التوظيف السياسي للأقليات في الشرق الأوسط قديمًا وحديثًا

التوظيف السياسي للأقليات في الشرق الأوسط قديمًا وحديثًا
Spread the love

شجون عربية – بقلم: سماح دواهدي* |

بعد إنتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي عام 1991، وتحول العالم إلى أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والتي سعت وتسعى بالبقاء والسيطرة على قيادة دول العالم، تارةً من خلال التحالف والهيمنة وتارةً من خلال إثارة المشاكل والفتن.
وقد انتهجت في سياستها إلى إغراق عدد من الدول في مشاكلها الداخلية واضعافها من أجل السيطرة عليها، فكانت الأقليات هي الهدف الذي سعت بالوصول إليه داخل الدول وبالأخص دول منطقة الشرق الأوسط، التي هي من ضمن اهتماماتها مع حلفائها لما لها من أهمية استراتيجية وجغرافية تطمع بالاستحواذ عليها، وذلك بحجة تطبيق حقوق الإنسان من أنظمة تغيب عنها الديمقراطية، وإشراك أقلياتها في النظام السياسي.
عالميًا لا تكاد أن تخلو دولة من التنوع الطائفي والديني والقبلي، والذي من الممكن أن يخلق حالة من عدم الاستقرار عند الدولة خاصة التي تعتمد إقصاءهم وعدم تطبيق العدالة بحقهم، والأخطر من ذلك إذا تم استغلالهم من أطراف خارجية لإثارة المشاكل لتحقيق مصالح خاصة بها.

أولا: التوظيف السياسي للأقليات في الشرق الأوسط
خلفية تاريخية:
منذ القدم وقضية الأقليات تستحوذ على الاهتمام ففي سنة 1856 أولى مؤتمر باريس اهتمام بالأقليات خاصة اليهود والمسيحيين في الدولة العثمانية، وفي عام 1919 تم إنشاء معاهدة حقوق الأقليات التي وقعت عليها جميع الدول في مؤتمر باريس للسلام، كما استخدم الاستعمار الأقليات لتحقيق مأرب داخل الدولة المستعمرة، إذ كانوا يلجؤون إلى إثارة الفتن وتأجيجها، كما فعل نابليون بونابرت مع أقباط مصر وتحريضهم على أنهم سكان مصر الأصليين وإن الإسلام هو المحتل، وما كرره المشروع الصهيوني سنة (1861-1973) بإثارة الأقليات في الوطن العربي وتقديم الدعم لهم، كبعض الموارنة في لبنان، أيضًا سنة 1982 مشروع (أودينون) الذي تسعى من ورائه إسرائيل لتفتيت الدول العربية إلى عدد من الدويلات.
ففي سنة 2001 أي بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وما شهده العالم من تغيرات، استغلت الولايات المتحدة الأقليات في الشرق الأوسط وخاصة في العراق، وذلك تمهيدًا لاحتلالها بحجة القضاء على الإرهاب، إضافة إلى إحداث ما يسمى بالربيع العربي سنة 2011، والسماح بدخول أجندات خارجية بحجة التهدئة، والتي استغلت ذلك وأصبحت البلاد العربية تحت سيطرة عدد من القوى التي تتقاسم المنطقة كروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل.
التوظيف السياسي: هو استخدام أو استغلال قضية لتحقيق سياسات معينة القصد منها الوصول إلى تحقيق أهداف سياسية، دينية، فكرية، وهو نوعان: داخلي: كإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار في البلد، والنوع الثاني خارجي: والهدف منه إثارة النزاعات داخل الدولة لتحقيق أطماع دول خارجية، وتستخدم فيه إثارته عدد من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني، كذلك استخدام القوة العسكرية في حال ما يرونه مناسبًا.
أثر التوظيف السياسي للأقليات في منطقة الشرق الأوسط: لقد أدى استغلال الأقليات في منطقة الشرق الأوسط إلى حدوث صراع داخلي وعدم استقرار سياسي واقتصادي وقد وصل إلى حد النزاع والقتال المسلح في بعض الدول كاليمن وسوريا والذي أدى إلى تدمير البنى التحتية ووقوع العديد من الضحايا الأبرياء.
بالنسبة لتركيا خاصة بعد استلام حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا في عام 2002، وبعد فشل محاولاتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أخذت بالتوجه نحو البلاد العربية والإسلامية لبسط نفوذها والسيطرة من خلال الجماعات الإسلامية المنتشرة في مجتمعات البلاد العربية، فقد كان الربيع العربي فرصة لتركيا ببسط نفوذها خاصة بعد صعود هذه التيارات إلى سلم الحكم كالإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس، أيضًا قضية الأكراد في العراق وهي القضية التي استغلتها أميركا وإسرائيل لتحقيق أطماعها في المنطقة.
الأقليات: والتي اختلف على تعريفها العديد من المفكرين والباحثين لأسباب منها، اختلاف تواجدهم من دولة لأخرى، وضع الأقلية سياسيًا داخل الدولة، ما يميزهم عن غيرهم داخل البلد.
وهي ما يتم توظيفها سياسيًا وهي عامل أساسي في عدم استقرار الدولة ويتم استغلالها خارجيا لإثارة الفتن داخل الدولة كما يحصل في منطقة الشرق الأوسط أو يمكن أن تساعد على استقرار البلد من خلال إشراكها في السلطة وإعطائها الحقوق والواجبات للتمتع بها. لكن يوجد العديد من الأقليات فهناك:
الأقلية القومية التي ترفض الانسجام مع مجتمعها تشترك باللغة والأصل والدين واللغة والتاريخ.
الأقلية العرقية والتي يرتبط أفرادها بالأصل والدين والثقافة ويحافظون على هويتهم.
الأقلية الإثنية تجمعها ثقافة كاللغة والدين والتاريخ والهوية.
الأقلية السلالية ويحملون صفة مشتركة تنتقل بالوراثة كالبشرة والشكل العام.
والأقليات المذهبية والدينية الذين يتميزون بالدين والمذهب.
العشائرية القبلية والتي تسيطر من خلال عدد أفرادها وإمكانياتها.
الاستقرار السياسي: الذي ينتج عن تمكين المواطنين بالمشاركة في تغيير القانون الأساسي للدولة ضمن القوانين المتاحة، والعيش بعلاقة تكاملية بين الدولة والشعب، بعكس عدم الاستقرار السياسي الذي يحصل في ظل غياب الأنظمة والقوانين واعتلاء النظام دون اللجوء إلى مشاركة جميع أطياف المجتمع بما فيها الأقليات، ولمحافظة الدولة على استقرارها السياسي لا بد لها من تطبيق ما يلي: التجانس القومي، شرعية النظام الحاكم، تطبيق الديمقراطية والوحدة الوطنية، القدرة على حماية الدولة من أي مخاطر، انتقال السلطة بسلاسة، ثبات الحكومة والبرلمان وعدم اللجوء إلى التغيير المتكرر. بذلك تحافظ الدولة على استقرار أوضاعها وقدرتها على إدارة شؤونها ضمن علاقة تكاملية بين أطياف الشعب والنظام بغض النظر عن العرق والدين واللغة.

ثانيًا: صور التوظيف السياسي لأقليات الشرق الأوسط
تضم منطقة الشرق الأوسط في تكوينها الدول العربية بالإضافة إلى عدد من الدول التي تقوم على أساس عرقي، ودول تقوم على أساس طائفي، وهي تضم الديانات الثلاث(الإسلامية، المسيحية، واليهودية)، بالإضافة إلى المذاهب المختلفة والتي ليست دائمًا هي مصدر لعدم الاستقرار السياسي بل على العكس إذا منحت ومارست حقوقها، لكن يحدث ذلك إذا تم إقصاؤها، فتلجأ إلى التظاهر للمطالبة بحقوقها وقد تتطور التظاهرات إلى حد القتال خاصة إذا كان هناك تدخل خارجي يثير تلك الاحتجاجات ويغديها، ويسمح لنفسه بالتدخل بحجة الحماية لهذه الأقليات من ممارسات الدولة، وهو بالأصل يهدف لتمرير ولخدمة مصالحه.

ثالثًا: ميكانيزمات تجاوز التوظيف السياسي للأقليات
حتى تتجاوز الدولة الاستراتيجية التي تتبعها الأقليات التي تشعر بالتهديد في وجودها، وتلجأ إلى التعاون والاتحاد فيما بينها لتشكيل قوة مواجهة مع الدولة من أجل الحفاظ على بقائها وكيانها، والتي قد تنتهج السلم مع الدولة أو عكس ذلك، فعلى الدولة الإعتراف بحقوقهم وإشراكهم في الحياة السياسية، ولتتجاوز الدولة التوظيف السياسي لا بد من: تحقيق المساواة بين المواطنين، وعدم التمييز بينهم، وبذلك تتجلى الوحدة الوطنية ويتحقق الاستقرار، واستخدام القوة والقمع، وهنا من الممكن أن يحصل التمرد كون العلاقة غير مرضية من قبل الشعب. فعلى سبيل المثال، فرنسا البلد الأوروبي الوحيد الذي ينتهج إشراك من يحمل الجنسية الفرنسية بالترشح والانتخاب بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، ويتمتع بالحقوق والواجبات التي تقدمها الدولة.
وفي الختام، وحتى تتمكن الدولة وتتقدم في بنائها وتطورها والمحافظة على قوتها وأمنها، لابد لها من أن تبدأ من مكونات الشعب الذي هو اللبنة الأساسية للبناء وعماد الدولة، فعبر إشراك جميع أطيافه بغض النظر عن الدين والعرق، والتعامل بسواسية يضمن للدولة تقدمها وبناءها، ولن يكون هناك فرصة للسماح لأي استغلال خارجي بالوصول إلى أطياف معينة لإثارتها حول نظامها الذي يحافظ على حقوق مواطنيه.
فالاستقرار السياسي ينطلق من أقليات الدولة التي يتم دمجها والتي لا تشعر بالإقصاء، بل على العكس هي عضو فاعل لها حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت سقف الدولة، بعكس عدم الاستقرار السياسي الذي ينتج نتيجة غياب الديمقراطية والتمييز بين الأقليات، والتي تلجأ إلى التعاون مع أجندات خارجية لدعمها ومساعدتها في الحصول على حقوقها كما يحصل في عدد من الدول خاصة دول منطقة الشرق الأوسطٍ، التي تعاني من عدم الاستقرار الداخلي والذي تثيره الدول الكبرى تحقيقًا لمصالحها واستراتيجياتها.

*باحثة في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأميركية، فلسطين

المقالة تعبّر عن رأي كاتبها حصراً ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.

Optimized by Optimole