ذكرى استشهاد الرئيس عرفات والانتخابات الفلسطينية العامة

ذكرى استشهاد الرئيس عرفات والانتخابات الفلسطينية العامة
Spread the love

شجون عربية – د.عقل صلاح* |
في الذكرى السابعة عشر لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات، نسلط الضوء على مسيرته الوطنية والتنظيمية، التي بدأت في العمل الطلابي وانتهت بتوليه رئاسة دولة فلسطين، واستطاع خلال هذه الفترة إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية الدولية، وشكل السلطة الفلسطينية التي جاءت بناء على اتفاق أوسلو الذي تنصلت إسرائيل من تنفيذ بنوده. فعاد الرئيس لخيار المقاومة من خلال دعم اندلاع انتفاضة الأقصى، فقامت إسرائيل بمحاصرته وتسميمه؛ بسب رفضه التوقيع على كامب ديفيد الثانية وإخلاصه للقضية الفلسطينية، فقد قدم الرئيس روحه دفاعًا عن القدس وعن الثوابت الفلسطينية، مما أدى إلى تراجع الدور القيادي الفلسطيني في التأثير على الرأي العام العالمي والسياسة الدولية، وحتى على المستوى العربي تراجعت القضية الفلسطينية وتحولت من قضية العرب الأولى إلى قضية ثانوية. أما على المستوى الداخلي، فقد غرقت القضية بالانقسام الفلسطيني الفلسطيني الذي مازال مستمرًا، كما قامت العديد من الدول بالتطبيع مع إسرائيل قبل التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي
ولد محمد ياسر عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني في 4آب/أغسطس 1929 بالقاهرة. وفي عام 1947 التحق بجامعة القاهرة لدراسة الهندسة، وشارك في العمل الوطني والفدائي عام 1948، وأصبح رئيسًا لاتحاد الطلاب الفلسطيني عام 1952، وفي عام 1953 التقى أبو عمار لأول مرة بجمال عبد الناصر قبل توليه الرئاسة وفي اللقاء عرفه عبد الناصر في الرئيس المصري آنذاك محمد نجيب، حيث قدم له عرفات وثيقة مكتوبة بالدم يطلب فيها أن لاينسوا القضية الفلسطينية.
وفي عام 1954 قام بتدريب مجموعة من الطلاب الفلسطينيين بعد ثورة يوليو، وشكلت هذه المجموعة أول نواة تحارب الصهاينة في القطاع، وفي عام 1955، ازداد نشاطه الفدائي وتدرب في معسكر في محافظة المنصورة بمصر. وفي عام 1956 سافر عرفات للكويت وتعرف على فاروق القدومي، وكمال عدوان، وخالد الحسن وغيرهم، حيث تم بلورة فكرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وصدر لها بنفس العام أول بيان، وفي عام 1964 انطلقت أول عملية مسلحة لحركة فتح، وأعلنت عن تكوين الجناح العسكري “العاصفة” في عام 1965، وتولى عرفات قيادة منظمة التحرير عام 1967وفي عام 1969 أصبح عرفات رئيسًا للمنظمة، وبعد هزيمة 1967، اندلعت معركة الكرامة في آذار/مارس1968، بقيادة عرفات وانتصرت فيها المنظمة .
وفي عام 1988 أعلن عرفات قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر في الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني، وفي سنة 1993 تم توقيع اتفاق أوسلو، الذي نص على إقامة السلطة الفلسطينية، وفي عام 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى بدعم مباشر من الرئيس عرفات الذي توصل إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل لاتريد إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة. وفي آواخر سنة 2001، فرضت إسرائيل حصارًا على الرئيس عرفات، لمدة ثلاث سنوات لم يغادر فيها مقر المقاطعة، وفي 12تشرين الأول/أكتوبر 2004، ظهرت علامات التدهور الشديد على صحته وتم نقله في 24 من نفس الشهر إلى مستشفى فرناسي بيرسي بفرنسا، وفي11تشرين الثاني/نوفمبر 2004، تم الإعلان عن استشهاده.
لقد منح استشهاد الرئيس عرفات والخلافات التي عصفت بحركة فتح، حركة حماس فرصةً للتفكير بشكل جدي بالمشاركة في النظام السياسي الفلسطيني، لأن استشهاده كان عاملًا مهمًا من ضمن مجموعة من العوامل التي لعبت دورًا في هبوط شعبية حركة فتح، فالرئيس عرفات عليه إجماع وطني، فكان قادرًا على الحفاظ على علاقاته مع الخصوم والمختلفين معه، ولم يسمح بتحويل أي خلاف سياسي إلى قطيعة، فاستشهاده كان له الأثر الكبير، ليس فقط على حركة فتح وإنما على عموم الأطر السياسية.
فقد أثر استشهاد عرفات على القضية الفلسطينية وبهتت هيبة القيادة الفلسطينية، وتراجع مستوى التأييد للقضية على المستويين العربي والدولي، وأصبحت القضية الفلسطينية هامشية واستخدمتها بعض الدول العربية من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، كل ذلك أدى إلى استمرار أزمة حركة فتح بشكل خاص وتفاقم حدة أزمة القضية الفلسطينية بشكل عام.
ومن ثم تولى الرئيس محمود عباس منصب الرئاسة الفلسطينية بعد استشهاد الرئيس عرفات من خلال الانتخابات الرئاسية الثانية التي تم إجراؤها في 15كانون الثاني /يناير 2005 ومدة رئاسته أربعة أعوام، إلا أنه بقي في هذا المنصب حتى اليوم، رغم انتهاء ولايته الدستورية سنة 2009؛ وذلك بسبب عدم إتمام المصالحة، وعدم الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية الثالثة.
وبعد الاتفاق الذي حصل مابين التنظيمات الفلسطينية في القاهرة في شباط/فبراير 2021، بوساطة مصرية على إجراء الانتخابات العامة الثالثة، تم إصدار المرسوم الرئاسي رقم 3 في 15كانون الثاني/يناير2021، لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، والقاضي بإجراء الانتخابات التشريعية في 22أيار/مايو 2021، وبموجب المرسوم ستجري الانتخابات الرئاسية في نهاية تموز/يوليو2021، على اعتبار أن نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى تدخل في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، على أن يتم استكمال انتخاب أعضاء المجلس الوطني في نهاية آب/أغسطس2021، وفق النظام الأساس لمنظمة التحرير والتفاهمات الوطنية، بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.
ومع إغلاق باب الترشُّح للانتخابات التشريعية في 31 آذار/مارس2021، دخلت فتح الانتخابات بثلاث قوائم مختلفة، واختتم تسجيل القوائم لانتخاب نوّاب المجلس التشريعي بـ 36 قائمة، كانت آخرها التابعة لـ اللجنة المركزية لحركة فتح، باسم قائمة فتح، بعد مخاض صعب نتيجة للخلافات الداخلية في عدد من المناطق في الضفّة، عقب إخفاق المفاوضات مع الأسير القائد مروان البرغوثي، ويأتي قرار البرغوثي بتشكيل قائمة سريعة مع القدوة كجزء من مخطّط الأول لتجاوز خطّة فتح التي أرادت حشره تحت ضغط الوقت، وتمرير القائمة التي أقرّتها من دون شروطه.
لقد أعلن الرئيس عباس في 30نيسان/أبريل 2021، عن تأجيل الانتخابات لحين ضمان مشاركة القدس، حيث صرح أن “القرار يأتي بعد فشل كافة الجهود الدولية بإقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات” . وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية في نفس اليوم، إيقاف العملية الانتخابية، وقالت اللجنة “تنفيذاً لقرار القيادة بتأجيل الانتخابات، نعلن عن إيقاف العملية الانتخابية ابتداء من 30 نيسان/أبريل 2021”
فالسبب الحقيقي وراء تأجيل الانتخابات الثالثة هو خلافات فتح الداخلية، ودخولها الانتخابات بثلاث قوائم، في مقابل وحدة وتماسك حركة حماس واستعدادها التام للانتخابات، وقد لعب إصرار البرغوثي للترشح للرئاسة دورًا جوهريًا في إقدام الرئيس عباس على تأجيل الانتخابات متذرعًا بقيام الاحتلال بمنع الانتخابات في القدس المحتلة. إن التذرع بالقدس هو حجة واهية، فلو كانت السلطة جادة فعليًا في إجراء الانتخابات لأوجدت العديد من الحلول وأصبحت قضية إجراء الانتخابات في القدس معركة سياسية سيخسر فيها الاحتلال.
ففي الذكرى السابعة عشر على استشهاد الرئيس عرفات تمر القضية الفلسطينية في أسوأ مراحلها على جميع الصعد، فعلى المستوى الداخلي مازال الانقسام مستمرًا ليصل لحد الانفصال الزاحف بصمت وأصبحت فلسطين بحكومتين ونظامين سياسيين أحدهما في غزة والثاني في الضفة، الذي بدوره أعاق التعاطف الدولي والعربي مع القضية الفلسطينية. أما على المستوى الخارجي، فقد خفت نجم القضية الفلسطينية وأصبحت قضية هامشية، فحتى الدعم الاقتصادي توقف، وتوقفت المفاوضات، حيث ترفض إسرائيل الجلوس والتفاوضل مع القيادة الفلسطينية؛ في ظل الاستيطان المستمر بطريقة جنونية وفرض الحقائق على الأرض.
فالإدارة الأمريكية الجديدة لم ولن تقدم للقيادة الفلسطينية سوى الوعود وجزء من المال المشروط، ولن تجبر حكومة نفتالي بينت على الجلوس مع السلطة الفلسطينية للتفاوض؛ بل واصلت الإدارة الأمريكية تنفيذ خطة الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترامب من خلال الضغط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، وهذا مؤشر أن صفقة القرن لم تمت، ولكنها تسير بطريقة سلسة وهادئة، فالاستيطان المستمر وسياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينة وقضية الأسرى والدعم المالي للسطة المتوقف عربيًا بقرار أمريكي كل ذلك يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تهدف لتصفية القضية الفلسطينية؛ واستبدال السلام السياسي بالسلام الاقتصادي “تحسين الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع بعض الشيء”؛ والإبقاء على التنسيق الأمني فقط، الذي يصب في خدمة أمن الاحتلال.
فهذه المرحلة تعتبر من أصعب وأعقد المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية، والقيادة الفلسطينية عاجزة أمام هذه الخطوات المتسارعة لتصفية القضية، حيث أصبحت السياسة الفلسطينية مشلولة على جميع الصعد والمستويات ولم يتبق من السلطة الفلسطينية غير الاسم، فقد تم إفراغها من محتواها من قبل إسرائيل والدول العربية والإدارة الأمريكية السابقة والحالية، والسياسات الخاطئة للسلطة الفلسطينية -التنسيق الأمني والفساد المالي والإداري-، التي أدت إلى زيادة عدم الثقة بها بسبب الممارسات والسوكيات الحكومية الخاطئة.
ففي ذكرى استشهاد الرئيس عرفات، مطلوب من القيادة الفلسطينية الرسمية إتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، من أجل توحيد الصف الفلسطيني للانطلاق لمرحلة الانتخابات العامة بتوافق وطني إسلامي من أجل إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على جميع المستويات، ولتجديد الشرعيات الرسمية للمنظمة والسلطة، وعقد المجلس الوطني والمركزي بحضور حركتي حماس والجهاد الإسلامي لترتيب البيت الفلسطيني، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة وفاعلة لمنظمة التحرير؛ لرسم وصنع السياسات العامة الفلسطينية بعيدًا عن التفرد والهيمنة على القرار، ومن ثم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية في يوم واحد لتجديد الشرعيات المنتهية منذ عقد ونصف تقريبًا، وتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الأمني في ظل استمرار الهدم والقتل والاستيطان المستمر. كل ماسبق من مطالب بإتمام المصالحة وعقد الانتخابات العامة ووقف التنسيق الأمني، يعد هو الوفاء لدماء الرئيس والشهداء والأسرى غير ذلك يصب في الاستمرار بتراجع القضية الفلسطينية لتصبح هامشية؛ في ظل استمرار التطبيع العربي الإسرائيلي المتواصل برعاية أمريكية.

*كاتب وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية.

Optimized by Optimole