نحو تعريف أشمل للمقاومة

نحو تعريف أشمل للمقاومة
Spread the love

بقلم: لميس جديد — تعقيباً على مقالة الدكتور عماد الدين عيشة المعنونة “حوار مع صديقي الأدب المفاوم” (إضغط على الرابط هنا)، لم أجد مفراً من ذكر أهمية تحديد التعريف بأدب المقاومة الْيَوْمَ: منهجه الحالي مثلاً، بعد كل التغييرات التي مرت ولا تزال في المنطقة العربية، وهذا إذا ما عرّفنا المقاومة كرد فعل على اعتداء أو احتلال أو تهديد أو أي خطر محدق من العدو أو المعتدي.
جميعنا يعلم بأن أشكال وطرق التهديد الْيَوْمَ أصبحت مختلفة عما كما كانت عليه في الماضي، وهذا يحتم علينا تباعاً إعادة صيغة وتعريف لما نعنيه بأدب المقاومة الْيَوْمَ.
المقاومة الْيَوْمَ يجب أن تخرج عن كونها رد فعل على تهديد، يرسخ بروح هذه الأمة فكر الضحية، بل يجب أن ترافقه عملية بناء في الداخل المتآكل، تعنى بكل خلل داخلي أينما وجد في مجتمعاتنا أولاً.
جملة (شعرت كطفل صغير ضائع يبحث عن أمه في مول تجاري) في مقالة عماد عيشة، هي – في رأيي – المقاومة الحقيقة وتختصر النضال ضد المظاهر والقشور التي تبنيناها من حضارة أخرى تتآكلنا، وهي بالمناسبة ليست إلا واحدة من كثير من الأخطار المحدقة بِنَا الْيَوْمَ. فثقافة التطرّف هي أحد الأخطار المهددة التي تقوّض مجتمعاتنا، وكذلك تخوين الآخر وسلخ صفة الإنسانية عنه لتبرير عدم أهليته للحياة لاحقاً مثلاً، وكل ما يدفعنا للكراهية أكثر ما يدفعنا الى الاعتراف بالخطأ والبحث عنه ومحاولة إصلاحه.
مقاومتنا الْيَوْمَ ليست فقط ضد عدو موجود على الأرض، مقاومتنا يجب أن تكون لقشور وزيف المظهر، تقليدنا للأسهل في الحضارة الأخرى، الغزو الْيَوْمَ هو غزو الفضائيات التلفزيونية، غزو الأفلام، غزو الأجهزة التقنية، غزو لنمط حياة لن نستطيع مجاراته بنفس أسلحة ومفاهيم العصر الفائت.
الجغرافيا هي من تصنع التاريخ، و الانفتاح على أي حضارة أخرى وبالأخص الأوروبية منها هي ميزة إيجابية، ما يجعله سلبياً هو في طريقة تبنّينا لهذه التجربة الذي ينحسر في تقليد المظهر، والاستهلاك، ومظاهر الرفاهية لأنها أسهل الطرق، بينما نتجاهل عظمتها الحقيقية في الدراسات المتقدمة، والعلوم الانسانية، والأدب، وآخر العلوم من خلال دراستها كحالة، سلبياتها كما إيجابياتها. ما أعنيه هو دراسة بالعمق، والتي ستجعلنا نقف منها موقف العالم المتمعن بدل موقف الخائف أو المنبهر. نظرة لا تنسينا جذورنا ولكنها تدع مجالاً للفروع في الامتداد حيث الضوء حيث تستطيع الازدهار والنمو بشكل أفضل.
هذه وظيفة نخبنا الْيَوْمَ وأي أدب تجلبه عليه أن يمسك هذه العصا من المنتصف، والمحافظة على الجذور مع الانفتاح نحو التجارب الأخرى الأكثر تقدماً.
هناك حق للشعب الفلسطيني علينا ألا ننساه، ولكن مقاومتنا الْيَوْمَ في هذه المنطقة التي يهددها الخواء الفكري والأيديولوجي ستذهب الى ما هو أبعد من ذلك، تقليد مظاهر الآخر، أو ما يحاول التخلّص منه، لن تحل أزمتنا الوجودية الْيَوْمَ..
مثال: جملة (المقاومة أو الممانعة هي تأكيد الهوية خصوصاً كعرب وكمسلمين ضد الثقافة الإمبريالية) الواردة في مقالة عيشة ماذا تعني الْيَوْمَ؟
قادة العالم الاسلامي أو العربي الْيَوْمَ أين هم بالنسبة للإمبريالية الْيَوْمَ؟
إنها واحدة من جمل كثيرة تعود الى حقبة مضت وولت، وعلينا بناء مفردات جديدة تناسب التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية التي نعيش فيها الْيَوْمَ، اذا أردنا إشراك الشباب في مشاريعنا للمنطقة العربية.

على نخبنا الْيَوْمَ محاولة النهوض بأجيالنا من التفكير فقط كضحية، ضحية للعثمانيين، وللغرب، وللإمبريالية (وهذا لا يلغي الحقيقة التاريخية للأمر). ولا بأس من بناء الهوية ضد وجود يهددها، إنها واحدة من استراتيجيات الكثير من البلدان حول منطقتنا وفِي العالم، ولكني ضد جعلها مركزية ووحيدة…
على النخب التركيز على تعزيز الداخل وإعادة ترتيب وتقييم وتعريف هذا الثالوث العضوي نظم (دينية- اجتماعية- سياسية) تقوم على كل واحد منا، تتغذى منه وتستمد قوتها من دعمه لها بشكل أو بآخر.
مقاومتنا الْيَوْمَ عليها أن تعي حجم التغيّرات الجديدة التي عصفت في المنطقة والعالم ولا تزال، علينا ترتيب موقع جديد كأمة عربية (إذا افترضنا أنها فعلاً لا تزال موجودة) وبناء أحلام جديدة لأجيال تزعزعت ثقتها بكل أنواع النخب العربية، أجيال تعيش في عوالم افتراضية ليس لها حدود وتبحث عن هوية جديدة لها وعن نخب تستطيع التواصل معها ووضع ثقتها بها.

لميس جديد
الكاتبة لميس جديد

لميس جديد مهندسة وكاتبة سورية مقيمة في سويسرا.

Optimized by Optimole