مفهوم القوة ما بين السياسة والعلاقات الدولية

مفهوم القوة ما بين السياسة والعلاقات الدولية
Spread the love

بقلم: عبد اللطيف مشرف _ باحث دكتوراه في التاريخ السياسي جامعة أولوداغ- – مدير الوحدة السياسية والاستراتيجية لمركز المجدد للبحوث والدراسات/

برغم من أن الفلاسفة والعلماء الاجتماعيين والإستراتيجيين العسكريين قد أفاضوا منذ القدم حول تناول مفهوم القوة واختلفوا في تعريفه إلا أن الاختلافات القائمة بينهم لم تكن جوهرية بالقدر الكبير، وذلك بالنسبة للأغراض العلمية التي تختلف كثيراً في طبيعتها عن المداولات الأكاديمية؛ على قدر أهمية الأخيرة.

والقوة (Power) هي ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلك فالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضون إرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم الخاصة.
تعتبر قوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية ([1]).
ونرى بطبيعة الحال لا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئة أو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة، ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير ([2])” ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هو استخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين.

مفهوم القوة تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية … الخ. ولكن أياً من مصادر القوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة هي مجرد امتلاك مصادر القوة كالموارد والقدرات الاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين.

تعريف القوة لغةً:
ورد في المعجم الوسيط أن القوة هي ضد الضعف وهي الطاقة، وهي تمكن الإنسان من أداء الأعمال الشاقة، وهي المؤثر الذي يغير أو يحيل حالة سكون الجسم، وهي مبعث النشاط والحركة والنمو وجمعها قوى، ورجل شديد القوى أي شديد وقوي في نفسه وقوَّى دعم ووطَّد، كما نجد أن القوي والقادر والمقتدر من أسماء الله الحسنى، تأتي القوة بمعنى الجد في الأمر وصدق العزيمة، وقد وردت القوة في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وعلى سبيل المثال ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ “أي أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية ” – “خذوا ما أتيناكم بقوة ” أي بحـزم وعزم ” – “لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد ” – أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم .

والقوة هي لغة كل العصور وهي أحد المفردات الهامة التي يتوقف عندها المفكرون في كافة أنحاء الأرض وبمختلف لغاتهم، حيث تبين أن معناها يكاد يكون واحد في كل اللغات حيث يدور في إطار مفهوم القدرة على الفعل والاستطاعة والطاقة وهي ضد الضعف وتعني أيضاً التأثير والنفوذ والسلطة.

تعريف القوة اصطلاحًا:

يعرف علم الاجتماع القوة “بالقدرة على إحداث أمر معين” و”تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين”، يعتبر موضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدولية لذا جاء تعريف وتفسير مفهوم القوة للكثير من الكتاب والمفكرين في هذا الإطار.
وفي رأي كارل فريدريك فإن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعية فعند القول إن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعون نظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الاستمالة والنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أن يجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى اتفاق وتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة ([3]).

ويرى سبيكمان أن القوة تعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرة أيضاً على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرين ذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات ([4])..
ويرى كل من ميكافيلي وهوبز ومورغنثوه على أن القوة هي الوسيلة والغاية النهائية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجال العلاقات الدولية.

ولقد بلور علماء الجيوبولتيكا مفهوم القوة وكأنه مرادف لمفهوم السيطرة فلقد بين راتزل بأن الدولة كائن حي يحتاج إلى النمو والتطور حتى لو كان عن طريق القوة. ويعتبر علماء السياسة أن مفهوم القوى هو المفهوم الرئيسي في علم السياسة بل ومن المفاهيم الرئيسية في العلوم الاجتماعية كلها ومن ناحية أخرى فإن السياسة ترتبط بشكل وثيق مع القوى، كما أن البحث عن القوة يميز السياسة عن الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني ([5])..

دور القوة في العلاقات الدولية:
يتحدد دور ووزن أي دولة من الدول في المجال الدولي بحجم مواردها المادية أو البشرية التي تضعها في خدمة عملها الدبلوماسي الإستراتيجي، ومن واجب الدول أن لا ترسم لنفسها أهدافاً لا تستطيع مواردها تحقيقها، ولقد تبدل دور القوة الآن، لأن أهداف الدولة تبدلت بدورها، على سبيل المثال فإن هدف الدولة كان في وقت مضى يتمثل في الحصول على موقع قوة يتفوق نسبياً على الدول المجاورة وعلى مكاسب اقتصادية بالمقارنة مع المكاسب السابقة، ولكن الدولة اليوم هي أكثر اهتماماً بموضوع المكاسب الاقتصادية المطلقة التي تمكن مواطنيها من التمتع بمستوى أعلى من الحياة، وهذا التقدم الاقتصادي يتطلب عالماً مستقراً يكون التعاون الاقتصادي الدولي فيه ممكناً والدول تعتمد على بعضها إلى حد كبير، والمشكلات الأكثر صعوبة في عالم اليوم لا يمكن حلها إلا عبر الجهود المشتركة، والطرق الحالية المستخدمة في حل النزاعات والـخلافات علـى المصالح تعتمد أكثر فأكـثر علـى الدبلوماسية الماهرة، والمساومات الهادئة الهادفة إلى تحقيق مستويات مقبولة من الجميع، كما يجب التفريق بين استخدام القوة والتهديد باستخدامها وهو الأكثر شيوعاً في العلاقات الدولية والذي يبدو جلياً في عمليات الردع (23) DETERRENCE.

ونشاهد حالياً تغيير عالمي لمفهوم القوة إذ في ظل التعادل النووي لموازين القوى على المستوى العالمي يستحيل على القوى العظمى تغيير هذه الموازين المركزية، لأن مثل هذه لمحاولات محاطة بالخطورة الكبرى، وهذه الحقيقة لا تترك إلا مجالاً واحداً للعب في هذه الموازين في الدول الهامشية وهي القوى الإقليمية.

ولقد نادي جورباتشوف باستبعاد استخدام القوة في حل الصراعات العالمية وأضاف إليها الصراعات الإقليمية أيضاً، ورغم ذلك فإن القوة ستظل تلعب دوراً حاسماً كوسيلة لتحقيق مصالح الدول وكقياس لمكانها ووضعها في النظام الدولي.

المراجع:

[1] إبراهيم صبري مقلد: العلاقات السياسية الدولية، ط 5، ذات السلاسل للطباعة والنشر، الكويت، 1987، ص 163.

[2] رواه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله 4/ 2052 (2664).

[3] هيئة البحوث العسكرية: حساب القوة الشاملة، القاهرة، إدارة المطبوعات والنشر للقوات المسلحة، 1990م، ص 1.

[4] جوليان لايدر : حول طبيعة الحرب ، مركز الدراسات العسكرية ، ط 1 ، دمشق ، 1981م ، ص 75 .

[5] المرجع نفسه: ص 92.

Optimized by Optimole