كيف تستغل الثورة؟

كيف تستغل الثورة؟
Spread the love

بقلم: سام عبد الحميد محمد —

بما أن الثورات هي اندفاع عنيف الى تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييراً جذرياً فإن أول متطلباتها هو العنف وهذا هو تعريف الثورة.
أما مقوماتها فهي تعتمد على استهلاك الشعوب الفقيرة وزجها في هكذا صراعات وفي أغلب الأحيان يقوم بقطاف ثمار هذه الثورات طبقة أخرى تجيّر مكاسب تلك الثورة لمصالح شخصية أو طبقية أو سياسية ضمن تكتلات دولية وغالباً ما تكون استعمارية. أما عن واقع الثورات في الوطن العربي فقد اقتصرت في كل العصور على بعض الحراكات البسيطة.
ففي العصر الجاهلي لم نعهد أي حراك ثوري ضد الواقع المهين والعادات الجاهلية المقيتة باستثناء حركة التحرر التي نعتت بالصعلكة حيث سمي عناصرها بالصعاليك تقزيماً لها والقليل مما ذكره التاريخ عما كان ينادي به عبد المطلب في العصر الجاهلي من تحرر الإنسان من العبودية بكافة أشكالها ولكن ما كتب عن هذا الموضوع كان ضحلاً جداً.
أما في العهد الاسلامي وبعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت هناك نزاعات من بداية عهد الخلفاء الراشدين جُيّرت جميعها لاستقدام شخص ما للخلافة، ولكنها كانت تحل سلمياً لحقن دماء المسلمين لأن المجتمع كان متأثراً بما حققه الدين الجديد من وحدة الصف ونبذ العبودية.
وما بعد العهد الراشدي ولأول مرة في تاريخ أمتنا تقوم ثورة ينتصر فيها الدم على السيف هي ثورة الحسين بن علي عليه السلام. ولن أتكلم عنها طويلاً علما أنها تستحق الكثير ولكن لتجنب تكرار ما كتبه الكثيرون من مغارب الأرض الى مشارقها عن هذه الثورة حيث لا تذكر في مناهج المسلمين وخصوصاً العرب مع شديد الأسف.
في العصر الحديث كانت الماكينة السياسية في الدول المتصارعة على مقدرات العالم كثيراً ما تقود حراكات خارج أراضيها بحجة تحرير الإنسان لإنتاج أنظمة عالمية جديدة، إن الثورات التي قامت بها الطبقات المسحوقة في المجتمعات لتغير النظام من مشاعي الى اقطاعي الى رأسمالي لم تحقق لهذه الطبقة أي مكتسبات الا ما قل وندر. أما الثورات التي قامت ضد الرأسمالية فقد كشفت جميع ولاءاتها وداعميها ولكن للأسف الشديد بعد حين من الزمن.
وكلنا يعلم أن الثورة العربية الكبرى كان يقودها ما يسمى لورانس العرب (توماس ادوارد لورانس ضابط الاستخبارات البريطاني). وقبل وجود هكذا محرك لما يسمى ثورة بقي الوطن العربي أكثر من 400 عام مقراً بالخلافة الاسلامية للأتراك العثمانيين من دون وجود أي حراك مناهض أو ثوري طوال هذه المدة.
لا ننكر أن بعض الشعوب استفادت في مرحل معينة وقامت بشبه ثورات منطقية ولكن للأسف الشديد سرعان ما تم الالتفاف على مكتسبات هذه الثورات وصولاً الى ما يسمى “الربيع العربي” بقيادة برنار هنري ليفي وما أتت به من ويلات على وطننا. لن نذكر هنا الا ما عشناه في بلدنا سوريا لأن أهل مكة أدرى بشعابها حيث قام السفير الأميركي في دمشق أنذاك روبرت فورد بقيادة بعض التظاهرات بشكل علني بما يتعارض مع جميع الأعراف والقوانين الدبلوماسية الدولية المنصوص عليها في شرعة الأمم المتحدة. مع العلم أن الكثيرين من الشعب السوري ركبوا هذه الموجة من دون دراية بسبب المطالب المحقة لهذا الشعب التي اعترف بها حتى رئيس الجمهورية في بلدنا، ونحن لا ننكر حقوق الشعوب في النضال من أجل مكتسبات حقيقية ولكن سميت بثورة زوراً وبهتاناً لأن الثورة لا تقوم على هدم الممتلكات العامة والخاصة. وهذا ما حصل، عدا استقدام مقاتلين مرتزقة من 183 دولة لتحارب الدولة السورية فكانت نسبة السوريين في هذه الفورة نحو عشرة آلاف وكان قواد الفصائل “الجهادية” التكفيرية أبو عبدالله السعودي وأبو محمد الشيشاني وأبو يوسف الأفغاني والكثير من الأسماء المعروفة. حقيقة لو تمتع بعض السائرين في هذا الركب بدرجة من الوعي لوجدت هناك حلول ثورية حقيقة تسمو بشعبنا ودولتنا .
الحديث عن الثورات لا يختصر ببضع أسطر ولكن أحببت أن أنوه أن الثورات تحدث بفعل محرك وغالباً ما يقطف ثمارها من لم يحمل سلاحاً ولم يرسل أبناؤه الى جبهات القتال والمواجهة اذا نجحت.

سام عبد الحميد محمد كاتب سوري.

Optimized by Optimole