العقوبات وصراع الإرادات بين واشنطن وطهران

العقوبات وصراع الإرادات بين واشنطن وطهران
Spread the love

بفلم: توفيق المديني* —

لا تزال السياسات المعادية التي يطبقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران والقضية الفلسطينية مستمرة، لا سيما بعد إعلانه القدس الموحدة عاصمة نهائية للكيان الصهيوني، وبعد إلغاء إقامة السفير الفلسطيني في واشنطن، وبعد قراره بفرض الدفعة الثانية من العقوبات على إيران يوم4 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

التحريض الصهيوني على فرض العقوبات
ويعتقد العديد من المحللين أنّ العلاقات الأمريكية – الإيرانية قد دخلت نفق التصعيد المفتوح حتى على العمل العسكري، أو أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة وضعت الملف الإيراني فوق نار حامية، خصوصًا في ضوء التحريض من جانب رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو للرئيس ترامب على فرض العقوبات الاقتصادية كشرط رئيس لمنع الكيان الصهيوني من شن هجمات جوية على قواعد إيران في لبنان وسورية، لا سيما بعد أن علمت واشنطن أيضاً، من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أن وزارة الدفاع الصهيونية تستعد لشن غارة على مفاعل “بوشهر” شبيهة بالغارة الجوية التي شنتها سنة 1981 على مفاعل أوزاريك العراقي.
وكان إسقاط، أو إفشال الاتفاق النووي مع إيران هو الهدف وما زال، وكانت صواريخ إيران البالستية هي الهدف الثاني بعد أن تجاوزها إطار الاتفاق النووي، وجاءت تنامي قوة إيران الإقليمية بسبب وقوفها إلى جانب الدولة الوطنية السورية، لتعطي نتنياهو فرصة الدخول في شراكة استراتيجية صهيونية – أمريكية جديدة عنوانها إيران، ولعل هذا ما استهدفه نتنياهو عندما طالب الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على إيران. وكان نتنياهو شديد الحرص على إطلاق كل ترسانته من التحريض ضد إيران، لذلك أعاد اتهام إيران بأنها “تسعى إلى القضاء على “إسرائيل” وتقول هذا علناً، وهي تسعى إلى غزو الشرق الأوسط، وتهدد أوروبا والغرب والعالم”. الموقف الصهيوني واضح: إيران هي الهدف، سواء بتجديد الهجوم على الاتفاق النووي لإفشاله، أو بالتحريض ضد القدرات الصاروخية الإيرانية.
من وجهة نظر الرئيس ترامب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران جاءت بسبب ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي، وبهدف منعها من التوصل إلى صناعة سلاح نووي يخلّ بالتوازن الاستراتيجي القائم في المنطقة، الذي يحتل فيه الكيان الصهيوني مركز الريادة، حيث تريد الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها الرجعيات العربية وعلى رأسها المملكة السعودية، أن يظل السلاح النووي حكرًا على الكيان الصهيوني، والحيلولة دون أن تصبح إيران قوة إقليمية تمتلك السلاح النووي، بذريعة أنه يهدد أمن ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية “إسرائيل”.
ويعتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه من أجل وضع حدِّ لسياسة إيران الإقليمية، لا سيما تدخلها القوي في الحرب التي تخوضها الدولة الوطنية السورية ضد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، خصوصاً بعد أن باتت سورية تملك صواريخ “أس أس 300 “على أراضيها ،واستمرار دعم إيران لحزب الله اللبناني الذي يجسد بلا منازع الذراع القوية للمقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني ،وبات يملك ترسانة قوية من الصواريخ قادرة على ضرب العمق الصهيوني، لا بدمن تطبيق العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية بهدف تدمير اقتصادها، وحرمانها من مصدر ثروتها المتأتية من إنتاج 3.45 مليون برميل نفط يومياً. وهذا المصدر يجعل من إيران (82 مليون نسمة) ثالث أكبر دولة منتجة للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”.
في الوقت ذاته نشأ في الادارة الأمريكية خلاف بين مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو. ذلك أن الأول يطالب بفرض عقوبات مشددة باستثناء استيراد الغذاء والدواء… والثاني يؤيد التخفيف في حجم تصدير النفط لمنع المسّ بدول صديقة لواشنطن بسبب الزيادة المتوقعة في أسعار الوقود. أما وزير المالية ستيفن منوتشن فقد اقترح السماح لإيران بشراء المنتوجات الأساسية التي يحتاجها الشعب. كل هذا لإبراز المبدأ الذي يقول بأن العقوبات موجهة ضد النظام وليس ضد الشعب وبسبب تعدد مؤسسات السلطة التي أنشأها الإمام السيد علي خامنئي، لم يعد بالمستطاع المسّ بالنظام من دون تعريض الشعب لعواقب العقوبات!.
في العام 2010، صُنِّف الاقتصاد الإيراني بأنّه ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وبأنّه التاسع والعشرون في العالَم بحجم 337.9 بليون دولار. وقد شكَّل النفط والغاز 80% من الصادرات الإيرانية التي جلبت 60% من دخل الدولة. ويتميّز الاقتصاد الإيراني بإمكانات طبيعية وثروات ضخمة من المواد الأوّلية، فهناك ما يقارب 20% من الأراضي الصالحة للزراعة. وتمتلك إيران 10% من احتياطي النفط المؤكّد في العالَم، و15% من الاحتياطي العالَمي من الغاز الطبيعي.
ومع الإعلان عن سلسلة خطط ومشروعات استثمارية لشركات غربية عدّة في إيران، توقَّع البنك الدولي أن يُحقِّق الاقتصاد الإيراني نموّاً في حدود 5% خلال العام الماضي، مرتفعاً من 2.8% بنهاية العام السابق، و1.9% في العام 2014، وذلك تزامناً مع رفع العقوبات الدولية. كذلك توقَّع صندوق النقد الدولي أن يُسهِم رفع العقوبات في زيادة إنتاج النفط والصادرات، وخفض تكلفة التجارة والمعاملات المالية الدولية، فضلاً عن عودة الاستثمارات الأجنبية التي في حال تحقيقها بالفعل، سيُسهم ذلك في تسريع معدّلات النموّ الحقيقي بنِسب تراوح بين 4 و5.5% خلال العامَين 2016 و2017، في حين تهدف الحكومة الإيرانية إلى تحقيق نموّ 8% خلال السنوات العشر القادمة، وهي بحاجة إلى استثمارات أجنبية مباشرة يصل حجمها إلى نحو 50 بليون دولار، وعلى أساس زيادة سنوية متوقَّعة بما قيمته 3.5 بليون دولار بدءاً من نهاية العام الحالي، تكون بحاجة إلى استثمارات تُقدَّر بنحو 185 بليون دولار بحلول عام 2020.
وتستهدف العقوبات الأمريكية على إيران، تحقيق الأمور التالية:
1- الضغط على الاقتصاد الإيراني، وتحديدا الجهات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وذلك من خلال الحد من رغبة الشركات الأجنبية في الدخول إلى الأسواق الإيرانية.
2- وضع شروط على الشركات الدولية المتعاملة مع الشركات الإيرانية أن يكون إنجاز المعاملات بالدولار الأمريكي فحسب.
وبالمقابل، كان هناك رهان إيران على إسهام الاتفاق النووي في إنقاذ الاقتصاد الإيراني، الذي ظل خاضعًا لحصار اقتصادي دولي منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث ضربت العقوبات مفاصل اقتصادية رئيسة، وأدّت إلى تراجع النفط بأكثر من النصف، وذلك من 100 بليون دولار إلى أقلّ من 50 بليوناً، وأدّت التحوّلات الجيوسياسية إلى انهيارٍ متواصلٍ للنقد الإيراني. ومن هنا كان الرهان الكبير على القرار الاستراتيجي لإنجاز الاتّفاق النووي مع الدُّول الست، ولاسيّما لجهة فكّ الحصار المالي والاقتصادي وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي بشكلٍ يُعيد إنعاش اقتصادها.
تعمق الهوة بين أوروبا وأمريكا
من الواضح أن العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس ترامب على إيران، تضع أمريكا في مواجهة مع معظم دول العالم، وفي المقدمة حلفائها الأقرب لها، وقد ظهر أن الهوة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا تتسع وأن استمرار السياسة الأمريكية في هذا المنحى سوف يؤدي إلى طلاق في هذه العلاقة ,وهو أمر يقود إلى عزلة أمريكا، واحتمال انفراط عقد ذلك التحالف التاريخي بين أمريكا وأوروبا التي أصبحت مصالحها مهددة نتيجة السياسات الأمريكية، لاسيما أن الاتفاق النووي رتب التزامات وعقوداً وصفقات اقتصادية وتجارية بين الدول الأوروبية وإيران وبوشر في تنفيذها، في حين أن نهج العقوبات الأمريكية ضد إيران يلحق الضرر بمصالح الكثير من الدول الأوروبية، لاسيما أنه لم يعد هناك من مبرر لها بعد أن أصبحت روسيا دولة رأسمالية وليست اشتراكية.‏
إذا كانت استراتيجية ترامب تستهدف إيران وتضعها في موقع العدو الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، في محاولة لمنعها من مواصلة امتلاك القدرات وعناصر القوة، فإنّ الإمبريالية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة، وسقوط المنظومة السوفياتية، وانتصار العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة، تستهدف الهيمنة على عموم المنطقة، والإبقاء على النظام الدولي أحادي القطبية السائد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومنع تشكل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، التي باتت القوى الدولية الأساسية لاسيما روسيا والصين، ودول البريكس، تطالب ببنائه. وفضلاً عن ذلك، فإن الدول الغربية الحليفة لأمريكا مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ترى في فرض العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، تقويضاً لعوامل الاستقرار، ومقدمة لخطوات مماثلة تستهدف دولاً عديدة في المنطقة والعالم، خصوصاً أن واشنطن تصعد على أكثر من اتجاه، والتصعيد الأخطر هو ضد روسيا والصين ويتمثل بنشر منظومة الصواريخ “ثاد” الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان.‏
فقد جددت المفوضية الأوروبية دعمها لإيران في مواجهة الإجراءات الأمريكية الجديدة ضدها وللاتفاق النووي الموقع معها. وقالت المتحدثة باسم السياسة الخارجية في المفوضية الأوروبية مايا كوتشيانتيتش خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء الماضي نقلته وسائل إعلام: مستمرون في دعم إيران ونأسف لقرار أمريكا بإعادة سن العقوبات ومستمرون في دعم الاتفاق النووي مع إيران.‏ وأضافت: المفوضية تأسف لقرار منع البنوك الإيرانية من التعامل مع خدمة التحويلات المصرفية سويفت.‏
من جانبها تعهدت فرنسا بالمضي قدما في خططها لمواجهة العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران وتعزيز الدور الدولي لليورو في إطار سعيها لقيادة أوروبا في تحدي مساعي الولايات المتحدة للعمل “كشرطي تجاري” في العالم.‏ وقال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في حديث لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية: إن الخطط لإنشاء قناة مالية خاصة للحفاظ على تدفق التجارة مع إيران كانت جزءا من حملة من جانب أوروبا لضمان “سيادتها الاقتصادية” الخاصة بها بهدف جعل اليورو قويا مثل الدولار، مشددًا على أنّ أوروبا ترفض السماح للولايات المتحدة بأن تكون الشرطي التجاري للعالم وان الخلاف حول العقوبات على إيران أظهر الحاجة الى أن يؤكد الاتحاد الاوروبي استقلاله.‏
وأكد لومير أن الخطوات الأمريكية شددت على الحاجة إلى اتخاذ تدابير خاصة لمنح أوروبا قدرة أكبر على رسم مسارها الخاص حيث أن الآلية التي تم اعتمادها ستسمح للشركات القيام بأعمال تجارية مع إيران بينما تظل المدفوعات المالية مركزة في أوروبا.‏ وأوضح أن فرنسا تريد من هذه الآلية أن تتطور مع مرور الوقت لتصبح مؤسسة حكومية دولية حقيقية تعمل كأداة مالية لاستقلال أوروبا ويجب أن تسمح لنا بالاتجار بأي منتج ومع أي بلد طالما أن ذلك يتماشى مع القانون الدولي والتزامات أوروبا، مؤكداً أن العمل يتقدم على مخطط لإنشاء هذه الآلية كشركة محدودة حيث ستحصل في المرحلة الثانية على ترخيص مصرفي.‏
بدورها اعتبرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن تصريحات لومير تعكس شعوراً عميقاً بالإحباط في أوروبا من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أيار2018 الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران حيث فرضت واشنطن منذ ذلك الحين عقوبات على إيران وأي شخص يتعامل مع كيانات وأفراد مستهدفين.‏ وفرضت الولايات المتحدة حزمة ثانية من إجراءات الحظر على قطاعات حيوية في إيران بعد الحزمة الأولى التي دخلت حيز التنفيذ في السابع من آب الماضي.‏
ولجأ الاتحاد الأوروبي إلى آلية قانونية أقرت في عام 1996 وتعرف بقانون التعطيل الأوروبي للالتفاف على العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على إيران وهذا يعني أن بإمكان الشركات الأوروبية العاملة في إيران استكمال أغلب أنشطتها دون التعرض للعقوبات.‏
فالاتحاد الأوروبي لم يخيب آمال طهران في إعلان الخطوات المرجوة لمؤسسة SPV، والتي تم الحديث عنها من حيث المبدأ قبل شهرين، إذ سيقوم بإنشاء دار مقاصة والمعروفة باسم عربة الأغراض الخاصة SPV وهي مصممة للسماح للشركات الأوروبية التي تعمل مع إيران لتجاوز العقوبات الأمريكية التي اعيد فرضها في أوروبا في غضون أشهر وربما يكون ذلك في فرنسا أو ألمانيا، وهو اجراء حاسم ومهم لطمأنة طهران بأن الاتحاد الأوروبي يرغب حقاً في مكافأتها على توقيع اتفاق 2015 بشأن برنامجها النووي من خلال توسيع نطاق أعمالها مع البلاد.‏
ونصت شروط الاتفاق ان توافق إيران على الحد من أنشطتها النووية وتقديمها لعمليات التفتيش الدولية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، لكن دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة أعلن انسحابه من الصفقة خلال العام الجاري وظهرت مجموعة كاملة من العقوبات الأمريكية ودخلت حيز التنفيذ من يوم الاثنين وشملت التهديدات بتر شريان الحياة للاقتصاد الإيراني وفرضت عقوبات على الشركات أو البلدان التي تشتري النفط الإيراني.‏
وما يميز هيئة Spv انها تعمل كوسيلة لتبادل المقايضات مع عدم الارتباط بالنظام المالي الدولي بالدولار الأمريكي عدا عن انها لا تتطلب التحويلات النقدية بين دول الاتحاد الأوروبي وإيران، فالشركة الإيرانية التي تبيع إلى أوروبا ستقوم بجمع أرصدة يمكن استخدامها بعد ذلك لشراء منتج من شركات أوروبية مختلفة.‏
ومع استمرار وجود الموقعين الأوروبيين الرئيسيين على صفقة 2015 – فرنسا وألمانيا – ولا يزالان يعملان من خلال متابعات حثيثة لتفصيلات التحرك الأمريكي ما يشكل مصدر القلق الرئيسي للتهديدات التي تواجه التجارة وقدرة إيران على الوصول إلى الدخل من تلك البلدان التي منحت وقتا اضافياً لمواصلة شراء النفط من إيران لمدة ستة أشهر أخرى على الأقل.‏
بيد ان الفشل في تأسيس شركة SPV سيكون بمثابة إهانة للدعاة الأوسع للاستقلال الاقتصادي الأوروبي من الدولار مثل وزير المالية الفرنسي برونو لو مير. حيث ينظر البعض إلى فرض عقوبات ثانوية على الشركات الأوروبية سعيا وراء تحقيق أهداف سياسة خارجية كدليل غير شرعي للإمبريالية الاقتصادية الأمريكية.‏ الولايات المتحدة رافضة إلى حد كبير شركة SPV. وهذا ما أكده الممثل الخاص للولايات المتحدة بشأن إيران، براين هوك: “لم نر الكثير من الطلب، إن وجد، على شركة SPV. نحن لا نتوقع أي شركة كبيرة باستخدام SPV.‏ “. بينما رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني تقول، إن التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي هي “جانب أساسي من الحق الإيراني في الحصول على ميزة اقتصادية مقابل ما قاموا به حتى الآن، وهو ما يتوافق مع كل ما يتعلق بهم من قضايا نووية”(نقلاً عن صحيفة الثورة السورية بتاريخ 8/11/2018).
وكان ناطق باسم الخارجية الأمريكية أعلن أن الوزير مايك بومبيو منح استثناء من العقوبات، لإتاحة تطوير ميناء جابهار الإيراني، في إطار مشروع تقوده الهند لمدّ خط للسكك الحديد من الميناء إلى أفغانستان، وشحن سلع غير خاضعة للعقوبات، مثل الأغذية والأدوية. وأضاف أن ذلك سيمكّن كابول أيضاً من مواصلة استيراد نفط إيراني، لافتاً إلى أن “هذه النشاطات حيوية في إطار دعم مستمر للنموّ والإغاثة الإنسانية في أفغانستان”.
تحالف أمريكي – صهيوني – رجعي عربي لتفجير حرب جديدة
لقد أسهمت سياسة فرض المزيد من العقوبات الأمريكية على إيران في تعميق الهوة في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وفي سير السياسة الأمريكية عكس تيار المجرى العام للتطورات العالمية خلال العقدين الأخيرين، لا سيما في ضوء تنامي المعارضة الكبيرة من قبل قوى دولية وازنة كروسيا والصين، وعدة دول نامية كبيرة كالبرازيل وجنوب إفريقيا وإيران، ودول جنوب شرق آسيا ،لمنطق الهيمنة الأمريكية، وهي السبب في تراصف العالم في مواجهة إدارة ترامب إزاء الموقف من الاتفاق النووي، وجعل أمريكا في حالة من العزلة العالمية لأول مرة في تاريخها، بعدما كانت للأمس القريب دولة تهيمن على العالم يهابها الجميع ويسير وراءها معظم دول العالم، أما اليوم باتت غير قادرة على إلزام أحد بقرارها.‏
العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ،قام بالتحريض عليها، ومولها، أطراف إقليمية مفرطة في العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتكون من الكيان الصهيوني، والمملكة السعودية وبعض من دول الخليج المرتبطة بالسياسة الأمريكية، لكي تجر الإمبريالية الأمريكية إلى تفجير حرب جديدة في إقليم الشرق الأوسط، لا أحد يستطيع التكهن بحدودها ونتائجها وتداعياتها، إذ تسعى إدارة ترامب ومعها حلفائها الإقليميين استغلالها لإسقاط النظام المقاوم والمناهض لسياساتهم وأجنداتهم في عموم الشرق الأوسط، ومنع الدولة الوطنية السورية‏ التي حققت انتصاراً كبيراً في الحرب على الإرهاب من تحقيق التسوية السياسية للأزمة التي حلت بالبلاد منذ 2011، وإعادة إعمارها، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر “صفقة القرن”، التي أفسحت في المجال لبعض العرب على ضفة الخليج لبناء التحالف العسكري الشرق أوسطي الجديد الذي أقامته واشنطن أو ما يطلق عليه “الناتو العربي” حيث الكيان الصهيوني جزء منه ، والذي يؤسس لعلاقات تحالف جديد تجمع ما بين الصهيونية اليهودية، والصهيونية العربية، تشكل ركيزة جديدة للسيطرة الإمبريالية الأمريكية – الصهيونية على الوطن العربي.
إنّ أي حرب جديدة أمريكية – صهيونية – رجعية عربية على إيران، لن تكون سهلة، في ضوء امتلاك إيران القدرات العسكرية التي راكمتها في السنوات الماضية على الرغم من الحصار والعقوبات. فإيران لن تكون لقمة سائغة في فم المخطط الأمريكي- الصهيوني – الرجعي العربي، الذي لم يستخلص الدروس من الحرب الإرهابية الكونية التي شنها ضد سورية، ومن الحروب الأمريكية على أفغانستان سنة2001، والعراق سنة2003..‏ فقد تكبد ت الولايات المتحدة الأمريكية مبالغ طائلة في الحربين الأفغانية والعراقية، ولا سيما في العراق (2003-2011)،الذي استنزفت فيه موارد مالية أمريكية كبيرة قدّرها ترامب في إحدى تغريداته بنحو 3 تريليونات دولار، الأمر الذي قاد إلى إنهاك الاقتصاد الأمريكي، ورفع نسبة الديون الأمريكية إلى نحو 19500مليار دولار، إضافة لوجود فائدة سنوية على هذه الديون تقدر بنحو 546 مليار دولار، فضلاً عن ارتفاع الميزانية العسكرية والمساعدات الخارجية المقدمة لدعم الحلفاء لضمان هيمنة الإمبريالية الأمريكية على النظام الدولي، وهو ما مثل عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على الولايات المتحدة.
ولا يجب إغفال أن الحروب الأمريكية الرامية إلى إدامة سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي أحادي القطبية، لم تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، فقد ترتب عليها زيادة العمليات الإرهابية الموجهة ضدّها، سواء في أفغانستان والعراق، أو حتى في الداخل الأمريكي، وعلى مستوى آخر، فقد ترتب على تبني واشنطن سياسات هجومية، ثم انشغالها في مرحلة تالية بإنهاء حروبها في الشرق الأوسط إعطاء الفرصة للقوى المناوئة لها، إقليمياً ودوليًا لتعزيز قوتها، كما ظهر ذلك جليًا في الحرب الإرهابية الكونية ضد الدولة الوطنية السورية، حيث برزت إيران كقوة إقليمية حقيقية في منطقة الشرق الأوسط، وحققت روسيا من خلال التدخل العسكري في سورية عبر عاصفة السوخوي منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015، إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي في النظام الدولي الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن عيه بإطلاقية منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، ونجاح الصين في تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية.

*كاتب تونسي.

المصدر: مجلة البلاد اللبنانية ،العددرقم 153، تاريخ السبت 10 تشرين الثاني – نوفمبر 2018 .

Optimized by Optimole