ترشيد الإنفاق.. منهج الإسلام

ترشيد الإنفاق.. منهج الإسلام
Spread the love

بقلم: عبداللطيف مشرف* — ترشيد الإنفاق سنة إسلامية حميدة، سواء في المأكل أو في المشرب أو الملبس أو في المسكن أو في أي جانب من جوانب الحياة، وقد مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سعد بن ابي وقاص وهو يتوضأ فقال له: “لا تسرف”، فقال أوَفي الماء سرف يا رسول الله؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار. وهذا الذي روي في الحديث نعرف قيمته في عصرنا حيث تقل المياه ويكثر استهلاكها، وأمست قلتها خطرا يهدد البشرية، حتى أنه يقال إن الحروب القادمة ستكون من اجل الماء.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آثار كثيرة في بيان فضل الاعتدال في الإنفاق والموازنة والاقتصاد فيه، كقوله: “الاقتصاد نصف المعيشة”، وقوله: “ما عالَ من اقتصد”، اي ما افتقر من أنفق قصدا- أي باعتدال.
ومن روائع ترشيد الاستهلاك ووجوب المحافظة على الموارد قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن أنس بن مالك: “اذا سقطت لقمة احدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان”، قال: وأمرنا ان نُسلِت القصعة، وقال: “إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة”.
فهذا توجيه نبوي كريم الى أدب من آداب الطعام ربما يستنكف منه المترفون والمتكبرون بأن يرفعوا اللقمة او الحاجة اذا سقطت على الأرض وان لا يتركوا في الصحون طعاما زائدا يصبح فضلات تلقى، بل ليضعوا الصحون قدر حاجتهم فيأكلوه ولا يزيدوا عن حاجتهم فيلقى على المزابل، في حين أن هناك ملايين من الناس يحتاجون لكل لقمة بل وأقل منها، واذا قال قائل: ما قيمة اللقمة او بقية طعام في الصحن؟ فإن الجواب يكون حين ننظر الى مستوى الأمة في مشارق الأرض ومغاربها وعلى مستوى ثلاث وجبات في اليوم، لنعرف ان ذلك يساوي عشرات بل مئات ملايين الدولارات. وليس عجيبا ان نسمع اليوم عن كثير من الدول تقوم فيها جمعيات خيرية بوضع أواني في المطاعم توضع فيها انواع الأطعمة – التي تزيد على حاجة الرواد – تجمعها وتوزعها على الفقراء وما اكثرهم، ممن لا يجدون لقمة او نصف لقمة يسدون بها رمقهم.
ترشيد الاستهلاك والتنفير من الاستدانة:
ان على رب الاسرة وعلى الزوجة كذلك الموازنة بين الداخل والخارج بين الايرادات والنفقات حتى لا يضطر الى الاستدانة وذل الاستقراض من الغير، وقد ورد في بعض الآثار المردوية (الدّيْنُ شَيْنُ الدِّين)، اي يُسيء الى دِين الانسان وإيمانه، وقول (الدّيْن هَمّ بالليل ومَذلّة بالنهار)، قال العلماء وإنما كان الدّيْن شينا ومذلة لما فيه شغل القلب والبال، والهمّ اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند لقاءه وتحمل منّته بالتأخير الى حين ادائه، وربما يعد بالسداد والقضاء والوفاء فيخلف، أو يحدث صاحب المال عن سبب التأخير فيكذب او يحلف له فيحنث، ولهذا كان عليه السلام يتعوذ من المأثم والمغرم، وهو الدين، فقيل له يا رسول الله ما اكثر ما تتعوذ من المغرم ؟! فقال: (ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف).
فيجب على رب الأسرة ان يحسن الموازنة بين امكاناته وموارده، بين حاجاته وضروراته، حتى لا يقع تحت طائلة الديون.
العمل وترشيد الأنفاق وعدم الأسراف لهما دور في نهضة المجتمع حيث يشكل أداة حتميّة لتحقيقِ ما يُسمّى بالاكتفاء الذاتي النسبيّ للدولة، بحيث تعتمدُ على نفسها في إنتاجِ العديدِ من السلعِ الصناعيّة والزراعية والاستهلاكيّة، والخدمات المِهنيّة والعقاريّة، بمعزل عن التبعيّة الكاملِ للدول الأخرى، وبأقل قدرٍ ممكن من الاستيراد من الخارج، حيث يتمّ استغلالُ الموارد الطبيعيّة والبشريّة والطبيعيّة المتاحة، وتشغيلها عن طريق الأيدي العاملة، والأدوات، والماكنات الخاصّة لإخراج مخرجات مناسبة حسْبَ المواصفات المطلوبة والتي تلائمُ الاستهلاكَ البشريّ، وتؤمن احتياجاتِهم. ترفع معدّل الاستثمار في الدول، ممّا ينعكس بصورة إيجابية جداً على اقتصادها، ويزيدُ من قدراتها التنافسيّة، ويحقق لها القوة الساحة العالميّة، ويتيحُ لها القدرة على الصمود في وجه التحدياتِ والتعقيدات التي ترافقُ شراسة المنافسة، وعدائية بعض الدول، ونجد تلك الأمثلة الفعلية في الغرب، حيث محاسبة كل مسئول مهما كانت مكانته إذا أنفق مال الدولة في غير محله، فهناك تطبيق صارم للقانون على الكبير والصغير، إذا عمل على أهدار وموارد الدولة فيتم محاسبته فوراً، فنجحت هذه الدول وحافظت على أموال شعبها فتقدمت.
يحول دون الهيمنة الخارجيّة على الدولة، ويصدُّ كافة محاولات الدول الكبرى التي تسعى إلى استنزافِ الموارد الطبيعيّة بما في ذلك الماء والنفط والمساحات الزراعيّة والأيدي العاملة الخاصة بالدولة. يرفع مستوى الدخل القوميّ، والناتج المحلي الإجماليّ، مما يرفعُ معدّل الأجور الخاصّ بالموظفين في كافة القطاعات، ويؤمن الحياة الكريمة لهم، ويحقق مستوى من الرفاهية. يقلّل من معدّل الجريمة في الدولة، من حيث السرقات والقتل وجرائم سرقة الأعضاء البشرية والتجارة فيها، كما ويخفف من حدة المشاكل الاجتماعيّة الناتجة عن الفروقات الطبقية. يساهمُ في زيادة انتماء الأشخاص لأوطانهم، ويقلّل من معدّل الهجرات إلى الخارج بحثاً عن العمل والحياة الكريمة.

مظاهر إسراف العرب حديثاً وترشيد وقيمة قديماً….
يقول أحد العلماء “مازلت أحلم بمجتمع لا يستحي فيه الفقير من فقره , بل يستحي فيه الغني من التباهي بالترف”.
شاهدنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي من تستعرض مالها ومجوهراتها امام الناس والذي أحرق سيارته بقيمة 250 ألف، وهذا تبذير نتمنى وضع عقوبة تصل بهذا الجاحد لنعمة ربه للحجر والحجز على أملاكه ، وتوكيل من يدير ويدبر أمواله بدلاً عنه ، ‏يقول احد كبار السن لأولاده:
يا أبنائي قد حدثناكم عن جوع مرّ بنا
وإني لأخشى أن تحدثوا أبناءكم عن نعمة مرّت بكم!
وشاهدنا كذلك من يجلس كل واحد منهم على مائدة بمفرده ، بحد زعمهم أن هذا غاية الكرم!! ولم يتخيل هذا المسكين لو كان بمحل أحد الفقراء الذين يشاهدونه وقلوبهم منكسرة وربما دعاء عليه وحسده.
وشاهدنا كذلك من يرمي الفلوس على الإبل لكي تأكلها، وأتمنى لو نرسل هذا المسرف إلى إحدى الدول الفقيرة ويشاهد الفقراء بعينه ليعرف نعمة الله عليه.
وشاهدنا كذلك من يستخدم الفلوس ممسكاً بيده للقهوة الحارة تفاخراً وكذلك من يرمي الفلوس بداخل دلة القهوة بدلاً عن “الهيل”، قال الله تعالى ‏(إن المبذرين كانوا إخوان الشّيَـٰاطين وكان الشيطـاٰنُ لربِّه كفُورًا) وهذه الآية تكفي علامة عن ألف موعظة، لتشابه المبذر بالشيطان كأخ له في عمله المشين، ‏قال رسول الله ﷺ: “كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة” حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه .
وشاهدنا كذلك من ينثر “الهيل” بالمجلس إكراماً للضيف. وهذا ليس من الكرم في شي فالكرم هو أن تشبعه من غير إسراف ولامخيلة ورياء وسمعة ، فالبعض من الناس لايجد عمل ووظيفة، ونخشى أن يكون من هؤلاء المسرفين من يتمنى الوظيفة والمال غداً فلا يجده، فوالله إننا في نعمة نسأل الله أن لا يغيّرها علينا وكل صاحب نعمة محسود ، فَاتَّقُوا الله يا عباد الله في نعمة الله ، وفضله عليكم.
وشاهدنا كذلك من يشتري لأبنته طقم حمام مطرز بالذهب الخالص ، تفاخراً ومباهاة للناس ، فالذي رصيده بالبنك مليان ليس كالذي بطنه جوعان.
قيل ليوسف عليه السلام: لماذا تصوم وأنت على خزائن الأرض؟ قال أخشى أن أشبع فأنسى الجائع.
وفي عام الرمادة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوشك الناس على الهلاك من الجوع فكان عمر وهو يخطب على المنبر وبطنه يقرقر من الجوع فيضع اصبعه على بطنه ويقول قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين.
وفي عام ‏1327 في نجد وما حولها وقع جوع وقحط بالأمطار كاد الموت يفتك بالناس من الجوع حتى أكلوا الميته وورق الشجر وطبخوا الجلود والعظام، ومازال البعض من كبار السن يتذكر هذه المجاعة، بل من قبل كانت تأتي الزكاة من السودان والصومال ومصر إلى جزيرة العرب لكثرة الفقراء حول الحرم المكي الذي يفدون إليه من كل مكان.
قال الله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}. يقول أحد هؤلاء المسرفين هذي عادات وتقاليد وأقول لو سمع هذا حال هذا البلد وما مر به من فقر وغربة أهله قديماً عن الأهل والوطن من أجل البحث عن لقمة عيشه لأعتبر وانزجر، ‏فالخبز الذي يكافح من أجله الفقراء يضعه الأغنياء زينة على المائدة. المرأة في حفلات الزواج تشتري فستاناً بأعلى الأثمان تلبسه مرة أو مرتين ثم ترميه. هذا مع ما تشتريه من مكياج وأجهزة ومتاع وأثاث وتجهيزات للحفلات ومناسبات الزواج كلها محاكات ومضاهات للناس والله المستعان، وليس كل الأغنياء مسرفين بل وجد أغنياء يعرفون نعمة الله عليهن ويقدرونها حق قدرها، بعكس من أعطاه الله النعمة ولم يقدرها ويشكرها قال تعالى: ‏(وما بكم من نعمة فمن الله) ونحن مسؤولون عن هذه النعم هل شكرنا الله عليها ؟ والنعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت.

*باحث وأكاديمي مصري.

Optimized by Optimole