهة نظر كوخافي، حينما أوفِد كقائد لواء المظليين، ومن دون أي معلومات استخباراتية ذات أهمية، لاحتلال حي القصبة في نابلس، في إطار عملية “السور الواقي” [2002]. بعد انتهاء العملية فحص كوخافي واكتشف أن مواداً ذهبية كانت متوفرة لدى القيادات العسكرية المتعددة، وبصورة خاصة لدى شعبة الاستخبارات [“أمان”] في مقر القيادة العامة للجيش، وفي قيادة المنطقة العسكرية الوسطى، لكن هذه المعلومات لم تٌنقَل إليه في الميدان.
لهذا كان لدى كوخافي دافع قوي لتحسين مستوى الحرب الرقمية، لازمه في كل مناصبه العسكرية اللاحقة: قائد سرب غزة، قائد المنطقة العسكرية الشمالية، ثم وبصورة أساسية رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية [“أمان”]. بل إن كوخافي طوّر مجالاً جديداً أطلق عليه اسم “القتال المستند إلى الاستخبارات” الذي يقوم أساساً على ضخ المعلومات الاستخباراتية حتى القوات الأصغر في الميدان.
ونحن نكشف هنا والآن أن كوخافي يخطط لإحداث ثورة إضافية أخرى يطلق عليها اسم “التحول الرقمي”، في صلبها الانتقال إلى استخدام المعلومات الرقمية الموحدة في مختلف أذرع الجيش وأقسامه. وربما نبلغ أيضاً “عهد المسيح المنتظر” الذي يتم فيه ربط حتى سلاح الجو وشعبة الاستخبارات أيضاً بالأذرع الأخرى في الجيش. من أجل هذه الثورة قد يلجأ كوخافي إلى تعيين ضابط برتبة عميد في قسم الحوسبة وأنظمة المعلومات. إن التفاصيل المتعلقة بهذا ستُقرّ بصورة نهائية في هيئة الأركان العامة للجيش، قريباً على ما يبدو.

المصدر: مجلة “إزرائيل ديفينس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole