الآثار السياسية والاقتصادية والأمنية للصراع السوداني

الآثار السياسية والاقتصادية والأمنية للصراع السوداني
Spread the love

خاص شؤون آسيوية – بقلم حسين خلف موسى* |

أولاً: التعريف بالخريطة السودانية ومرحلة ما قبل المرحلة الانتقالية:

جمهورية السودان تقع في شمال أفريقيا ويعتبر جزءًا من الشرقالأوسط جغرافيًا وسياسيًا، وهو عضو في جامعة الدول العربية ومنظمةالمؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي. السمة الرئيسية فيه هي نهر النيلوروافده، يحده من الشرق أثيوبيا وأريتريا ومن الشمال الشرقي البحرالأحمر ومن الشمال مصر ومن الشمال الغربي ليبيا ومن الغرب تشاد ومنالجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى ومن الجنوب دولة جنوبالسودان. يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي،وينساب نحوه رافداه: النيل الأزرق والنيل الأبيض ليلتقيا في الخرطومفي مشهد طبيعي فريد. ويتوسط السودان حوض وادي النيل الذي يؤديدورًا حيويًا في حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وفي علاقاتهالخارجية. والخرطوم أو (العاصمة المثلثة) كما تُعرف هي عاصمة السودانوسميت مثلثة لأنها تتكون من ثلاث مدن كبيرة وهي (الخرطوم وأم درمانوالخرطوم بحري).

يعتبر السودان مهداً لحضارات عريقة، استوطن فيه الإنسان منذ5000 عام قبل الميلاد ، ولشعب السودان تاريخ طويل يمتد منذ العصورالقديمة ويتداخل مع تاريخ مصر الفرعونية والتي كان السودان متداخلاًمعها سياسياً على مدى فترات طويلة، لا سيما في عهد الأسرة الخامسةوالعشرين ( الفراعنة السود) التي حكمت مصر ومن أشهر ملوكها طهراقةوبعنخي. ويقع السودان بين خطي عرض 8.45 درجة و 23.8 درجةشمالاً، وخطي طول 21.49 درجة إلى 38.24 درجة شرقاً، في موقعجيوبولوتيكي مهم بين عدة مناطق إستراتيجية، فهو يشكل بوابة أومفترق طرق وجسرًا بين أفريقيا – خاصة منطقة القرن الإفريقي شرقاًومنطقة الساحل غربًا، وحتى حوض السنغال، وإفريقيا شمال الصحراءالكبرى،ومنطقة البحيرات الكبرى في الوسط – وبينها وبين العالم العربيالإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو بذلك أحد معابر التفاعلاتوالهجرات والمؤثرات العربية الإسلامية جنوب الغابات الاستوائية فيأفريقيا كما أنه بقي حتى منتصف القرن الماضي الممر الرئيسي لقوافلالحجيج والتجارة من غرب أفريقيا إلى الأرضي المقدسة وشرق أفريقيا.

شهد السودان حرباً أهلية استمرت منذ قبيل إعلان الاستقلالفي العام 1956م حتى العام 2005 عدا فترات سلام متقطعة، نتيجةصراعات عميقة بين الحكومة المركزية في شمال السودان (الذي تقطنهأغلبية مسلمة) وحركات متمردة في جنوبه(الذي تسوده الديانة المسيحيةوالمعتقدات المحلية) وانتهت الحرب الأهلية بالتوقيع على اتفاقية السلامالشامل التي وضعت حداً للحرب الأهلية، بين حكومة السودان والحركةالشعبية لتحرير السودان، وأصبح إقليم جنوب السودان يتمتع بحكمذاتي أعقبه استفتاء عام في العام 2011 حول البقاء موحداً مع السودانأو الانفصال. وجاءت نتيجة الاستفتاء لهذا الخيار الأخير. في العام 1989 م، قاد العميد عمر البشير انقلاباً عسكرياً، أطاح بحكومة مدنية برئاسةالصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وأصبح هو رئيساً لمجلس قيادة ثورةالإنقاذ، ثم رئيساً للجمهورية.

ربيع سوداني والاطاحة بحكم البشير
ثورة 19 ديسمبر أو ثورة ديسمبر المجيدة هي سلسلة من الاحتجاجاتالسودانية التي اندلعت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من العام 2018 فيبعض المدن السودانيّة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حالالبلد على كلّ المستويات.

بدأت الاحتجاجات رداً على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعارالمعيشة وتفشي الفساد الحكومي واستمرار الحرب في الأقاليم فيمدينتي الروصيرص جنوب البلاد وسنار في وسطها وازدادت حدتها فيمدينتي بورتسودان شرق البلاد وعطبرة شمالها والقضارف في الشرق ثمامتدت في اليوم التالي 20 ديسمبر/كانون الأول إلى مدن أخرى من بينهاالعاصِمة الخرطوم قبلَ أن تتجدّد يومي الجمعة والسبت خصوصًا فيالخرطوم وأم درمان والأبَيض في ولاية شمال كردفان. شهدت هذهالاحتجاجات السلميّة رد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملتمُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع،والرصاص المطاطي،بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاصالحيّ من قبل قوات الأمن السودانية، ما تسبب في سقوط عشرات القتلىوالجرحى في صفوف المتظاهرين.وفي 11 أبريل 2019، أعلن الجيش خلعالرئيس عمر البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهيبإقامة انتخابات لنقل مقاليد الحكم

ثانياً: المرحلة الانتقالية والازمات الداخلية:
يتباين مستقبل المرحلة الانتقالية في السودان، خصوصا بعد 25 اكتوبر2021 ، طبقاً للبيئة الإقليمية والدولية المؤثرة في السودان، فهناك من يرىأنه انقلاب تم بدعم إقليمي ملحوظ، حيث ألمحت بعض وكالات الأنباء أنهناك دعماً إقليمياً مستتراً للمكون العسكري، ليستحوذ على السلطة فيالسودان، خصوصاً في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط عبد الفتاحالبرهان بكل من مصر والسعودية والإمارات، ويفسر ذلك حالة الارتياحالبادية في بيانات الدول الثلاث من الوضع، كما أن بيان الخارجية الأميركية بشأن وجود أيادٍ خارجية مسؤولة عن محاولة الانقلاب الفاشلةفي السودان يثير الأسئلة بشأن ماهية هذه الأطراف.

• 25 اكتوبر وخلاف بين المكونين المدني والعسكري:

تصاعد التوترات السياسية في دولة السودان التي بدأت في 16 اكتوبر2021 أمام القصر الجمهوري في العامة السودانية، التي دعت إليهمجموعة الميثاق الوطني لقوى الحرية والتغيير والتي تضم: ( كياناتحزبية وحركات مسلحة، أبرزها حركة تحرير السودان بزعامة حاكم دارفورمني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وزيرالمالية الحالي) مطالبة بحل حكومة حمدوك وتشكيل حكومة ذات قاعدةعريضة من التحالف، وكذلك وصول كيانات الشرق إلى الخرطوم لدعمالاعتصام أمام القصر الجمهوري، إذ شارك مئات الآلاف من الشعب فيمظاهرات حاشدة يوم 21 تشرين الأول 2021 في الذكرى الأولى لثورةسودانية أطاحت بحكم العسكر يوم 21 تشرين الأول 1964، تلبيةً لدعواتصادرة عن لجان المقاومة، والكيانين المنقسمين داخل قوى الحرية والتغيير(الائتلاف الحاكم)، ووصفت المظاهرات التي وصفت بـ ( المليونية) جاءتبعد انسداد الأفق السياسي، ووصول شراكة المدنيين والعسكر إلى طريقٍشبه مسدود، وظهور مجموعة من الائتلاف الحاكم تطالب باستقالةالحكومة وتوسيع قاعدة المشاركة في التحالف العريض في السلطة.

طالب المتظاهرون المعتصمون في يوم 22 تشرين الأول 2021، بحلالحكومة الانتقالية، والإسراع في وتيرة الإصلاحات الديمقراطية، ثم طرححمدوك خريطة طريق تتكون من ( 10 محاور) للخروج من الأزمةالسياسية في البلاد تقوم على وقف التصعيد والدعوة للحوار، وفي ضوءذلك، اجتمع المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان في يوم 23 تشرين الأول 2021، في الخرطوم لبحث الأزمة السياسية، ضمّ الاجتماعرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو(حميدتي)، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والمبعوث الأميركي للقرنالأفريقي جيفري فيلتمان، ولكن الاجتماع انتهى من دون إعلان نتائج.

• وثيقة لادارة المرحلة الانتقالية:
وُقعت وثيقة بين أحزاب سياسية يُرجى منها حل لأزمة السودانالطويلة.وتضع هذه الوثيقة اقتراحات لتشكيلة الحكومة ورئيسها ولمهامالمرحلة الانتقالية والشراكة بين المكونين المدني والعسكري وأطراف العمليةالسياسية. كما تنظر بإمكانية الالتزام بنظام الحكم الفدرالي بما يتماشىمع اتفاق جوبا وتنفيذه.فقد ذكر الدكتور وليد عتلم، الكاتب والباحثالمتخصص في الشؤون السياسية والشؤون الإفريقية، إن السودان يمثلنموذج حالة لتعدد المراحل الانتقالية وفشل تجارب التحول الديمقراطي؛فالمرحلة الانتقالية التي بدأت في العام 2019، ما بعد سقوط نظام عمرالبشير، ليست الأولى، لكن رغم تعدد خبرات المراحل الانتقالية في السودانعلى مر تاريخه، لا يزال تلك الأخطاء تتكرر التي تؤدي إلى فشل التحولالديمقراطي من دون استيعاب لتلك الأخطاء والعمل على عدم تكرارها. إنما يميز المرحلة الانتقالية القائمة في السودان عن التجارب السابقة، هوتبني نموذج «تقاسم السلطة الشامل» الذي اشتمل على مظلة واسعةتضم الجيش السوداني، وميليشيات الدعم السريع، والمكون المدني ممثلًافي قوى إعلان الحرية والتغيير؛ ثم تقاسم السلطة على المستوى الإثنيالإقليمي وفقاً لاتفاق جوبا الموقع في العام 2020، والذي ضم عددًا كبيرًامن الجماعات والحركات المسلحة، خاصة في دارفور وجنوب كردفان والنيلالأزرق، وذلك في إعادة لنمط «الاندماج الوظيفي» المتبع في التجاربالسابقة.وأكد «عتلم» أن أحد المحددات الفاعلة في الأزمة السودانيةالحالية يتمثل في الدوافع الشخصية والطموح السياسي المتزايد لطرفيالأزمة، خاصة على مستوى قائد قوات الدعم السريع، والذي بلغ مرحلةنائب مجلس السيادة الانتقالي، لكن على ما يبدو أنه يرغب في المزيد،وعلى الطرف الآخر تبدو قيادة الجيش السوداني غير راغبة في أنينازعها طرف آخر على مستوى القيادة العسكرية في ظل تشابك الوضعوتعقده مع المكون المدني أيضًا.

ثالثا: الازمة الحالية صراع داخلى قد يتحول الى حرب اهلية:

• 5 ديسمبر 2022 – توقيع اتفاق إطاري بين قوى مدنية والجيش لبدءعملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية.

• 5 أبريل 2023 – تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرةالثانية وسط خلافات حول ما إذا كان سيخضع الجيش لإشراف مدني،والخلاف حول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.

• 13 أبريل 2023 – يقول الجيش السوداني إن تعبئة قوات الدعم السريعتنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، تندلع اشتباكات بينالجانبين في الخرطوم ومدن أخرى. وتقول قوات الدعم السريع إنهاسيطرت على مواقع استراتيجية رئيسية، لكن الجيش ينفي ذلك.

حمدتى والبرهان وأسباب الخلاف:

• تشهد العملية السياسية في السودان، تعثراً ملموساً وتحديات جديدةتعترض مسارها إثر تصاعد وتيرة الخلافات بين رئيس مجلس السيادةوالقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبهقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.وتأتي هذه الخلافات على الرغم من أن العملية السياسية التيترعاها الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة”إيقاد”، شارفت على الانتهاء، ومن المفترض أن يبدأ تشكيل مؤسساتالسلطة الانتقالية استناداً إلى الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبرالماضي.لكن المكون العسكري لم يستطع الحفاظ على تماسكه أمام أحزابوجماعات مدنية تحالفت على قاعدة الاتفاق الإطاري، بعد أن بلغتالخلافات ذروتها نظراً لوجود تباين ملحوظ بين موقفي الجيش وقواتالدعم السريع في بعض القضايا الأساسية على الساحة السياسية.وبعدأن كانت العملية السياسية متوقفة على تقارب وجهات نظر القوى المدنيةأصبح الوضع الآن في حاجة إلى توافق بين المكونات العسكرية في أعقاباشتراط البرهان دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة مقابلالمضي في الاتفاق الإطاري، وهي عملية طويلة ومعقدة ربما تقود إلىمزيد من التعطيل لمسار الحل السياسي للأزمة، أسباب الخلافات بينالبرهان وحميدتي

• ملف الدمج:
يعتبر دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، إحدى نقاط الخلافالأساسية حالياً، بسبب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين بشأن الدمج. فإن اجتماع هيئة قيادة الجيش الذي عقد في يناير، انتهى إلى ضرورةدمج قوات الدعم السريع وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، وكلفالاجتماع كلاً من الجيش والمخابرات العامة والشرطة، بإعداد وتقديمرؤيتها بشأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية. إن الاجتماع أوصىبتشكيل لجان من ضباط برتبتي فريق ولواء لإعداد دراسة إصلاحالمنظومة الأمنية والعسكرية.

• الاتفاق الإطاري:

أن الاتفاق الإطاري أعطى الدعم السريع استقلالية عن القوات المسلحةعلى أن يكون البرهان قائداً للقوات المسلحة وحميدتي قائداً للدعمالسريع، وأن يخضع كلاهما للرئيس المدني الذي سيعين بمقتضى الاتفاقالإطاري، وهو ما يرفضه الجيش وعضوا المكون العسكري في مجلسالسيادة الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق أول ياسر العطا،بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين. وهناكسبب آخر للخلاف في سياق الاتفاق الإطاري، إذ يتمسك قائد قوات الدعمالسريع بتشكيل حكومة مدنية بمشاركة قوى مدنية محدودة، فيما يتمسكالجيش بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وتوافق وطني كبير.

• . الملفات الخارجية:
مثلت إدارة الملفات الخارجية ولا تزال تحدياً كبيراً للجانبين، بحسبالمصادر العسكرية التي أوضحت أن أبرز القضايا الخلافية في هذا الملفتتمثل في العلاقات بين السودان وإسرائيل وروسيا إلى جانب العلاقاتمع الدول المجاورة. ويتهم الجيش، حميدتي، بالسعي لخلق علاقاتدبلوماسية موازية للدولة، ودلل على ذلك بزياراته إلى عدد من الدول التييزورها البرهان ما يعطي إيحاءً بأن هناك قائدين للبلاد. وبشأن العلاقةبين الخرطوم وتل أبيب والحقيقة أن هناك تنافساً بين الرجلين من أجل فتحقنوات اتصال بين البلدين، إذ يسعى حميدتي لتأسيس علاقة مع جهاز”الموساد” وهو ما دفع البرهان وحمدوك للاحتجاج لدى الجانبالإسرائيلي في وقت سابق.ولاحقاً قرر البرهان تسليم ملف العلاقات معإسرائيل إلى اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر في أبريل 2022، لتوحيدقنوات الاتصال بين البلدين، وهي خطوة كانت تهدف لوضع العلاقة فيإطارها الصحيح وقد نجح الأخير في ذلك، إذ أعلن حميدتي عدم علمهبزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، مطلع فبرايرالماضي، وأنه لم يلتق به أو الوفد المرافق له.

• الصراع الغربي الروسي:

نشب خلاف بين البرهان وحميدتي بشأن العلاقة مع روسيا باعتبار أنهاتؤثر بشكل مباشر على علاقة الخرطوم مع واشنطن.وفي فبراير 2022 قام حميدتي بزيارة مثيرة للجدل إلى العاصمة الروسية موسكو التقىخلالها الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وهيالزيارة التي تزامنت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ما أثار تساؤلاتبشأن الهدف منها. وأثارت الزيارة حفيظة الجانب الأميركي، وحينهاكشفت مصادر، أن القائمة بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، لوسيتاملين، عقدت اجتماعاً مع البرهان وعدد من أعضاء المكون العسكري،استفسرت خلاله عن سبب زيارة حميدتي إلى روسيا.وتلقت الدبلوماسيةالأميركية رداً من البرهان بأن حميدتي زار موسكو بصفته قائداً لقواتالدعم السريع وليس بصفته نائباً لرئيس مجلس السيادة.

• العلاقات مع دول الجوار:
إن أحد أكثر الخلافات تعقيداً في هذا الملف هو علاقة حميدتي بعدد منالدول المجاورة، لأنه يدير شراكات اقتصادية واستثمارات في عدد منالدول الإفريقية أبرزها إثيوبيا وإفريقيا الوسطى.إذ رفض حميدتيمشاركة قواته في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوداني علىمجموعات إثيوبية مسلحة كانت متمركزة في أراضٍ سودانية محاذيةللحدود المعترف بها دولياً منتصف اعام 2021.والحقيقة إن البرهانوحميدتي لديهما وجهات نظر متباينة بشأن التعاطي مع الدول المجاورةلغرب السودان، خاصة تشاد وإفريقيا الوسطى، في ظل أنهما يقعان فيدائرة صراعات النفوذ الإقليمية بين دول غربية وروسيا. وصدرت عنالجنرالين خلال الفترة الماضية، تصريحات متباينة بشأن هذا الأمر، إذأشار حميدتي إلى وجود قوات سودانية تحاول تغيير النظام في إفريقياالوسطى، فسارع البرهان إلى نفي التهمة وقال إن الخرطوم لا ترسلمليشيات لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الجوار.ووصل الخلاف بينالبرهان وحميدتي إلى رفض الأول نشر قوات الدعم السريع على الحدودمع إفريقيا الوسطى، وهو الموقف الذي دعمه رئيس المجلس الانتقالي فيتشاد محمد ديبي، وأبدى عدم ارتياحه لنشاط قوات الدعم السريع علىحدود البلدين وفي هذه المنطقة الحساسة أمنياً.

مستقبل الخلاف بين البرهان وحميدتي

وإزاء تصاعد الخلاف بين طرفي المكون العسكري سعت أطراف في المجلسالمركزي لقوى الحرية والتغيير إلى الوساطة لتلافي أي مواجهة أو صدامقد يقود البلاد الى كارثة.وذكر الخبير العسكري الدكتور أمين اسماعيلمجذوب، يرى أن حميدتي بدا مسانداً لروسيا في الساحل الإفريقي وتشادوإفريقيا الوسطى، بينما يؤيد البرهان الموقف “الأميركي الأوروبيالخليجي” المناهض لخطة موسكو التوسعية في القارة السمراء.وقالالقيادي بقوى الحرية والتغيير شهاب ابراهيم إن “الحرية والتغيير تعملعلى تحمل مسؤوليتها، في إزالة التباين بين الأطراف العسكرية فيالعديد من القضايا الخلافية”.

واعتبر مجذوب، أن الخلاف بين البرهان وحميدتي، يتعلق بالمستقبلالسياسي بشأن من سيبقى ومن سيذهب، فكل واحد منهما يعد العدة لمابعد المرحلة الانتقالية أي الانتخابات المقبلة، لكنه يستبعد تحول الصراعإلى حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، معتبراً أن ما يحدث “خلافعلى مستوى القادة ولم يصل إلى قواعد القوات المسلحة والدعموالسريع”.وأضاف أن “هذه الخلافات تمثل تحولاً كبيراً في الساحةالسياسية العسكرية، وإرباكاً جديداً للاتفاق الإطاري، وأصبحت فرصالالتحاق به من أي طرف مدني منعدمة، وصار تحت رحمة صراع بين القادةالعسكريين حول من يذهب ومن يبقى”.

رابعاً: الاثار السياسية والاقتصادية والامنية للصراع:

بالنسبة لمصر:

1- الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين السودانيين لمصر وهذه الاعدادمرشحة لزيادة كبيرة في حال استمرار القتال في شوارع السودان بينطرفي الصراع على السلطة. لكن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعلإرساء السلام والاستقرار في السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر.فوجودنظام ضعيف في الخرطوم أو ظهور نظام سياسي بديل معادٍ للقاهرة قدتكون له تداعيات خطيرة على الجارة الشمالية.ولطالما اعتبرت مصرالسودان حليفًا لا يمكن الاستغناء عنه في نزاعها الطويل مع إثيوبيا حولسد النهضة المثير للجدل. ووصفت مصر مشروع الطاقة الكهرومائيةالعملاق على النيل الأزرق بأنه تهديد وجودي نظرا لما ينطوي عليهاستكماله من احتمالات التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، التي تُعدالعامل الأكثر أهمية لحياة المصريين.ورغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرةالتي تتمتع بها السودان بالنسبة لمصالح مصر الاستراتيجية،

2- أن الإمارات، أحد أكبر الداعمين الماليين لمصر في الخليج، تقف في صفقوات الدعم السريع في السودان.

ما جعل الموقف المصرى غير واضح ومباشر من الصراع

3- وقد يؤدي التدخل بقوة لصالح أي من طرفي الصراع إلى نتائج عكسيةتؤثر على المصالح الوطنية المصرية.

فبعد أن دعمت مصر أحد طرفي الصراع في ليبيا – الجنرال خليفة حفترالذي فشل في الانتصار – لابد أن تكون القاهرة قد تعلمت جيدا من هذاالخطأ.وبينما تتوخى مصر الحيطة والحذر في رهاناتها على صعيدالصراع في السودان، قد لا ينجح أيضا عدم اتخاذ إجراء حيال الموقفالحالي على المدى الطويل.

4- تجد مصر نفسها تقريباً في قلب الأزمة، رغم الموقف العلني الحذر الذيتنتهجه، وتخشى كذلك من انعكاس الأزمة على موقف السودان من أزمةسدّ النهضة، أو خطر حكم “إسلامي” على حدودها.

بالنسبة للدول الافريفية :

– إن صراع النفوذ في السودان قد يرتد عكسياً على إثيوبيا، مع موجةنزوح مضادة، بعدما كانت حرب إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا قد تسببتبتوافد عشرات آلاف النازحين الإثيوبيين إلى الحدود السودانية الإثيوبية. علماً أن الحدود السودانية نفسها هي من أكبر الملاذات للهاربين من حروبالمنطقة، الذين قد يكونون ضحايا مرة أخرى للحرب التي تهدد بعدموصول المساعدات الإنسانية إليهم، ما يفاقم من حدّة الأزمة الإنسانية فيالقرن الأفريقي.

– فإن أي توقف لضخّ النفط من جنوب السودان، قد ينعكس أزمة ماليةحادة على هذا البلد الناشئ والفقير والذي يوصف بـ”الدولة الفاشلة”، مايهدّد منظومته الأمنية الغذائية التي قد تصاب بالضرر، مع منظومة الأمنالمائي في كل المنطقة، وهي هشّة في أكثر من بلد، حيث يهدد الجفافملايين السكّان، فيما تعيش دول كإريتيريا وجمهورية أفريقيا الوسطىوالصومال، أزمة غذائية حادة.

– خشية من أي تمدد للصراع، أو تحركات حدودية مريبة، أغلقت تشاد منذاليوم الأول لاندلاع الاشتباكات، السبت الماضي، حدودها مع السودان”حتى إشعار آخر”، حيث يتشارك البلدان في حوالي ألف كيلومترحدودية. ولدى تشاد، التي عاشت أيضاً حروباً بخلفيات إثنية وعرقية،توجساً من “اشتعال دارفور”. لحميدتي علاقات جيدة مع مجموعة”فاغنر” الناشطة في مناجم الذهب في شمال دارفور وفي جمهوريةأفريقيا الوسطى ويتحدر حميدتي من غرب دارفور، ولقواته المولودة منرحم قوات “الجنجويد” صولات طويلة في المنطقة. ورأت صحيفة”واشنطن بوست” في تقرير مطول أمس، عن خشية دول الجوار منانفلات المعارك في السودان، أنه إذا ما تمكنت قوات الجيش من دفع “الدفعالسريع” إلى التراجع إلى دارفور، فقد يكون هؤلاء مصدر مقاتلين وسلاحًالسنوات مقبلة، ما يهدد استقرار تشاد وحكم محمد إدريس ديبي.

– إن أي تأخر في حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكريةوأمنية تتخطى سياسة المحاور، لجهة ما قد ينجم من تنشيط لحركاتالجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غيرالنظامية، وتنشيط عمل العصابات.

الخاتمة:

منذ اكتشاف النفط في السودان في سبعينيات القرن الماضي، كانت البلاددائما مسرحًا لشكل من أشكال الصراع، حيث أدى تنافس الأطراف المختلفةسياسيا ودينيا وعرقيا إلى اضطرابات مستمرة، مع فترات هدوءنسبي.لكن المعارك التي تشهدها السودان هذه الأيام مختلفة، حيث إنهاالمرة الأولى التي يجري فيها القتال في عاصمة البلاد، الخرطوم، بينطرفين ينتميان نظريا إلى الحكومة ذاتها.وتقول صحيفة نيويورك تايمزالأميركية إن المعارك كانت عادة تجري على أطراف البلاد، بدلا من العاصمةوبالإضافة إلى الاختلاف الجغرافي عن الصراعات الأخرى، فإن أطرافالصراع هذه المرة مختلفة أيضا.

*باحث سياسي مصري.

المراجع:

1- اسماعيل محمد على ، الفترة الانتقالية في السودان وصراع المكونينالعسكري والمدني، اندبندنت عربية

2- بشرى جاسم محمد ،مستقبل المرحلة الانتقالية في السودان بعدانقلاب 21 اكتوبر في ضوء الدعم الاقليمي والدولي، المركز الديمقراطيالعربي ، نوفمبر 2021م

3- أماني ابراهيم ، الازمة الحالية وسناريوهات الحرب الاهلية ، جريدةالمصرى اليوم ابريل 2023م

4- امل التلب ، الصرع بين حمدتى والبرهان – الشرق 8 مارس 2023

5- العربي الجديد، انعكاسات لأزمة السودان على دول الجوار، نشر بتاريخ 20 أبريل 2023.

Optimized by Optimole