لبنان … الدولة الهشة والسلطة المستبدة

لبنان … الدولة الهشة والسلطة المستبدة
Spread the love

بقلم: حمزة الحاج حسن* | استعاد اللبنانيون لساعات مساء الأحد ذكريات الحرب الأهلية التي انطلقت شرارتها عام 1975 وانتهت عام 1990. نبرة عالية من المواقف السياسية المدفوعة بعصبية طائفية لأهداف فئوية أغرقت الشاشات رافقت الاشتباك المسلح بين محازبي النائب السابق وليد جنبلاط ومرافقي الوزير صالح الغريب المقرب من النائب طلال أرسلان بعد منع عناصر الحزب التقدمي زيارة الوزير جبران باسيل لبلدة كفر متى.
قطع طرقات على آلاف المواطنين وإطلاق نار متنقل بين المناطق وصولاً الى مداخل بيروت الجنوبية والشمالية الشرقية. لم تتمكن القوى الأمنية من التدخل إلا بعد الاتصالات مع الأطراف المتنازعة لتفتح الطرقات ويتواري المسلحون عن مسرح المواجهة. الخلل الأمني في جبل لبنان الجنوبي ذي الأغلبية الدرزية ينسحب قبل هذه الحادثة وربما في الآتي من الأيام على جميع المناطق والمدن والقرى وحتى الدساكر والأحياء اللبنانية المفرزة طائفياً وحزيياً.
وبرغم مرور 29 عاماً على اتفاق الطائف والإصلاحات الدستورية التي كانت تهدف الى الانتقال بلبنان من الدولة الطائفية الى الدولة المدنية، الا ان تحالف الفساد اللبناني – السوري قد أنعش الطائفية وعطل الدستور وتم تقزيم المؤسسات لصالح الشخص الحاكم، بالرغم من محاولات الإصلاح الصادقة التي سعت اليها قوى وأحزاب عابرة للطوائف. لكنها خسرت أمام صلابة تحالف المنتفعين من النظام الطائفي العصي على الانكسار والذي أصبح أداة فاعلة بيد المستعمرين لتفتيت الدول وجعلها دول مارقة عاجزة ومتناحرة. وما جرى ويجري في لبنان من تدهور بالاقتصاد والسياسة والأمن يؤكد أننا نعيش في ظل سلطة وليس دولة بمعناها الحقيقي.
فالدولة لها أركان ثابتة دائمة أما السلطة فهي زائلة ومتحركة، وقد تتوالى وتتعاقب. أما الدولة فتقوم على ثوابت الأرض والشعب والقانون، بينما السلطة تسيّر أمور الدولة بموجب القوانين والشرائع التي تسن من قبل البرلمان.
وأخطر ما في السلطة في لبنان أنها قسمت بين الطوائف والمذاهب، وكرّست لكل طائفة أو مذهب قسماً من السلطة يتصرف القائمون عليه تصرف المالك بملكه بينما هو حق للدولة والشعب والوطن ككل .
وما جرى في كفر متى إحدى قرى قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان يأتي في هذا السياق. فالخطاب السياسي السائد في لبنان خطاب طائفي تحريضي تقسيمي يهدم ما تبقى من الدولة ومؤسساتها لحساب السلطة المستبدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر فما أقدم عليه مناصرو الوزير السابق وليد جنبلاط هو تعبير صارخ عن هذه السلطة الوقحة التي تمارس هيمنتها وتسلطها بانعزالية قاتلة. كما أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يكن موفقاً في خطابه السياسي بعد قيادته أكبر الأحزاب المسيحية على الساحة اللبنانية فانحدرت الأدبيات السياسية للتيار البرتقالي من الوطنية الى الطائفية. في حين كان المنتظر ولا يزال الأمل بأن يكون التيار رافعة للتقدم نحو الدولة المدنية التي تحمي الجميع وتحفظ حقوقهم على أساس المواطنة وفقاً للعقد الاجتماعي الذي تحكمه العدالة والمساواة.

*كاتب لبناني.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.

Optimized by Optimole