موقف المعتزلة من مسألة عدالة الصحابة

موقف المعتزلة من مسألة عدالة الصحابة
Spread the love

بقلم: فهد الخليوي —

تعتبر المعتزلة من أشهر الفرق الإسلامية، وهي فرقة تقوم على خمسة أصول اهتم الباحثون بدراسة هذه الأصول لكن البحوث في موقف المعتزلة من مسألة عدالة الصحابة نادرة جداً إن لم تكن معدومة وهذا ما سيكون موضوع البحث:

المبحث الأول : تعريف بالمعتزلة
هي فرقة ظهرت على يد واصل بن عطاء (1 ) المتوفي عام 131ه ، أما سبب تسميتهم بالمعتزلة فهناك خلاف :
أ ـ عند المعتزلة أن السبب هو اعتزالهم (2) الشر بناء على الآية القرآنية (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) (3 ) وآية (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف )(4) .
ب ـ عند أهل السنة بسبب خلاف وقع بين واصل بن عطاء وشيخه الحسن البصري(5) حول حكم مرتكب الكبيرة حيث قال واصل بن عطاء أن حكمه أنه في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان فطرده الحسن عن مجلسه في المسجد ، فاعتزل واصل ومعه عمرو بن عبيد(6) إلى سارية من سواري المسجد ، فسمو المعتزلة لاعتزالهم حلقة الحسن بعد أن كانوا من
تلاميذه (7) .

المبحث الثاني :
صحابة اتفق كل المعتزلة على البراءة منهم وحكموا بفسقهم مثل معاوية بن أبي سفيان(8)
وعمرو بن العاص(9 ) للأدلة الآتية :
أ ـ أرجوزة بشرين المعتمر (10 )
لا مفرطين بل نرى الصديقا
مقدماً والمرتضى الفاروقا
نبرأ من عمرو من معاوية (11)
فبشر هنا صاغها بصيغة الجمع
ب ـ قال ابن المرتضى (12 ) :وأكثرهم – يقصد المعتزلة – على البراءة من معاوية وعمرو بن العاص (13).
لكن لا ابن المرتضى ولا القاضي عبد الجبار (14) ذكرا في ترجمتهم للمعتزلة أي معتزلي تولى معاوية أو عمرو بن العاص ، ولو كان هناك من يتولاهما لذكراه لغرابته (15).
وأما ماذكره ابن المرتضى عن أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم (16) أنه كان يصوب معاوية في بعض أفعاله فلا يلزم منه توليه وتعديله (17).
ج ـ ما قاله أبو الحسن الخياط (18):
وهم – يقصد أبو موسى المر دار (19) وجعفر بن مبشر (20) – والذين من قبلهم – يقصد من المعتزلة – مجتمعون على البراءة من عمرو ومعاوية ومن كان في شقهما(21) .
د ـ ما قاله أيضاً أبو الحسين الخياط :
ليس بين المعتزلة والمرجئة وأصحاب الحديث كبير خلاف في أمر الصحابة والولاية لهم ، إنما خلافهم في تفضيل بعض الأئمة العادلة عندهم على بعض ، فأما ولاية الجميع والترحم عليهم والتقرب إلى الله بمحبتهم فلا خلاف بينهم في ذلك – اللهم إلامن تولى من النابتة الفئة الباغية من أهل الشام فإن المعتزلة تخالفهم في ذلك أشد الخلاف (22) .
هـ ـ ما ذكره ابن أبي الحديد (23) في شرح نهج البلاغة : وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ولم يقتصروا على تفسيقه وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك (24)

المبحث الثالث :
صحابة اتفق المعتزلة على عدالتهم وتوليهم مثل أبي بكر(25) وعمر بن الخطاب(26) والغالبية الساحقة من الصحابة
للأدلة الآتية :
أ ـ أرجوزة بشر بن المعتمر السابقة (27) .
ب ـ كلام أبي الحسين الخياط السابق ذكره (28) (وليس بين المعتزلة والمرجئة وأصحاب الحديث..الخ).
ج ـ ما ذكره ابن المرتضى تحت مسألة ( ما أجمع عليه المعتزلة ) قال : وأجمعوا على تولي الصحابة واختلفوا في عثمان بعد الأحداث التي أحدثها ، فأكثرهم تولاه وتأول له كما مرو كما سيأتي (29) .

المبحث الرابع :
صحابة اختلف المعتزلة حول عدالتهم وتفسيقهم والتوقف فيهم مثل عثمان بن عفان(30) وعلي بن أبي طالب (31) والزبير بن العوام (32) وطلحة بن عبيد الله (33) للأدلة الآتية :
أ- كلام ابن المرتضى السابق ذكره تحت مسألة ( ما أجمع عليه المعتزلة ) (34)
فقوله فأكثرهم يفيد أن هناك قلة إما تبرأوا منه أو توقفوا فيه.
ب- ما قاله أبو الحسين الخياط :
ثم ذكر قول واصل في عثمان ، وذكر وقوفه فيه وفي خاذليه وقاتليه وتركه البراءة من واحد منهم . وهذه هي سبيل أهل الورع من العلماء
أن يقفوا عند الشبهات ، وذك أنه قد صحت عنده لعثمان أحداث في الست الأواخر فأشكل عليه أمره فأرجأه إلى عالمه . (35)
ج- ما قاله الخياط أيضاً في معرض ذكره لموقفي أبي موسى المردار وجعفر بن مبشر من عثمان : قولهما المعروف الوقوف في عثمان وخاذليه والبراءة من قاتليه والشهادة عليهم بالنار . (36)
د- ما ذكره ابن المرتضى عن أبي بكر الأصم : وكان من أفصح الناس وأفقههم وأورعهم خلا أنه كان يخطئ علياً في كثير من أفعاله ويصوب معاوية في بعض أفعاله ، قال القاضي (37) : ويجري منه حيف عظيم على أمير المؤمنين .(38)
وقال الشهرستاني (39) في الملل والنحل :
وكذلك أبو بكر الأصم من أصحابه كان يقول الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم ، وإنما أراد بذلط الطعن في إمامة علي إذ كانت البيعة في أيام الفتنة من غير اتفاق من جميع الصحابة ، إذ بقي في كل طرف طائفة على خلافه . (40)
هـ- حكم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد على علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله بأن حكم قتالهم في معركة الجمل كحكم الزوجين المتلاعنيين أحدهما فاسق دون معرفة عينه . (41)
المبحث الخامس :
تميز مذهب المعتزلة عن باقي المذاهب بأنهم جعلوا عدالة أو تفسيق أو التوقف في الصحابة الذين وقعوا في الفتنة مسألة خلافية وهذا لم يقل به غيرهم .
الخلاصة :
موقف المعتزلة من مسألة عدالة الصحابة على ثلاثة أوجه :
أ- مجمعون على تفسيقهم مثل معاوية وعمرو بن العاص .
ب- مجمعون على عدالتهم مثل أبي بكر وعمر وغالبية الصحابة .
ج- مختلفون فيهم بين معدل ومفسق ومتوقف وهم من شارك بالفتنة مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير .

[1] واصل بن عطاء الغزال 80-131هـ مؤسس فرقة المعتزلة كان التفاً لا ينطق حرف الراء اشتهر بالفصاحة .
انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص28
[2] فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص165
(3) آية 48 سورة مريم
(4) آية 16 سورة الكهف
(5) الحسن بن يسار 21-110هـ مولى زيد بن ثابت الأنصاري ولد بالمدينة ثم انتقل إلى البصرة ونسب إليها كان من سادات التابعين . انظر سير أعلام النبلاء ج4، ص563- 588
(6) عمرو بن عبيد من سبي كابل اشتهر بالعبادة والورع كان صديقاً مقرباً الواصل بن عطاء توفي سنة 144هـ . انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص34
(7) الفرق بين الفرق ص93- ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص6-7 – الملل والنحل
(8) معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء الدولة الأموية تولى الخلافة من 41-60هـ .
انظر سير أعلام النبلاء ، ج3، ص119-162
(9) عمرو بن العاص كان قائد الجيش العربي لفتح مصر توفي في الفسطاط عام 43هـ
انظر سير أعلام النبلاء ، ج3، ص54-77
(10) بشر بن المعتمر الهلالي ولد بالكوفة وتوفي ببغداد كان رئيس معتزلة بغداد . انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص48
(11) باب ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص48
(12) أحمد بن يحي المرتضى 763- 840هـ
تولى إمامة الزيدية باليمن عاماً واحداً . انظر البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع للشوكاني
(13) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص11
(14) عبد الجبار الهمداني كان أشعرياً ثم اعتزل كان شيخ المعتزلة في زمانه توفي عام 416هـ انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص109
(15) ذكر المعتزلة وطبقاتهم
(16) عبد الرحمن بن كيسان الأصم له كتاب بالتفسير توفي عام 201هـ . انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص52
(17) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص52
(18) أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان …
الخياط قال القاضي عنه كان عالماً فاضلاً يعتبر من معتزلة بغداد توفي بعد سنة 300ه بقليل .
انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص79(19) عيسى بن صبيح المردار من معتزلة بغداد كان من القصاص يلقب براهب المعتزلة . انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص 63
(20) جعفر بن مبشر التقضي كان يضرب به المثل في العلم والزهد . انظر ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص69
(21) الانتصار ص 164
(22) الانتصار 207
(23) عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد
586 ـ 655ه كان شاعراً فقيها . انظر فوات الوفيات ج2ص259
(24) شرح نهج البلاغة ج5ص129
(25) عبد الله بن أبي قحافة التيمي القرشي أول من تولى الخلافة بعد محمد كانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر . انظر سير أعلام النبلاء ج28ص 7ـ 67
(26) عمر بن الخطاب العدوي القرشي الخليفة الثاني بعد أبي بكر استمرت خلافته عشر سنين سيطر فيها العرب على العراق وفارس والشام ومصر توفي مقتولاً سنة 23ه انظر ج 28ص 71 ـ 145.
(27) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص 48
(28) الانتصار ص 207
(29) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص 11
(30) عثمان بن عفان الأموي القرشي الخليفة الثالث استمرت خلافته اثني عشرة سنة توفي مقتولاً سنة 35ه .
انظر سير أعلام النبلاء ج 28ص149ـ222
(31) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم محمد والخليفة الرابع اعترض على توليه الخلافة كثير من المسلمين قوقعت بسبب ذلك حرباً أهلية دامت خمس سنين توفي مقتولاً سنة 40ه . انظر أعلام النبلاء ج28ص225ـ 90
(32) الزبير بن العوام ألأسدي القرشي أحد الستة الذين رشحهم عمر لتولي الخلافة من بعده قتل في الحرب الأهلية سنة 36ه . انظر أعلام النبلاء ج1ص41ـ67
(33) طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي أحد الستة الذين رشحهم عمر لتولي الخلافة من بعده قتل في حرب الأهلية سنة 36ه . انظر سير أعلام النبلاء ج1ص23ـ40
(34) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص 11
(35) الانتصار ص 163ـ أصول الدين للبغدادي ص 315
(36) الانتصار ص 164
(37) يقصد القاضي عبد الجبار
(38) ذكر المعتزلة وطبقاتهم ص 52
(39) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهر ستاني ولد سنة 467وتوفي سنة 549ه . انظر سير أعلام النبلاء ج20ص 286ـ 288
(40) الملل والنحل ص 72
(41) الانتصار ص 164 ــ الملل والنحل ص 49 ـ الفصل في الملل والنحل ج2ص269ـ الفرق بين الفرق ص94ــ أصول الدين للبغدادي ص 317.

مراجع البحث :
1- فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ، تحقيق فؤاد سيد ، طبعة الدار التونسية للنشر .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،طبعة دار الجيل بيروت .
3- فوات الوفيان والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، طبعة دار الثقافة بيروت .
4- سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ، طبعة مؤسسة الرسالة .
5- الانتصار والرد على ابن الروندي الملحد لأبي الحسين الخياط ، تحقيق نيبرج ،طبعة بيت الوراق .
6- باب ذكر المعتزلة وطبقاتهم لأحمد بن يحيي المرتضى ، تحقيق توما آرنلد ، طبعة دار الوراق .
7- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسي ، تحقيق عادل بن سعد ، طبعة دار ابن الهيثم .
8- الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني ، تحقيق محمد سيد كيلاني ، طبعة المكتبة الفيصلية .
9- الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، طبعة دار الطلائع.
10- أصول الدين لعبد القاهر البغدادي .
11- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع للشوكاني .

Optimized by Optimole