تأثير التعددية الإثنية على الاستقرار السياسي للدولة

تأثير التعددية الإثنية على الاستقرار السياسي للدولة
Spread the love

شجون عربية – بقلم: عبد الواجد ابو عمر*|

يتفق السياسيون وعلماء الاجتماع وعامة الشعوب على وجود المشاكل المتعلقة بالاختلاف الإثنية، والذي بدوره يؤثر على الاستقرار والأمن الدوليين الناتج عن عدة عوامل والتي أدت بدورها الى ظهور مثل تلك القضايا ووجود في بعض الأحيان الى كوارث إنسانية. ولا تخلو دولة أو إقليم من وجود الاختلافات الإثنية فيها التي تعود الى عوامل منها طبيعية وتاريخية وسياسية واستعمارية وغيرها.
يختلف الكثير من الباحثين في تعريف مفهوم الإثنية والأزمنة التي ظهرت بها، والأسس التي قامت عليها هذه الاختلافات ولكن يمكن تعريف الإثنية أنها مجموعة من المفاهيم والمعايير التي تحدد انتماء الفرد إلى هذه الجماعة واختلافها في العادات أو الدين أو اللغة أو الثقافة أو المذهب أو الملامح الجسمانية وتكون متمايزة عن الجماعات الآخرى بتلك الخصوصية. ويمكن ربط ظهور القضايا الإثنية في العلاقات العكسية بين تعدد الإثني والاستقرار السياسي والأنماط التي تمارسها السلطات تجاه الجماعات الإثنية وعدم قدرة الدولة على الاندماج الواحد في ظل هذه التعدادات والذي يغذي ويزيد ظهورها الانتماء المتشدد والاستنصار لهذه الجماعات الإثنية من قبل أفرادها.

أولًا:تقدير هوية الجماعة:
يوجد تباين حقيقي في الساحة العالمية بين مكانة الجماعات الإثنية، ويرجع ذلك الى عدد من العوامل والظروف، وتقسم هذه الظروف إلى قسمين:
داخلية: وتتكون نتيجة تماسك أفراد الجماعات الإثنية مع بعضها البعض وشدة انتمائهم إلى هذه الجماعة ودرجة اهتمامهم بقضايا المصلحة المشتركة للجماعة.
خارجية: وتتمثل في ثلاث ظروف لبروز هوية الجماعة وهي: قسوة الأضرار الواقعة على الجماعات الإثنية بنسبة لجماعات أخرى، ومدى الاختلافات الثقافية بين جماعة إثنية وجماعات أخرى تتفاعل معها، والصراعات والنزاعات التي قاضتها الجماعات مع بعضها البعض أو مع الدولة.

ثانيًا:تصنيف الجماعات الإثنية:
يختلف تصنيف الجماعات الإثنية عن بعضها البعض من حيث الثقافة وعوامل ومعايير التي تنشأ الجماعة، ويتم تصنيف الجماعات على مجموعة من الأسس بحيث أن التصنيف التي تصنف عليها الجماعة الإثنية يكون ابرز عامل فيها ومع وجود عوامل أخرى وهي:
الجماعات السلالية: وهي التي تشير إلى تلك الجماعات التي تقوم على أساس الصفات الجسمانية والفيزيائية العامة، والأصل وإضافة إلى بعض الصفات الأخرى مثل: لون العيون والشعر، على نحو يجعلها تتمايز عن باقي الجماعات الأخرى.
الجماعات اللغوية: هي جماعات يشترك فيها الأفراد بالتعدد بنفس اللغة وتبني عليه هذه الجماعات أساس اختلافها الإثني عن الجماعات الأخرى، والتي تسميها بعض الجماعات بالقومية مثل: القومية العربية، وقد يتصل أبناء الدولة الواحدة بنفس العرق لكن قد تختلف لغاتهم كما هو الحال في الدول الأفريقية، وأدى هذا الى ظهور مشاكل داخل الدولة الواحدة، حيث يتنازع كل جماعة مع الأخرى لاعتبار أن لغتها هي اللغة الرسمية في الدولة.
الجماعات الدينية: ويظهر هذا المفهوم في تلك الجماعات التي تعتبر أن الدين هو المقوم الرئيسي لجماعاتهم، ويظهر جليا في المجتمعات التي لا تتخذ العلمانية نظاما لدولتها، مما يؤدي الى ظهور النزاعات الدينية والطائفية بل وحتى المذهبية، والتي تكون ناتجة عن سعي كل جماعة لبسط نظامها الديني على الدولة، كما هو الحال في لبنان لا يقتصر على صراع الديني أو المذهبي.

ثالثًا: مطالب واستراتيجيات الجماعات الإثنية:
مطالب الجماعات الإثنية: هي الهداف التي تسعى الجماعات لنيلها وتحقيقها، وتختلف هذه الأهداف باختلاف أوضاع الجماعات الإثنية في المكان الذي تتواجد فيه وشكل تواجدها والأساس الذي تقوم عليه, وهنالك نوعان من المطالب هي:
المطالب الرمزية: وتتعلق هذه المطالب بهوية الجماعة الإثنية، وأكثر هذه المجالات الرمزية التي تتعلق باللغة والدين والأشخاص الذين يوجهونها.
المطالب المادية: ترتبط بالإمكانيات والقدرة الاجتماعية ومدى مساواتها مع الجماعات الأخرى، وهنا تظهر المشكلة وهي صياغة مطالب هذه الجماعات، حيث أن هذه المطالب تكون مبنية على أساس المصالح المراد تحقيقها والتي تتعارض مع مصالح الجماعات الأخرى في بعض الأحيان.
استراتيجيات الجماعات الإثنية: هي الطرق والسبل التي تتبعها الجماعات الإثنية لتحقيق أهدافها ومطالبها، وتختلف هذه الطرق باختلاف أوضاع الجماعات الإثنية، وهنالك مجوعة من الاستراتيجيات والطرق والوسائل التي تعتمدها الجماعات الإثنية التي تصنف في ثلاثة أشكال: الطرق والوسائل السلمية (المظاهرات السلمية، تشكيل الأحزاب السياسية، والمناظرات)، والاحتجاج العنيف ( العصيان، القيام ببعض أعمال العنف)، الثورة وهي تحقيق المطالب من خلال استخدام القوة (الكفاح المسلح، حرب العصابات، والحرب النظامية).
في هذا الصدد يقول ألبرت هيرشمان، إن لدى الجماعات الإثنية المضطهدة خيارات لحل مشاكلهم، وهي الخروج، والتي تعني ضغط الأقليات على الحكومات السياسية للحصول على مزيد من الاستقلال الذاتي، الاحتجاج، هو الأمل في تحسين الوضعية الاجتماعية داخل الدولة، الولاء،هو القبول بالوضع القائم مع بقاء رغبة التغير.

رابعًا:استراتيجيات أدارة تعدد الإثنية:
وتتلخص في القوانين والأنظمة والأفكار التي تتبناها الأنظمة في التعامل مع الجماعات الإثنية، وهناك عدة أنماط يمكن تقسيم هذه الأنظمة مع الجماعات الإثنية على نمطين أساسيين:
الاستراتيجيات السلمية لإدارة تعدد الإثني: وتتخذ الأنظمة عدة وسائل لتطبيق هذا الاتجاه منها:
الاستيعاب: وتعني سعي الأنظمة إلى دمج واستيعاب الجماعات الإثنية واستقطابها وإمالتها الى نظرية الهوية الجماعية (الوطنية). ومن هذه الأمثلة: إستراتيجية النظام الأثيوبي، حيث اتبع إستراتيجية التعايش بين الجماعات الإثنية المختلفة داخل الدولة.
تقاسم السلطة: وتقوم هذه الفكرة على أساس دمج الجماعات الإثنية ضمن إطار الدولة الواحدة، من خلال إشراك هذه الجماعات في السلطة، وهنالك عده من الأشكال لتقاسم السلطة مثل: الفدرالية، والحكم الذاتي الإقليمي, والحكم الذاتي بجماعة إثنية معينة، والمميز في هذه الطريقة أنها تخفض من حدة المنازعات الإثنية، وذلك ناتجة عن شعور الجماعات الإثنية بان لها تأثير في الإطار الذي توجد فيه.
الاستراتيجيات القسرية لإدارة التعدد الإثني: وتبرز هذه الفكرة باستخدام عدة أشكال من القوة والإكراه المادي، ومن هذه الأشكال والطرق التي تتبعها الأنظمة:
استراتيجية الهيمنة: وتكون هذه الإستراتيجية بإتباع الأنظمة والحكومات في الدولة العديد من سلوكيات وإجراءات قمعية ومنع وعزل نضال الجماعات الإثنية أو بروزها، وتتبع مجموعة من الوسائل في ذلك ومنها: سياسة الإخضاع: وذلك بعدم السماح لهذه الجماعات بحرية تقرير مصيرها واضطهادها (الابارتايد)، وعزل الجماعات المناضلة: أي من خلال منع ظهورها أو تأثيرها على الساحة وفرض عقوبات عليهم (الفصل العنصري).
الاستبعاد والترحيل الإجباري: وهي تهجير هذه الجماعات من مراكز قوتها وفصلها عن المكان الذي ترتبط به إثنيا في محاولة لثنيهم عن المطالب التي يسعون إليها (التهجير ألقسري).
الإبادة الجماعية: وتعني القتل المنتظم تجاه جماعات تحمل صفات معينه، بهدف تقليص أعدادهم ومحاربة نضالهم وترويعهم وثنيهم عن المطالب التي يسعون إلى تحقيقها. وهذا النوع أكثر شيوعًا في تاريخ البشري في الممارسات العنيفة اتجاه الجماعات الإثنية.

خامسًا:تسييس الإثنيات كسبب لنزاعات الإثنية:
حيث يتم جعلها سبب لنشوء الصراعات والحروب بين الجماعات الإثنية، وفي هذا الإطار يتم استخدام العديد من الوسائل في تحقيق ذلك:
توظيف الإثنيات والتفسير الذرائعي لنزاعات الإثنية: وتعني أن الإثنيات تفسر وتسبب النزعات الإثنية على أن حق تاريخي وطبيعي وفقه المعتقد الإثني، ومن خلال مراجعات التاريخية يظهر أن عنصر المساواة والعنصرية تسبب لنشور الحروب، وقد صنفه المؤرخون والفلاسفة أن الجماعات الإثنية تقسم من هذا المنظور الى جماعات متميزة ومتضررة:
الجماعة المتضررة: هي جماعات تتعرض لتميز سياسي واقتصادي وتكون غالبًا المعتدى عليها.
الجماعة المتميزة: هي التي تحتل مكانة سياسية وثقافية تتفوق بها على الجماعات الأخرى وغالبًا ما تكون المعتدية، بسبب نظرية التفوق الإثني.
أما بخصوص التميز السياسي الذي يعني اختلاف الجماعة الإثنية عن باقي الجماعات الإثنية الأخرى، وأشار علماء الاجتماع قيام التميز على ستة أبعاد هي: قدرتها على الوصول إلى الوظائف القوى السياسية على المستوى الإقليمي أو القومي، والقدرة على الوصول إلى الخدمة المدنية، والتجنيد بالعسكرية أو الشرطة، وحق المشاركة السياسية (التصويت والترشح)، ومكانة نشاطها ومشاركتها السياسية، ونسبة حصولها على الحماية القانونية والتساوي أمام القانون.
وقد أجمل علماء الاجتماع أن التمييز الاقتصادي يمكن معرفته من خلال عدة أبعاد، مقدار الدخل، وتفاوت في الأرض والممتلكات، والوصول الى التعليم العالي أو الغنى، وحجم المشاركة في النشاطات التجارية، وحجم المشاركة في المهن، ومقدار المشاركة في الوظائف الرسمية.
أسباب تسييس الاختلافات الإثنية: حيث لعبت الخلافات الإثنية دورًا في اندلاع أعمال العنف والغاية من وراء تسييس الاختلافات الإثنية منها:
إثراء النخب: يعني حصول النخبة الإثنية على السلطة والقوة والنفوذ، وغالبا ما يكون من يثير هذه الخلافات هم النخب لتحقيق غاياتهم.
احتكار السلطة: ويمكن القول أن احتكار السلطة ضرورية للنقطة السابقة وهي إثراء النخب، وذلك لتبقي بأيديهم السلطة والنفوذ.
في النهاية يمكن القول أن النزاعات الإثنية وحالة عدم الاستقرار السياسي، لم تكن نتيجة الاختلافات الإثنية فقط، وإنما لعدت عوامل أخرى ومن ضمنها السياسات التي تمارسها الإدارات والسلطات تجاه الجماعات الإثنية، وأيضًا من العوامل البارزة التي لا يمكن تجنبها هو استغلال النخب السياسية.
لقد اتضح أن الصراعات الإثنية أدت الى كوارث بشرية لا يستفيد منها حتى أفراد الجماعات الإثنية، وذلك بسبب حالة الصراع المستمرة وللحد من هذه الكوارث الإنسانية يجب مراجعة أنظمة وقوانين الدول، والتي تكون في غالب الأحيان هو الفتيل الرئيسي لنشوء مثل تلك هذه النزاعات، ويمكن تجنب ذلك من خلال سياسات التقبل والإيمان بتعددية ولا يكون ذلك إلا بمفهوم الحياد التام للأنظمة والقوانين التي تبنى على أساسها الدولة.

*باحث في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأميركية فلسطين.

Optimized by Optimole