الانتخابات الفلسطينية استحقاق شعبي

الانتخابات الفلسطينية استحقاق شعبي
Spread the love

بقلم: د.رائد ابو بدوية* |

فاجأتني مقالة للدكتور غازي حمد بعنوان ” الانتخابات … المهدي المنتظر أم المسيح الدجال؟!!” منشورة بتاريخ 6تشرين الأول/أكتوبر2019، فوجدت نفسي أكتب له وأقول:

عزيزي د. غازي حمد

أما بعد،
بالتأكيد إن الأغلبية الفلسطينية لا تنظر الى الانتخابات الفلسطينية باعتبارها – كما قلت وكتبت أنت – (المسيح السياسي) ولا (الحل السحري)، وبالتاكيد أيضاً لا ينظر إليها على اعتبارها “المخرج الوحيد”، ولكنها من دون شك أحد أهم المخارج السياسية للحالة الفلسطينبة الراهنة. وهي بالتأكيد أيضاً، إحدى أهم أدوات التعزيز للنظام الديمقراطي الفلسطيني المتهتك والمتهالك أصلاً، وهي بالضرورة تعزيز لنظام سياسي عانى الأمرين بعد سنوات طوال من الانقسام .
هي بالتأكيد يا عزيزي ليست مسابقة كبر أو صغر حجم سياسي لهذا الفصيل أو ذاك، كما يراها البعض، بل هي حق سياسي أصيل تمارسه الشعوب من دون إذن من أحد وتنتزعه إن لزم الأمر. وهي من باب أولى ليست منة من أحد يساوم عليها لغايات مصالحه السياسية الضيقة سواء بلونه الأصفر أو الأخضر، حتى لو استخدمها الآخر – كتكتيك سياسي – خروجاً من عنق الزجاجة التي وضع نفسه وشعبه فيها أو آمن بها البعض خروجاً من أزماته الداخلية أو رفضها البعض خوفاً على مكتسبات لم يكن ليتحصل عليها لولا تهميش صوت الشعب الفلسطيني.
عزيزي د. غازي حمد، في الوقت الذي تدعي فيه – في مقالتك – تناقض من يطالب أو يوافق على إجراء الانتخابات العامة، أوقعت نفسك في تناقضات ومعضلات عدة لا يجوز أن يقع فيها من هو بمكانتك السياسية داخل فصيل سياسي يعد من أهم الفصائل الفلسطينية.
لقد بنيت موقفك السياسي تجاه عدم اجراء الانتخابات على محاور لم تكن كافية لتبرير موقفك تجاهها:
1. فالقول بإجراء الانتخابات تحت “حراب الاحتلال”، لا نرى فيه حجة كافية لسلب الشعوب حقها في ممارسة الحكم، لا بل إن انتخابات الشعوب لممثليها السياسيين ما هو إلا شكل من أشكال السيادة التي تمارسها الشعوب في دولها المستقلة، ومن باب أولى فممارستها من قبل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال يمثل شكلاً من اشكال استردادها وانتزاعها من يد الغاصب المحتل .
أما وما اوقعت نفسك به من حيث عدم التمييز ما بين حق الشعب في الانتخاب وبين قدرة ممثليه على ممارسة أشكال السيادة المنوطة به، فهذا الأمر منوط بواقع الاحتلال البغيض الذي يضع جميع المعيقات المادية والأمنية والاقتصادية والسياسية أمام ممارسة ممثلي الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل من ممارسة سيادته. ولعل هذا الأمر مرتبط أصلاً بالدور المنوط بالسلطة الفلسطينية ذات الدور الخدماتي المدني تحت مظلة اتفاق أوسلو. وحتى لا نظل أسرى لاتفاق أوسلو ومظلتها، ينبغي ألا نتمنى من أوسلو أن تغيّر واقعنا بل أن نخلق واقعاً فلسطينياً جديداً يغيّر من أوسلو واشتراطاتها.
لعل الدور الذي تتمناه – في مقالتك – للسلطة هو دور أكبر من واقعها بكثير، دور يتناسب أكثر مع منظمة التحرير الفلسطينية، فهي الأم الأصيلة التي تحتاج منكم دخولها والعمل الجاد على إعادة هيكلتها بالشكل الذي يتناسب مع سبب وجودها وهو تحقيق مشروع التحرر الوطني الفلسطيني. ومن هنا يمكن التعريج على تمثيل الكل الفلسطيني الذي طالبت فيه في مقالتك المذكورة.
2. أما القول عزيزي بربط الانتخابات الفلسطينية العامة بالمجتمع الدولي وتحركه لنصرة حقوق الشعب الفلسطيني، فهذا الأمر فيه مغالطة واضحة، فالانتخابات الفلسطينية ليست مصلحة دولية وليست أداة دولية وليست محركا اساسيا من محركات السياسة الدولية تجاه الصراع في الشرق الاوسط، ولعلك يا عزيزي تعلم – او يفترض فيك ان تعلم – ان المواقف الدولية للاطراف الدولية الفاعلة لا تقوم الا على القوة (اقتصادية و/او عسكرية) ولا توجهها الا بوصلة المصالح. وأفترض فيك العلم ان ما يسمى بـ”الشرعية الدولية” ما هو الا انعاكس لهذه العوامل مجتمعة وأداة من أدواتها. ومن هنا يا عزيزي لا نرى الا رابطاً يكاد يكون “شعرياً” بين الانتخابات الفلسطينية – والتي هي مصلحة فلسطينية محضة – وبين مصالح الفاعلين الدوليين. ولسنا في هذا المقال لهذا المقام بصدد الحديث عن الأدوات الدبلوماسية الفلسطينية اللازمة لتفعيل الأدوات السياسية الدولية لنصرة الحقوق الفلسطينية على الصعيد الدولي .
لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمناً كبيراً جراء الانقسام، ومنح فصائله وقتاً طويلاً لأجل إنهائه، ولعله مني أيضاً بكثير من خيبات الأمل التي صاحبت المحاولات الفاشلة والمتكررة لأجل عودة الكل الفلسطيني كما كان. ولحبك -عزيزي الدكتور- بعلم العمارة وطبقاته (كما لاحظت في مقالك المذكور)، فدعني أقول لك إن معظم محاولات إنهاء الانقسام القادمة من “الطبقات السياسية العليا” باءت بالفشل. وقد آن الآوان أن تمارس القاعدة الشعبية صاحبة الاختصاص الأصيل محاولتها الشرعية لبناء حضن فلسطيني وحدوي يفرض رؤياه الوطنية على الكل الفلسطيني. ولعل هذا كله يجعل من الانتخابات الفلسطينية العامة استحقاقاً ومطلباً وطنياً لا يحتمل التاخير، لعلها تكون بوابة من بوابات التوافق الفلسطيني المطلوب.

*أستاذ القانون في جامعة النجاح الوطنية

Optimized by Optimole